في مناقشة الميزانية الفرعية بلجنة المالية بمجلس المستشارين .. الهيئة الوطنية للنزاهة تدق ناقوس الفجوة بين القوانين والواقع وتعلن دخول مرحلة جديدة لمكافحة الفساد

 

قدمت الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها أمام مجلس المستشارين، خلال مناقشة ميزانيتها الفرعية يوم 26 نونبر 2025، تصورا شاملا لمرحلة جديدة في مسار مكافحة الفساد بالمغرب، معتبرة أن الجهود التشريعية والمؤسساتية المراكمة منذ بداية الألفية لم تترجم بعد إلى الأثر الملموس الذي ينتظره المواطن في حياته اليومية وفي علاقته بالمرفق العمومي.
وأكد الأمين العام للهيئة، أحمد العمومري، أن اللحظة تفرض الانتقال من تعداد المبادرات إلى تقييم أثرها، ومن استعراض النصوص إلى قياس التحول الحقيقي في السلوك الإداري ومستوى خدمات الدولة ومنسوب الثقة داخل المجتمع.
وأوضح العمومري أن الهيئة، بصفتها المؤسسة الدستورية المكلفة بتنسيق وتتبع سياسات مكافحة الفساد ونشر المعلومات المتعلقة بها، تشتغل ضمن رؤية تعتبر أن محاربة الفساد مسؤولية مشتركة بين الدولة والمجتمع، انسجاما مع التوجيهات الملكية التي تجعل مكافحة هذه الظاهرة قضية دولة بكل مؤسساتها ومجتمع بكل مكوناته. غير أن استمرار الفجوة بين النص القانوني والواقع الملموس، كما تعكسه تقارير وطنية ودولية، يجعل التحدي اليوم يتمثل في الانتقال من منطق ما أنجزناه إلى سؤال ما الذي تغير فعلا في الواقع؟، لأن فعالية السياسات العمومية لا تقاس بعدد النصوص ولا بحجم النفقات، بل بقدرتها على تحسين الخدمات وتخليق المرفق العمومي وتقليص الكلفة الخفية للفساد.
وبخصوص تنزيل اختصاصاتها وفق القانون 46.19، كشفت الهيئة أن مشروع ميزانيتها لسنة 2026 يتوزع بين 70 مليون درهم للتسيير و10 ملايين درهم للاستثمار، مع تخصيص اعتمادات مهمة لبناء مقر جديد وتعزيز البنيات الرقمية وتطوير المنصات المعلوماتية، حيث رصدت 13.828 مليون درهم لأشغال البناء و9.58 ملايين درهم للدراسات المعلوماتية و3.5 ملايين درهم لاقتناء العتاد التقني. كما أعلنت عن إحداث 35 منصبا ماليا جديدا، في وقت ارتفع فيه عدد العاملين إلى 99 موظفا، وهو توسع يعكس تنامي المهام الموكولة للهيئة وتزايد الحاجة إلى موارد بشرية مؤهلة.
وفي ما يتعلق بتقوية الكفاءات، أوضحت الهيئة أنها تعمل على تنزيل مخطط تكوين يمتد من 2025 إلى 2027، بشراكة مع معهد المالية ومعهد ISCAE وعدد من المنظمات الدولية، بهدف تأهيل المأمورين وتعزيز قدرات التتبع والتحري ومواكبة المؤسسات العمومية في التصدي لمخاطر الفساد. وتمضي بالتوازي في تنفيذ مشاريع ذات أولوية تشمل إحداث منظومة وطنية لقياس النزاهة وتتبع فعالية السياسات العمومية، وإطلاق استبيان وطني رقمي لقياس تصورات المواطنين، وتفعيل مركز نداء متخصص في تلقي التبليغات والشكايات، ومواكبة مختلف القطاعات في إعداد خرائطية مخاطر الفساد الخاصة بها، فضلا عن تفعيل التمثيليات الجهوية لتعزيز القرب الترابي والاستجابة المباشرة لتظلمات المواطنين.
وتشير الهيئة إلى أن المؤشرات الدولية المتعلقة بإدراك الفساد لا تزال غير مرضية، إذ تتراوح درجات المغرب بين 36 و43 نقطة خلال السنوات الأخيرة، ما يؤكد الحاجة إلى إصلاحات بنيوية أعمق تعزز الشفافية والمسؤولية وتدعم الثقة في المؤسسات.
وتعتمد الهيئة في هذا المسار على مرجعيات دستورية واضحة يحددها الفصلان 36 و167 من الدستور، إضافة إلى القانون 46.19 والنظام الداخلي الجديد المصادق عليه سنة 2025، والذي شكل تحولا تنظيميا في آليات معالجة الشكايات والتبليغات وإعداد التقارير السنوية.


الكاتب : جلال كندالي

  

بتاريخ : 28/11/2025