شباب الشعلة بجهة بني ملال يلتئمون لبلورة ملامح جهوية أكثر قوة وعدلا وإنصافا

تحت شعار «من أجل جهات قوية تستجيب لطموحات وانتظارات الشباب»، واصلت «جمعية الشعلة للتربية والثقافة» ديناميتها الجهوية بتنظيم محطة جديدة من لقاءاتها الرامية إلى تعزيز حضور الشباب في الفعل المدني ودعم قدراتهم في مجال المشاركة المواطنة، وفي هذا الصدد احتضنت مدينة خنيفرة، على مدى أيام الجمعية، السبت والأحد 14، 15 و16 نونبر 2025، بفضاء مركز استقبال الشباب أم الربيع، فعاليات اللقاء الجهوي لجهة بني ملال خنيفرة، بمشاركة أزيد من خمسين شابة وشاب يمثلون مختلف الفروع المنتشرة عبر تراب الجهة.
اللقاء الجهوي جرى افتتاحه في حضور عضوي المكتب الوطني، المصطفى لحويدك ونجاة أزينى، وتسيير المنسق الجهوي زكريا العماري، وعضو المجلس الإداري إدريس شرقني، في أجواء تفاعلية جسدت تنوع التجارب الجمعوية وروح الانتماء والمسؤولية، حيث انطلقت الجلسة الافتتاحية بلقاء تشخيصي مكن المشاركين من الإحاطة بالسياق العام لهذه اللقاءات كفرصة لتعبير الشباب عن اقتراح مسارات عمل من شأنها الارتقاء بالأدوار التربوية والثقافية للجمعية، بما يجعلها أكثر قربا من الواقع الاجتماعي وأكثر التصاقا بحاجات الفئات الشابة في الجهة.

تحديات العمل الجهوي

اللقاء الذي جاء في سياق احتفاء جمعية الشعلة بخمسين سنة من العطاء التربوي والثقافي الموجه لخدمة الطفولة والشباب، استهلته نجاة حضار، نائبة المنسق الجهوي، الجلسة الافتتاحية بتلاوة أرضية اللقاءات الجهوية، التي وضعت الشباب في صلب دلالات هذا المشروع الممتد على مرحلتين خلال أيام 7 و8 و9، و14 و15 و16 نونبر 2025، باعتباره فعلا جمعويا نوعيا يوظف الثقافة والتربية والتطوع جسورا لبناء الإنسان المواطن المؤمن بقيم الحرية والمواطنة والتعدد، ويعيد الاعتبار لدور الجمعيات في ترسيخ الجهوية المواطِنة.
وفي سياق الجلسة الافتتاحية، توقف المصطفى لحويدك عند رهانات جمعية الشعلة على جهوية قوية ومؤثرة قادرة على خدمة المجتمع وتعزيز المسار الديمقراطي، مؤكدا أن أي مشروع لا يجعل الشباب في قلب تصوراته إنما يراهن على الفراغ، وأن الاستثمار في الطاقات الشابة هو استثمار في ثروة وطنية قادرة على صناعة التحول، ودعا إلى تعزيز آليات الترافع من أجل حماية مصالح الطفولة والشباب، مشيرا إلى هوية الشعلة ومرجعياتها ومسار مؤتمراتها التي جعلت منها فضاء حيا للالتزام والتكوين والعمل التربوي.
ومن جهتها، عبرت نجاة أزينى عن اعتزازها بالحضور الشبابي، معتبرة أن اللقاء يرتكز أساسا على الجانب التكويني وعلى تقييم أدوار الجهة وانتظاراتها وإكراهاتها وتحدياتها في أفق «المنتدى الوطني» المزمع عقده خلال شهر دجنبر المقبل، وأكدت أن هذا المنتدى يعول بشكل كبير على أفكار الشباب ومقترحاتهم الجريئة من أجل بلورة تصورات جديدة، مشيرة في الوقت نفسه إلى أهمية العلاقات التي تجمع الجمعية بشركائها، ومعربة عن أملها في أن تسفر الورشات عن توصيات ذات قيمة مضافة ونتائج مثمرة ترفع من أثر العمل الجهوي.
أما إدريس شرقني فحرص بدوره على الترحيب بالمشاركين من شباب الجهة فوق أرض عاصمة زيان، مستحضرا تاريخ تأسيس فرع الشعلة بخنيفرة قبل ما يقارب ثلاثة عقود، في إشارة إلى عمق التجربة الشعلوية وحضورها المتجذر في الفعل التربوي والثقافي، وشدد على أن الشعلة كانت وستظل فضاء للمواطنة الفاعلة، ورافعة من روافع بناء مستقبل الحرية والديمقراطية، عبر تشجيع قيم المسؤولية والعمل المشترك وغرس ثقافة المشاركة لدى الأجيال الصاعدة.
وقبل انتقال ممثلي الفروع إلى تقديم تقاريرهم الأدبية، اتسم «لقاء خنيفرة» بنقاشات لامست عددا من القضايا والإشكالات التي منها ما يتعلق مثلا بالإجراءات الإدارية والقوانين لدى السلطات المحلية، كما أثارت مفاجأة رفض قبول دور الشباب كمقرات يستند إليها في ملفات التأسيس أو التجديد جدلا واسعا، خصوصا بعد تسجيل هذا الرفض في حالة فرع بني ملال، ولم يكن الجانب المالي بعيدا عن النقاش، إذ أخذ حيزا زمنيا مهما بالنظر إلى حرص الجمعية على أن تكون نموذجا في التدبير المالي الشفاف.

رهانات مستقبل الشباب

وتخلل اللقاء حضور مميز للشعلوية والناشطة بهيئة المحامين الشباب بجهة بني ملال خنيفرة، الأستاذة شيماء جوهري، التي قدمت ورقة فكرية بعنوان «الشباب المغربي ورهانات المستقبل»، انطلقت فيها من تشخيص دقيق لواقع الشباب بالمغرب، وما عبر عنه «جيل زد» من حراك متنامٍ يطالب بالكرامة والعدالة الاجتماعية، وبإصلاح التعليم والصحة، واعتبرت المتدخلة أن الشباب المغربي يمثل ثروة وطنية قادرة على الارتقاء بالمجتمع، غير أن ضعف المشاركة السياسية واستمرار نزيف هجرة الأدمغة يشكلان تحديا بالغ التأثير على المستقبل.
ودعت جوهري الشباب إلى التحلي بروح المبادرة والفاعلية السياسية للمساهمة في تدبير الشأن العام، مؤكدة في المقابل ضرورة دعم هذه الفئة اجتماعيا وثقافيا واقتصاديا، وتوفير شروط التمكين وفرص الشغل وريادة الأعمال، وتطرقت إلى أهمية التحول الرقمي ودور مراكز الشباب في مواكبة هذا التحول، مشددة على الدور الريادي للجمعيات في المغرب باعتبارها فاعلا أساسيا في التأطير الثقافي والفكري والاجتماعي، وفي النهوض بالطفولة باعتبارها أساس شباب الغد.
واعتبرت أن تطوير منظومة التعليم والتكوين ضرورة استعجالية لمواكبة التحولات الرقمية والثقافية المتسارعة، كما وقفت عند غياب العدالة المجالية داخل جهة بني ملال خنيفرة، وما يترتب عنه من نقص في الوحدات الصناعية والمقاولات القادرة على امتصاص البطالة، في ظل إكراهات كبيرة يعانيها الشباب المعطل خلال تتبع المباريات وفرص الشغل، وشددت على أهمية الوقوف الجدي على مكامن الخلل داخل الجهة قبل التفكير في أي تقطيع جهوي، مع إحالة على عدد من الخطابات الملكية التي أولت للشباب موقعا محوريا داخل النموذج التنموي.
ولم يفت المتدخلة تقديم عرض ضوئي تحت عنوان «الشباب في أرقام»، أنجزته الجمعية مركزيا اعتمادا على إحصاءات رسمية تجسد وضعية الشباب، مستعرضة نسب الأمية داخل الجهة، والعزوف السياسي، إضافة إلى ضعف التغطية الصحية وانتشار مظاهر العنف الجسدي والجنسي، كما تطرقت إلى أرقام مقلقة حول البطالة والأمراض النفسية والاكتئاب وضغوط الحياة اليومية، فضلا عن انتشار ظاهرة الإدمان على الهاتف، وإشكالية الشباب القابع خلف أسوار السجون كضحايا لغياب التأطير الجمعوي والسياسي والتربوي، ولخيارات اجتماعية واقتصادية خاطئة.

توصيات النقاش العام

وإلى جانب تناولها البرنامج التعاقدي الذي تمت صياغته برسم السنة المقبلة 2026، شكلت الورشات الموضوعاتية جزء مركزيا من برنامج اللقاء، حيث توزعت على مناقشة الوضع التنظيمي لفروع الجهة، واستعراض الفرص المتاحة جهويا على مستوى الشراكات والمشاريع، إضافة إلى التوقف عند أوضاع الشباب وما يواجهونه بالجهة من مشاكل وإكراهات، مع التأكيد على ضرورة تقوية الفعل التشاركي الجهوي من خلال تطوير البنيات التحتية الموجهة للطفولة والشباب، والتشديد على أهمية برمجة تكوينات جهوية تستجيب لحاجيات المنخرطين.
وأوصى المشاركون بضرورة معالجة الإشكالات المرتبطة بتعثر وصولات الإيداع، كما هو الشأن بالنسبة لمدينة بني ملال، وشددوا على أهمية تعزيز دور الشباب عبر توفير ما يكفي من الأطر الإدارية والتربوية المؤهلة داخل مراكز الشباب، ودعا المشاركون كذلك إلى توسيع وتجهيز قاعدة ملاعب القرب باعتبارها فضاءات حيوية للاحتضان والتأطير والوقاية، وإلى إحداث هيئات استشارية داخل مجلس الجهة والمجالس الإقليمية بهدف إشراك الشباب في صناعة القرار محليا وإقليميا وجهويا، وتمكينهم من لعب دور مؤثر في صياغة السياسات العمومية.


الكاتب : أحمد بيضي

  

بتاريخ : 24/11/2025