بالصدى : مستشفيات «البلية»
وحيد مبارك
مرّت 17 سنة على إطلاق مبادرة «مستشفيات بدون تدخين» التي جاءت لتنفث الغبار ولو قليلا على قانون مجمّد ظل دون تفعيل فعلي يحمل الرقم 15.91 الذي وافق عليه مجلس النواب في 29 أبريل 1991 وتم نشره في الجريدة الرسمية في 26 يونيو 1995. هذا القانون الذي يقضي بمنع التدخين والإشهار والدعاية للتبغ في الإمكان العمومية والخاصة، وضمنها المستشفيات، التي يجب أن تكون المثال الذي يحتذى به في أشكال الحفاظ على الصحة العامة، وليس فقط فضاء تحتضن مرافقه وبشكل مناسباتي ورشات للتحسيس والتوعية بخطورة التدخين ووقعه على الجهاز التنفسي للإنسان المعرض للإصابة بالسرطان جراء هذه العملية الاعتيادية التي تجعل من صاحبها في مرحلة من المراحل مدمنا على التبغ وعلى مشتقاته، أو أن تعلن انخراطها في هذه المبادرة من خلال علامات تشوير تمنع التدخين لكنها تبقى بدون مدلول عملي على أرض الواقع.
مناسبة القول، ما تشهده عدد من المستشفيات العمومية التي أكدت في مرحلة من المراحل على أنها معنية بمواجهة التدخين للحدّ من تبعاته ولتقليص كلفته الصحية والاجتماعية على الإنسان، التي باتت عدد من مرافقها عبارة عن «مداخن عمومية» يصطدم المتوجّه بداخلها إلى هذا الجناح أو ذاك، إلى هاته المصلحة أو تلك، بعدد لا يستهان به من المدخّنين، إناثا وذكورا، وهم يدخنون السيجارة تلو الأخرى، «العادية» منها والإلكترونية في طقوس إما فردية أو جماعية، تجعل المشاهد يطرح اكثر من علامة استفهام بخصوص هذا السلوك، الذي يبدو نشازا في فضاء «صحي» بامتياز؟
هذا الواقع الذي يمكن للكثيرين الوقوف على مشاهده، ليس هو الوحيد المقلق داخل هذه المستشفيات التي تحمل شعار «بدون تدخين»، بل تنضاف إليها صور أكثر قتامة، والمتمثلة في تحويل جنبات بعض المؤسسات الصحية إلى أوكار لـ «تدوير» لفافات الشيرا وإعداد «الجوانات»، وتدخينها على مرأى ومسمع من الجميع بكل أريحية. أصحاب هذه المشاهد الذين لا علاقة لهم بورش «القنب الهندي» واستخدامه في الاستعمالات الطبية للعلاج ولتهدئة الآلام وغيرها، هم ليسوا سوى البعض وليس الكلّ من عناصر الأمن الخاص، وبعض «العاملين» الذين توكل إليهم عدد من المهام الأخرى التي تدخل في إطار «المناولة»، الذين في غياب كل رقابة تنظيمية استباحوا فضاءات المستشفيات واعتبروا أنفسهم «أصحابها الفعليين» وشرّعوا للفوضى ولهذه المظاهر المؤلمة، ليس فقط المتعلقة بالتدخين وإنما حتى تلك التي تشير إلى حالات من الإدمان، الذي يفتح الباب لأصحابه من أجل تأمين حصولهم على قطع الشيرا التي يحتاجونها القيام بكل ممارسة؟
هذا الوضع المؤسف، هو حقيقة ولا يتعلق الأمر بحالة معزولة، يراها كل من يسير على قدميه في أروقة عدد من هذه المستشفيات، مهنيا للصحة كان أو مريضا أو زائرا، وهي تعتبر عنوانا على تسيّب كبير في مؤسسات علاجية، المفروض أنها تقدّم صورة مثالية عن السلوك القويم الذي يخدم الصحة لا الذي يهدمها، لكن واقع الحال يؤكد على أن المعنيين بهذا السلوك سيجد عدد منهم نفسه مضطرا في يوم من الأيام يلج إلى المستشفى ليس باعتباره «عاملا» بل مريضا سيكون في حاجة إلى سرير للاستشفاء وللدخول في مرحلة علاج قد يكون لها ما بعدها.
إن التدخين هو آفة صحية خطيرة، تجعل من المدخّن «صاحب حقّ» ضدا عن القيم والأخلاق والقوانين، الذي متى «اضطر» إلى اللجوء لسيجارته، كيفما كان نوعها وتركيبتها، قام بذلك غير عابئ بالضرر الذي يلحقه بنفسه وبغيره من الأشخاص الذين يجدون أنفسهم يستنشقون معه ما ينفثه من دخان بالرغم منهم، بما أن احترام الفضاءات العمومية والمشتركة، يبقى إجراء شكليا عند الكثيرين والقلّة القليلة هي التي تختلي بنفسها بعيدا عن كل المحيطين بهم، ليكون الحديث عن هذا الموضوع مناسبة لتجديد التذكير بضرورة تنزيل آليات قانون رحّب به «أنصار الصحة» لكنه واجه حربا ضروسا من طرف المناوئين له لكي يظل حبرا على ورق!
الكاتب : وحيد مبارك - بتاريخ : 27/11/2025

