انطلاق فعاليات منتدى ميدايز طنجة بمشاركة رؤساء دول وحكومات و450 مسؤولا رفيع المستوى
انطلقت صباح أمس الأربعاء 26 نونبر 2025 بمدينة طنجة، فعاليات الدورة السابعة عشرة لمنتدى «ميدايز» الدولي، محولة عروس الشمال إلى قبلة للدبلوماسية العالمية ومركز للنقاش الجيوستراتيجي. ويأتي انعقاد هذه النسخة في سياق دولي دقيق، تحت شعار «الانقسامات والاستقطاب: إعادة ابتكار المعادلة العالمية»، حيث يسعى المشاركون لإعادة التفكير في توازنات النظام الدولي في ظل التوترات المتصاعدة، مع التأكيد على الدور المحوري الذي تلعبه الدول الصاعدة في بناء تعددية قطبية أكثر استقرارا وعدالة. وقد رسخ المنتدى، منذ انطلاقه عام 2008، مكانته كمنصة محورية تعكس «القوة الناعمة» للمملكة المغربية وقدرتها على جمع الفاعلين الدوليين، حيث تشهد دورة هذا العام مشاركة واسعة ومكثفة تتجاوز 4500 مسجل، وتتميز بحضور 450 شخصية رفيعة المستوى، إضافة إلى 450 متحدثا سيؤثثون فضاءات النقاش عبر 55 جلسة مبرمجة.
وتكتسي هذه الدورة طابعا استثنائيا بالنظر إلى ثقل التمثيل السياسي والدبلوماسي، إذ يشارك فيها عدد من رؤساء الدول والحكومات، يتقدمهم رئيسا جمهوريتي غامبيا وليبيريا، إلى جانب الوزراء الأولين لكل من دومينيكا، والصومال، وغرينادا، والنيجر، فضلا عن حضور وازن لوزراء خارجية دول صديقة وشريكة مثل هنغاريا والسنغال، ومشاركة متميزة لرئيسة وزراء فنلندا السابقة، ومسؤولين كبار من منظمات إقليمية ودولية. وفي هذا الزخم الدبلوماسي الرفيع، دشنت الأجندة العملية للمنتدى بانعقاد الجلسة الأولى لـ «قمة ميدايز للاستثمار»، التي اختارت تسليط الضوء على العصب الحيوي للاقتصادات الصاعدة من خلال موضوع «تعزيز البنى التحتية والصناعات والاستثمار: (The ThreeI›s) «. وينبع اختيار هذا الموضوع من قراءة واقعية للاقتصاد المعاصر، حيث ينظر إلى هذه العناصر الثلاثة كركائز مترابطة لا غنى لإحداها عن الأخرى، فالبنية التحتية هي الأساس المادي للتنمية، والصناعة هي محرك التحول الهيكلي، والاستثمار هو الوقود الذي يضمن الاستمرارية.
وقد أسس النقاش الافتتاحي لمنظور تكاملي يرى أن بناء الطرق والموانئ والربط الرقمي والطاقي ليس غاية في حد ذاته، بل وسيلة لدمج الدول في سلاسل القيمة العالمية، وهو ما يمهد الطريق لسياسات صناعية تتجاوز منطق تصدير المواد الخام نحو خلق قيمة مضافة حقيقية عبر الابتكار والتكنولوجيا. غير أن هذا التصور يواجه تحديات جسيمة، خاصة في دول الجنوب والقارة الإفريقية، التي رغم امتلاكها لفرصة ديموغرافية تاريخية وطاقات شبابية واعدة، لا تزال تعاني من فجوات في البنية التحتية وضعف في التمويل. وهنا تبرز أهمية الاستثمار، بشقيه المحلي والأجنبي، وكذا دور الشراكات بين القطاعين العام والخاص في سد هذه الفجوة، خاصة وأن إفريقيا لا تزال تستقطب حصة متواضعة من تدفقات الاستثمار العالمي بسبب المخاطر المتصورة وعدم استقرار الأطر التنظيمية. وعليه، فإن الرهان الذي طُرح على طاولة النقاش أمام القادة والخبراء هو كيفية «مفصلة» هذه الأبعاد الثلاثة وخلق التناغم بينها، لضمان أن تؤدي البنية التحتية إلى تصنيع، وأن يؤدي التصنيع إلى جذب استثمار مستدام.
وبصفته أحد أبرز خبراء صناعة أشباه الموصلات عالميا ورئيس منصة Ardian Semiconductor، استهل Paul Boudreمداخلته بالإشادة بالتحولات الصناعية العميقة التي يشهدها المغرب، ولا سيما في مجالي صناعة السيارات وصناعة الطيران، مؤكدا أن المملكة نجحت في الانتقال من موقع المناولة المحدودة إلى موقع فاعل أساسي داخل سلاسل القيمة العالمية لهذه الصناعات عالية التقنية. وأبرز أن الواقع الصناعي الراهن يجعل من الصعب تصور منتج صناعي متكامل في هذين القطاعين دون أن تتضمن مكوناته أجزاء أو تقنيات جرى تصنيعها أو تطويرها في المغرب، معتبرا أن هذا الحضور المتنامي ليس مجرد مؤشر على تطور صناعي تقني، بل يعكس تموقعا استراتيجيا بالغ الأهمية استطاع من خلاله المغرب أن يفرض نفسه كحلقة مؤثرة في منظومة صناعات المستقبل، مستندا إلى استثمارات نوعية، وتأهيل مستمر للكفاءات، وبنيات تحتية صناعية متطورة تستجيب لمتطلبات الابتكار والتنافسية الدولية.
ومن جهتها، قدمت الدكتورة منى مراد، رئيسة مجموعة (on air group) و خبيرة في سياسات الشراكة بين القطاعين العام والخاص والتنمية الاقتصادية، قراءة مركبة لتجربة مصر في بناء نموذج تنموي يقوم على تكامل الأدوار بين الدولة ورجال الأعمال ومؤسسات التمويل الدولية. وأوضحت أن مصر انخرطت خلال السنوات الأخيرة في إعداد بنية تحتية متقدمة شملت إطلاق مشاريع كبرى للمدن الجديدة وشبكات القطارات الحديثة وإنجاز ست مدن عمرانية متكاملة في إطار شراكات متعددة تجمع الحكومة والقطاع الخاص والجهات المانحة، معتبرة أن هذا التوجه أسهم في خلق فضاءات جديدة للاستثمار وتحفيز دينامية صناعية أكثر تنوعا. وأشارت إلى أن المنحى ذاته ينسحب على تطوير المناطق الصناعية الكبرى، بما في ذلك الصناعات المرتبطة ببناء اليخوت وصناعات تحويلية متعددة، في تجربة تلتقي في جوهرها مع الخيار الذي اعتمده المغرب منذ سنوات في عدد من القطاعات الإنتاجية الاستراتيجية. وشددت على أن القارة الإفريقية مطالبة اليوم بالانتقال من منطق تصدير المواد الخام والمنتجات الأولية إلى استثمار مواردها الطبيعية، بما فيها المعادن النادرة، في صناعات ذات قيمة مضافة تعزز النمو الاقتصادي دون الارتهان لتدخلات خارجية. واعتبرت أن تحقيق هذا التحول يظل رهينا بتوفر مناخ من الاستقرار السياسي والأمن الإقليمي، مؤكدة أن رأس المال بطبيعته حذر ولا يتجه إلا نحو البيئات الآمنة القادرة على توفير شروط الاستدامة والثقة.

