جباية قياسية تثقل القدرة الشرائية وتضعف تنافسية المقاولات
الضريبة على الشركات تقفز بـ18 مليار درهم في سنة واحدة
تكشف معطيات المذكرة الشهرية للخزينة العامة للمملكة لشهر أكتوبر 2025 بوضوح حجم الضغط الضريبي الذي اعتمدته الحكومة خلال عشرة أشهر فقط من السنة الجارية، حيث بلغت المداخيل الجبائية الإجمالية 296.484 مليار درهم مقابل 254.648 مليار درهم خلال الفترة نفسها من سنة 2024، مسجلة ارتفاعا بنسبة 16,4 في المائة، مع توقعات أن تصل هذه الموارد مع نهاية السنة إلى 329.748 مليار درهم كما هو منصوص عل يه في قانون المالية، وهو ما يعكس تسارعا لافتا في وتيرة التحصيل وتضييقا متزايدا على الوعاء الجبائي الموجه بالأساس نحو الاستهلاك والأجراء .
وتبرز الأرقام أن الضرائب غير المباشرة والضريبة على الدخل شكلت العمود الفقري لهذا المجهود الجبائي، حيث بلغت مداخيل الضريبة على القيمة المضافة وحدها 91.703 مليار درهم إلى نهاية أكتوبر، منها 39.621 مليار درهم مداخيل داخلية و52.082 مليار درهم ناتجة عن الواردات، مسجلة ارتفاعا إجماليا بنسبة 9,9 في المائة مقارنة بسنة 2024، وهو ما يعكس الأثر المباشر لهذه الضريبة على إثقال كلفة السلع والخدمات ورفع الأسعار الاستهلاكية، وبالتالي تحميل العبء الأكبر للطبقات المتوسطة والفقيرة.
وفي السياق ذاته، سجلت الضريبة على الدخل مداخيل فاقت 56.311 مليار درهم بعد أن كانت في حدود 48.624 مليار درهم قبل سنة، بزيادة بلغت 15,8 في المائة، مع الإشارة إلى أن جزءا مهما من هذه الموارد مرتبط باقتطاعات تؤدى بشكل مباشر من أجور الموظفين والأجراء عبر مديرية نفقات الموظفين، التي سجلت وحدها 10.039 مليار درهم، ما يؤكد استمرار اعتماد الدولة على هذه الفئة كممول رئيسي للميزانية العمومية.
وتؤكد المذكرة أن الضريبة على الدخل تظل من بين أكبر موارد الخزينة، إذ تمثل 17,3 في المائة من مجموع المداخيل العادية، مقابل 24,5 في المائة للضريبة على القيمة المضافة، ما يعني أن أكثر من 41 في المائة من موارد الدولة تأتي من ضرائب تطال مباشرة الاستهلاك والدخل الفردي، في حين لا تسجل أي إجراءات فعلية تذكر في اتجاه توسيع قاعدة تضريب الثروة أو فرض مساهمات استثنائية على الرساميل الكبرى والأرباح المرتفعة.
وبموازاة ذلك، ارتفعت الضرائب الداخلية على الاستهلاك إلى 33.384 مليار درهم، مدفوعة خصوصا بزيادة الضريبة على المنتجات الطاقية التي بلغت 17.509 مليار درهم، وعلى التبغ المصنع بـ12.558 مليار درهم، وهي مؤشرات تعكس استمرارية نهج حكومي يقوم على توسيع نطاق الجبايات المرتبطة بسلوك المستهلك اليومي بدل مراجعة المنظومة الجبائية بشكل أكثر عدالة وتوازنا .
وانطلاقا من معطيات المذكرة الشهرية للخزينة العامة، يتضح أن الضريبة على الشركات شكلت بدورها أحد أبرز روافد الموارد الجبائية خلال الأشهر العشرة الأولى من السنة الجارية، إذ بلغت مداخيلها 77.439 مليار درهم مقابل 59.219 مليار درهم خلال الفترة نفسها من سنة 2024، أي بزيادة تناهز 18.220 مليار درهم وبنسبة نمو بلغت 30,7 في المائة، وهو ما يعكس تصاعدا لافتا في العبء الجبائي المسلط على النسيج المقاولاتي، خصوصا في سياق اقتصادي يتسم بتباطؤ نسبي في الطلب وارتفاع تكاليف الإنتاج والتمويل
هذا الارتفاع الملحوظ في محاصيل الضريبة على الشركات، والذي يفوق بكثير وتيرة تطور النشاط الاقتصادي الحقيقي، يكرس توجها يقوم على تعظيم الموارد عبر استنزاف القدرة الجبائية للمقاولات، وهو ما يجعل الضغط الضريبي عاملا مركزيا في إعادة تشكيل مناخ الاستثمار. فحين يقترب هذا الضغط من عتبة 30 في المائة من الناتج الداخلي الخام، يصبح تأثيره مباشرا على مردودية رأس المال وهوامش الربح، ما يحد من جاذبية السوق الوطنية ويؤثر على قرارات التوسع وإحداث مشاريع جديدة، خاصة لدى المستثمرين الذين يعتبرون مستوى الاقتطاع الضريبي مؤشرا حاسما في بناء مخططاتهم التمويلية. ورغم أن هذا المعدل يظل دون مستويات بعض الدول المتقدمة التي تتجاوز فيها النسبة 40 في المائة، وأقل من متوسط دول منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية البالغ 34 في المائة، فإنه يضع المغرب ضمن الدول ذات العبء الضريبي المرتفع قاريا، وهو ما قد ينعكس سلبا على تنافسية المقاولات وعلى قدرتها على خلق القيمة المضافة ومناصب الشغل. كما أن هذا الضغط لا يؤدي بالضرورة إلى موارد أكثر استدامة، بل قد يفضي إلى نتائج عكسية إذا ما ترافق مع تركيز العبء على نفس الفئات المنتجة، في ظل استمرار اختلالات بنيوية تعزز هيمنة الضرائب غير المباشرة وتقلص هامش المبادرة داخل القطاع الخاص. ومن هنا تبرز الحاجة إلى مقاربة أكثر توازنا تقوم على تخفيف الضغط عن الاستثمار المنتج، وتوسيع الوعاء الجبائي بشكل عادل، وتبسيط النظام الضريبي، بما يضمن تحفيز الدينامية الاقتصادية دون الإضرار بقدرة الدولة على تمويل التزاماتها الاجتماعية والتنموية.
وعلى مستوى المداخيل غير الضريبية، تجاوزت الحصيلة سقف التوقعات المحددة في قانون المالية، حيث بلغت 43.493 مليار درهم مقابل توقعات لم تتعد 37.593 مليار درهم، بنسبة إنجاز بلغت 115,7 في المائة، وهو ما يعكس لجوء الدولة إلى تعزيز مواردها عبر مختلف القنوات المتاحة دون تخفيف العبء عن الجبايات المباشرة وغير المباشرة ذات الأثر الاجتماعي الكبير.
وإذا كانت الحكومة قد نجحت في رفع الموارد إلى حدود 339.977 مليار درهم كمداخيل عادية في أفق عشرة أشهر فقط، فإن هذا الإنجاز الرقمي يطرح أكثر من علامة استفهام حول طبيعة السياسة الجبائية المعتمدة، ومدى قدرتها على تحقيق التوازن بين متطلبات التمويل العمومي ومقتضيات العدالة الاجتماعية، في ظل استمرار الاعتماد على نفس الفئات كممولين رئيسيين للميزانية، دون إشراك حقيقي للثروة في هذا الجهد الوطني.