كشفت وثائق رسمية حصرية، تضمنت استفسارات ومساءلات قانونية بناء على تقارير تقنية ومحاضر رسمية، عن خروقات خطيرة ومخالفات عمرانية وإدارية ضخمة شابت تدبير الشريط الساحلي لمدينة الدار البيضاء، حيث تتداخل أنشطة تجارية وسياحية مع تجاوزات صارخة للقانون.
هذه الوثائق تضع عدداً كبيراً من المؤسسات تحت طائلة المساءلة، مسلطة الضوء على هشاشة الرقابة وتفاوت تطبيق القانون في هذا القطاع الحيوي. يشير التحقيق إلى أن التراخيص كانت نقطة البداية لسلسلة من التجاوزات الموثقة، حيث تم إنشاء العديد من المؤسسات دون رخص مطابقة، أو استفادت من تراخيص استثنائية لا تنسجم مع التصاميم البيئية المعتمدة. والأخطر هو حصول بعض الكيانات على رخص بناء سياحية دون المرور عبر المساطر القانونية الكاملة، في مخالفة صريحة للنصوص التنظيمية.
تضمنت الخروقات المسجلة نمطاً متكرراً يتمثل في انتهاء صلاحية التراخيص، حيث لم تُجدد مؤسسات ترخيصها المؤقت بالإشغال (AOT) منذ سنوات طويلة، ما يعني استمرار استغلالها للملك العمومي البحري دون سند قانوني ساري المفعول. كما أن مؤسسات تجارية ومطاعم معروفة تزاول نشاطها فوق الملك العمومي البحري دون إذن قانوني أو عقود احتلال مؤقت. كما تشير الوثائق إلى أن بعض المؤسسات حصلت على تراخيص اقتصادية رغم وجود مخالفات مسجلة في حقها، وهو ما يثير علامات استفهام حول دور اللجنة الاقتصادية.
تكشف الجداول التقنية أن العديد من المشاريع الساحلية لا يتوفر على تراخيص أساسية، أو شيد بنايات غير مطابقة للتصاميم الأصلية، أو لم يُدل بشهادات المطابقة النهائية في الوقت المحدد. بل إن بعض المستغلين عمدوا إلى بناء تجهيزات إضافية فوق المساحة المرخصة دون تصريح، بما في ذلك توسعات إسمنتية على الواجهة البحرية، أو تحويل تجهيزات مؤقتة إلى بنايات ثابتة دون أي تصريح. كما تم تغيير النشاط المرخص، من مقهى إلى مطعم أو مركب سياحي، دون المرور عبر المساطر القانونية اللازمة، مما يعكس غياباً شبه تام للرقابة الفعلية. وفي حالات أخرى، تم تسجيل استغلال غير قانوني لمساحات تتجاوز بكثير ما هو منصوص عليه في العقود الأصلية.
تتصدر الأوضاع المالية والتراخي الإداري قائمة المخالفات، حيث راكمت إحدى الشركات البارزة ديوناً ضخمة تجاوزت 100 مليون درهم (أكثر من 10 ملايير سنتيم) موزعة بين إدارة الضرائب وصندوق الضمان الاجتماعي، دون أن يكون لها نشاط اقتصادي فعلي. وتم تحويل هذه المبالغ عبر شركة تابعة في غياب أي تدقيق مالي أو مساءلة قضائية واضحة، واستمرت هذه الوضعية رغم المراسلات الرسمية بين المؤسسات العمومية، ما يعكس خللاً في التنسيق. كما أن عدداً من المستغلين لم يؤدوا الوجيبات المالية المرتبطة بعقود الاحتلال المؤقت أو أدّوها بشكل غير منتظم.
الأكثر إثارة للقلق هو استمرار بعض المؤسسات في مزاولة نشاطها رغم صدور قرارات إفراغ نهائية أو توجيه إعذارات متكررة، مما يطرح علامات استفهام حول جدية تنفيذ القرارات الإدارية وحجم التراخي في التطبيق. كما كشفت الوثائق عن تفاوت واضح في المعاملة الإدارية بين المستغلين، حيث تم التشدد مع البعض بينما جرى التساهل مع آخرين رغم أن وضعياتهم القانونية أكثر هشاشة، ما يعزز الانطباع بوجود معايير مزدوجة في تدبير الساحل.
يخلص التحقيق إلى أن الصورة المرسومة لا تتعلق بتجاوزات فردية، بل تكشف عن خلل بنيوي في تدبير الساحل، حيث تتوزع المسؤوليات بين مصالح محلية ومركزية دون تنسيق فعلي، مما يتيح هامشاً لتمدد الأنشطة خارج الضوابط. تتطلب معالجة هذه الاختلالات إصلاحاً شاملاً لمنظومة المراقبة، عبر رقمنة المساطر، واعتماد قواعد صارمة في منح التراخيص، وإرساء آليات شفافة للتتبع المالي. كما بات تعزيز التنسيق بين مصالح التعمير والملك العمومي البحري ضرورياً لوقف استمرار الأنشطة غير المرخصة. إن استمرار الوضع يشكل تهديداً للتوازن البيئي ولقضية الملك العام، ويقوض ثقة المواطنين في المؤسسات.
فضيحة الشريط الساحلي بالدار البيضاء:24 مؤسسة خارج القانون، وديون تفوق 10 ملايير سنتيم
الكاتب : n العربي رياض
بتاريخ : 26/11/2025

