«سكن القلب..»

شياطين الخوف

إذا حضرت شياطين الخوف، ولَّت عنها الحياة فرارا، على صفحة تلك الملامح تتوقف حواسها حائرة ..
ريثما تنفض عنها حيرتها، تضيع من جسدها خارج الزمن ..لا منارة في الأفق، وحشة تجمد أطراف اليقين بها، وتراهن على انتصار فوضى الكلام، هي ليست طالبة لجوء في عين أحد، حظها منه فراغات.
خارج طوعه تطفو على وقت لا مكان لها في دقائقه ولا ساعاته، أوراق خريف تتساقط خارج قبعته، إليها يمد يده، لكن الأحضان به تتراجع بل تدير إليها ظهرها وكأنها لم تطأ ذلك الدفء يوما .. كالموت، من الباب الخلفي تتسلل نهاية ما بينهما، والحزن يجدها مناسبة مواتية لعرض خدمته، هو يجيد الاحتفاظ بذكريات الفرح في المجمد، ويبرع في كتابة رسائل العتاب بحبر من الدموع، لكنه رغم ذلك يصير أحيانا عاقلا متعقلا وهو يطيح بفرحة لامعة واجهته معتم صدره ..
الخوف من مواجهة أنفسنا يجعل الداء يتفاقم حتى يصير مستعصيا على العلاج، تفاديا لمضاعفات هما في غنى عنها، عن الهروب ينأيان، وإلى توضيح ما يجري بينهما يلجآن، وهكذا يعود كل واحد منهما إلى نفسه سالما، بالنسبة لها، كان ذلك أفضل من سراب يلتهم حبها للحياة.
ستعود إلى البداية من الصفر، لم لا، تخاطب نفسها، الأهم أنها إليها تعود.
ونحن نحاول تبديد نبرة الحزن في اتجاه خلق شيء من المرح، تتنهد مبتسمة وتقول: «بجنوني تنبأت جدتي، فأسمتني «هبيلة» ونادتني به بدل اسمي الحقيقي، لم يزعجني الأمر ما دام يصدر حبا من مدفأة جدتي.
صرت لا أضيف إلي لا ملحا ولا سكرا، حين أرتشفني، وأصبح لسان حال جوابي حين أتعثر بمستهزئ، عبارة لجبران خليل جبران:
«قولك لا تفهمني مدح لا أستحقه أنا، وإهانة لا تستحقها أنت.»

شقوق يتنكر
لها الترميم
أماكن جميلة بنا، لا زالت يد التعتيم تطالها، الابتسامات تأكل صغارها، خوفا عليها من السقوط بيد وجوه «قاسحة « تَسْحَق النيات وتُلَون الكلمات، تلوي ذراع الطريق، وتكسر أقدام الجسور.
كحساء بائت، كنت أحرك حلما فقد حواسه الخمس، كعلكة قديمة ألصقها بظهر الطاولة، كغيمة جافة تبددها رياح خفيفة ..
بقلب حلمي كنت أتسلق، أركض، وأقفز ..لكني اكتشفت أن الحلم بيد واحدة يصفق، أنه لا يحسن تهيئ فنجان قهوة على نار هادئة ..ولا ينجح في تلبية عطش زهرة ..
يقال إن الحياة لن يوقفها حزن ولا فرح، سنتها الاستمرار، نعم، الحياة عن الاستمرار لن تتوقف، لكن بدون أشياء جميلة سقطت مني، لتترك مكانها شقوقا يتنكر لها الترميم.»
بعيدا عن مصدر حزنها قررت السفر وتغيير ما يذكرها به.

كحكايات مشفرة تمتطي القطار
انتظار محطة الوصول، يطول، والصمت الممل، من فرط عد المسافرين العابرين يزداد وزنه، وشهية الكلام يفتحها طفل، لا يقبل أوامر الكبار، يرفض الالتصاق بالمقعد رقم 5، ويطالب أباه الشبه الغارق في تصفح هاتفه النقال بإخراج الكرة للعب في الكولوار ..
أريد كرتي ..
يقترب منها وهو يردد نفس العبارة، يضع يده الصغيرة على أجندتها المتكئة على قنينة ماء، بتوجس سرعان ما يتحول إلى ابتسامة ثم اطمئنان، ينظر إليها ويقول بلطف:
اصنعي لي طائرة ورقية .. وجدت الاقتراح مناسبا لها أيضا للتحليق خارجها، عبرت للطفل عن استحسانها للطلب، وهي تمعن النظر في عينيه الجميلتين، تتململ في مكانها، ثم وبيد حانية تحمل الطفل، تجلسه بجانبها، وتبدأ في تلبية طلبهما المشترك، يشبك أصابع يديه الصغيرتين، وكأنه يستعد للصلاة في محراب الدهشة، بشوق كبير، يتابع مراحل صناعة الطائرة .. « تفضل، طائرتك جاهزة للإقلاع « تخاطب الصغير مبتسمة.
بلهفة جميلة ونظرات لامعة يأخذ الطائرة بيد، وباليد الأخرى يمسك بذراعها لتشاركه اللعب بالطائرة في الكولوار، الطفلة التي تسكنها لم تجد مانعا في القيام بذلك، بل وجدت الدعوة مناسبة للتخلص ولو للحظات من عبء انتظار محطة الوصول ..


الكاتب : سعيدة لقراري

  

بتاريخ : 05/12/2025