في الطرف الجنوبي الغربي للدار البيضاء، حيث تنتهي خطوط الحافلات وتنقطع أرصفة المدينة، تبدأ الهراويين؛ منطقة تنتمي إداريا إلى أكبر حاضرة اقتصادية في المغرب، لكنها لا تنتمي إليها فعليًا في شروط العيش ولا في البنيات التحتية.
صورة واحدة من قلب هذه المنطقة، تُظهر كيف يحمل تريبورتور عشرات الآمال والاضطرارات اليومية لسكان لا يجدون بديلا آخر، تعبّر عن واقعٍ عميق من التهميش يطال آلاف الأسر.
غياب ربط حقيقي بشبكة الحافلات… وكأن المنطقة
غير موجودة
من أكبر الإشكالات التي يعانيها سكان الهراويين ضعف الربط بشبكة الحافلات العمومية. المنطقة لا تتوفر سوى على خطين او ثلاثة فقط، خطوط قصيرة، محدودة، ولا تستجيب إطلاقًا لاحتياجات أحياء مكتظة تجاوز تعداد سكانها عشرات الآلاف.
الخطوط الموجودة تعمل بتردد ضعيف، وقد تمرّ أزيد من 30 إلى 40 دقيقة بين حافلة وأخرى، ما يجعل الانتظار معاناة يومية، خصوصًا للنساء والتلاميذ والعمال.
والنتيجة واضحة…سكان الحي مضطرون لاستعمال وسيلتين أو ثلاث للوصول إلى وجهاتهم، تبدأ بتريبورتور أو سيارة نقل سري، وتنتهي بحافلة مكتظة أو طاكسي صغير بأثمنة مُضاعفة.
عمال الأحياء الصناعية ..معاناة يومية
تُظهر شهادات سكان المنطقة أن آلاف العاملين والعاملات في المصانع الممتدة بعين السبع والبرنوصي وسباتة وحي مولاي رشيد يعيشون رحلة شاقة كل صباح.
فالذين يشتغلون في المناطق الصناعية يستيقظون قبل الفجر بساعة أو أكثر، حتى يتمكنوا من:
امتطاء التريبورتور أو وسيلة نقل عشوائية للوصول إلى أول نقطة فيها حركة لأن انتظار خط نادر من الحافلات سيضيع عليهم الكثير من الوقت فيجدون أن احسن حل أمامهم هو تغيير وسيلة النقل مرة ثانية للوصول إلى المصنع أو مقر العمل.
إنها رحلة تستنزف الجيب والجسد والوقت، وتكشف التفاوت الحقيقي بين “مركز” المدينة و”أطرافها”.
شوارع مهترئة… وغياب رؤية حضرية واضحة
إلى جانب الخصاص في النقل، تعاني الهراويين من شوارع ضيقة ومهترئة، حفَر تتحوّل في فصل الشتاء إلى برك طينية، وتقطعات تجعل الحركة شبه مستحيلة ليلًا.
هذه الطرق غير المهيكلة تضاعف من صعوبة التنقل، وتزيد من عزلة الساكنة، كما تُعرقل دخول سيارات الإسعاف والتدخل السريع عند الحاجة.
هذا الحي المترامي الأطراف
يعيش منذ سنوات على إيقاع “الانتظار”:
انتظار إصلاح الطرق،
انتظار تمديد خطوط الحافلات،
انتظار ربط حقيقي بشبكة المدينة،
انتظار تجديد البنى التحتية.
اختلالات مجالية صارخة داخل نفس المدينة
ما يزيد من حدة المفارقة هو أن الدار البيضاء، التي تخضع لبرامج استثمارية ضخمة، ما تزال عاجزة عن تحقيق عدالة مجالية بين أحيائها.
فبينما تستفيد مناطق في المركز من توسع خطوط الطرامواي وإعادة تهيئة الأرصفة والشوارع، تبقى الهراويين وغيرها من المناطق الشبيهة في “الهامش”، تتلقى فقط الوعود.
تختلف الدار البيضاء بين شرق وغرب وشمال وجنوب، لكنها تختلف أكثر بين قلبها النابض ومحيطها المنسي.
وهذه الصورة المُلتقطة في لحظة عابرة ليست سوى إعلانا صامتا عن مدينة تسير بسرعتين:
سرعة الحداثة والبنيات المتطورة،
وسرعة التريبرتور الذي يُنقل فوقه بشر يسعون فقط إلى الوصول في الوقت المناسب.
الصورة ليست مجرد لقطة، إنها سؤال مفتوح
الصورة التي خرجت من أزقة الهراويين ليست وثيقة تنديد، بل هي مرآة لواقع يحتاج إلى جرأة سياسية وتخطيط حضري عميق.
فلا تنمية بدون نقل،
ولا كرامة لمواطن يضطر يوميا لركوب الخطر بحثًا عن قوت يومه،
ولا عدالة حضرية بدون الاعتراف أن الهراويين جزء من الدار البيضاء… وليس فقط عنوانا في الهامش.

