في أحدث حوار له: أندريه كونت سبونفيل:«الأنانية هي مصدر كل الشرور»

عندما يهتم أندريه كونت سبونفيل بدراسة الرذائل، فإنه يُعيد خلط الأوراق. غير أن مُناصرة رذائل من قبيل الشهوة والشراهة، لا تَمْنَعُ صاحب كتاب مقالة صغيرة في الفضائل الكبيرة من التعبير عن إدانة الأنانية والقسوة والتعصب أو التخاذل. أخلاق من دون إله لصالح عَصْرِنا.

p تكتبُ في مُعجمِك الفلسفي أن الرذيلة «استعدادٌ لفعل الشر». ماذا يعني هذا، على وجه الدقة؟

n يعني أن الرذيلة تفترض المدى الطويل: فهي ليست حَدَثا بقدر ما هي ميل عام أو مستمر، مُسَجَّلٌ في طَبْعِ فَرْدٍ. يصح هذا الأمر أيضا على الفضيلة، التي يقول عنها أرسطو إنها «استعداد مُكتسب لفعل الخير». لا يكفي أن يُظهر المرء الشجاعة مرة في حياته ليكون شجاعا، كما أن إظهارَ الجبن، في هذه اللحظة أو تلك، لا يجعل مِنْ الشخص جبانا بالضرورة. إن تصَرُّفًا يُمكن أن يكون جيدا أو سَيِّئا في الحِين. أما الرذائل والفضائل فلا تُوجَد إلا إذا كانت ممتدةً في الزمن.

p من أين تأتي هذه الاستعدادات. هل هي ميولات فطرية للطبع أم مُكتسبة من خلال التربية، والعادات…؟

n لا شيء يمنع من أن يكون كِلاهما، حتى أن هذ ا هو الأكثر صِدْقِيَّة. لا شك أن الانتقاء الطبيعي قد أمَدَّنا منذ الولادة بقدر معين من الشجاعة والتعاطف أو الكرم المُمْكِن (وبالتالي، بشكل مُتَمَاثِل، من الجبن والأنانية المُمكنة)، والذي، بالمُناسبة، يُلاحِظُهُ علماء السلوك الحيواني أيضا عند بعض الأنواع الحيوانية، لاسيما لدى القردة الكبرى. بأي نسبة؟ بدون شك تلك التي اتضح أنها أكثر مُلاءَمَة لنقل الجينات.
كيف يُمكننا أن نصير شجعانا أو جبناء، شَفُوقِين أو أنانيين، ما لم نكن مُستعدين لذلك جينيا؟ لكن كيف قد تكفي الجينات لذلك، دون تربية ودون تمرين؟ إن الأمر أشبه باللغة: فهي فطرية بالتأكيد كَمَلَكَة، لكن تحديثها لا يتم أبدا إلا في لغات مُحَدَّدة، والتي هي كلها مُكْتَسَبَة.
لِنَأخُذْ إدمان الكحول على سبيل المثال: يَعْرِفُ الأطباء جيدا اليوم أننا لسنا سواسية أمام هذا المرض – هناك فوراق جينية، وبالتالي فطرية، في قابليتنا الكبيرة أو الصغيرة لأن نَصِير مُدمِنين -، لكن أيضا أننا لا نُولَدُ مُدمنين على الكحول: نصير كذلك بكثرة الشرب، حيث تصير العادة شيئا فشيئا مِثْل طبيعة ثانية، تنضاف إلى الأولى وتُغَيِّرُهَا.
لقد لاحَظَ أرسطو ذلك جيدا: يصير المرء حدَّادا بممارسة الحدادة؛ ويصير شجاعا بالقيام بأفعال شُجَاعَة، ويصير مُدمنا بالشُّرب (فوق كمية معينة، متفاوتة بالمناسبة بحسب الأفراد).

p هل إدمان الكحول رذيلة أم مرض؟

n لا شيء يمنع، هنا أيضا، من أن يكون كِلاهما. فهو رذيلة بالنسبة للجزء المتعلق بنا، وبالتالي بالنسبة لما في إدمان الكحول، على الأقل في البداية، من طَوْعِيَّة (إنه استعداد مُكتسب بكثرة الشرب). وهو مرض بالنسبة للجزء غير المتوقف علينا أو لم يعد متوقفا علينا، والذي يفرِضُ نفسه على الإرادة ويُمكن أن يُبرر اللجوء إلى علاج طبي. لا وجود لمرض مَدعاةٍ للعار، هذا مفهوم، لكن أعْرِفُ قِلَّة من المُدمنين على الكحول الفَخُورين بكونهم كذلك.

p في نظر أرسطو، ثمة رذيلتان تُوافِقان كل فضيلة – الجبن والتهور بالنسبة للشجاعة على سبيل المثال. في نظر المسيحيين، هناك سبعُ خطايا رئيسية. أيّة واحدة من هاتين الرؤيتين تَجِدُها أكثر وجاهة ولماذا؟ أليست السمة المميزة للرذائل في كونها غير قابلة للحصر؟

n نعم، في نظر أرسطو، كل فضيلة هي حل وسط بين رذيلتين، «واحدة من خلال الإفراط، والأخرى من خلال التقصير»: الشجاعة حل وسط بين التهور) أخذ الكثير من المُخاطَرة) والجبن (عدم أخذ ما يكفي من المُخاطَرَة)؛ السخاء (العلاقة الصائبة بالثروة) حل وسط بين البخل والإسراف. المُهِم، الذي يبقى راهِنيا، هو فهم أن لا شيء مُتوسِّط في حل الوسط هذا: إنه بالأحرى أَوْج، مثل خَطٍّ قِمَمِيٍّ بين هاويتين!
أما بخصوص الخطايا السبع الرئيسية للتقليد المسيحي، فأعترف بأنها لا تشغل تفكيري غالبا. اللائحة حَدّدها البابا غريغوريوس الأول في نهاية القرن السادس: الكبرياء، البخل، الشهوة، الحسد، الشراهة، الغضب، الكسل أو الفتور الروحي…هذه الصُّنَافة شاخت بشكل سيئ. من مِنَّا يعتبر الشهوة أو الشراهة كرذائل؟ ومن لا يرى أن ثمة غَضبات عادلة وطُمأنينات معيبة؟
لقد اقترحتُ في مُعجمي الفلسفي (مدخل «الخطيئة الرئيسية») لائحة أخرى: الأنانية، القسوة، الجبن، النية السيئة، العُجْب (الذي ليس بعيدا جدا عن الكبرياء، الأقل منه نبرة)، التعصب، والتخاذل (الذي ليس الكسل سوى شكل من أشكاله). لكن مَعَكَ حَق: الرذائل يتعذر حصرها، مثل طُرُقِنا، الجيدة أو السيئة (أحيانا الجيدة والسيئة)، في أن نكون بشرا.

p كيف نُمَيِّزُ رذيلة صغيرة عن انحراف كبير؟ بشكل أعم، ما الفرق بين عيب، ورذيلة، والشر بمعناه المُطلق؟

n لا وجود لشر بمعناه المطلق، وإلا سيكون الشيطان وأنا لا أؤمن به. ليس ثمة سوى الشرور التي نتعرَّضُ لها، والتي نرتكبها، في غالب الأحيان من أجل خَيْرِنَا الخاص. هذا ما يجعل الأنانية، في نظر كانط، هي «مصدر كل شر». لا أحد شرير، كما يشرح كانط، وإنما الكل سَيِّئون، أو شبه سَيِّئين: فهم لا يرتكبون الشر من أجل الشر (إرادة شيطانية)، وإنما من أجل خيْر، سواء كان خيْرهم (الأنانية)، أو، كما يعتقدون، خير بُلدانهم، أو إلههم، أو الطبقة العاملة، أو الإنسانية (التعصب).
لا وجود للأشرار. أما الأوغاد، مع الأسف، فموجودون أكثر من اللازم. لكِنَّنَا، في مُعظمِنا، بَشَرٌ بطريقة بسيطة وصغيرة، مليئون بالمخاوف والأنانية، مع بقائنا قادرين على القيام أحيانا بالقليل من الخير والامتناع عادة عن الأسوأ. «تفاهة الشر»، تقول حنة أردنت. «تفاهة وهشاشة الخير»، يُضيف صديقي المأسوف عليه سفيتان تودروف. كِلاهما كان على حق.
إنَّنَا نُجَانِبُ الصواب حين نجعل من وغدٍ وحشا، أو من بطلٍ ملاكا. لا وجود سوى لأفراد بائسين، كلهم سواسية في الحقوق والكرامة (نعم، حتى الأسوأ منهم)، كلهم مُختلفون وفي غالب الأحيان غير سواسية في الرذائل والفضائل.
لقد عبّر الفيلسوف ألن عن ذلك بشكل قوي في مقدماته للميثولوجيا: «معرفة ما إذا كان مُجرمٌ إنسانا، يخصني أنا ولا يخصه. لي أنا يرجع أمر إثبات ذلك، وليس له. كَونُه إنسانا، هذا ليس واجبه بل واجبي»، وهو ليس مخطئا بدون شك. لكنها أيضا وخاصة فكرة إنسانوية، أو هي الإنسانوية نفسها.
أما بخصوص الانحراف، فهو ينتمي إلى مجال علم النفس المرضي أكثر مما ينتمي إلى مجال الفلسفة، الأمر الذي يشرح لماذا بالكاد أستعمِلُه. أنا لستُ طبيبا نفسيا.

p ما الرذائل التي تبدو لكَ ضارة بوجه خاص. أنتَ مثلا قاسٍ مع الحسد عندما تكتُبُ أنّ ثمة “كراهية في الحسد، دائما تقريبا. وحسدا في الكراهية، في أكثر الأحيان «…

n هذا لأنّنِي قَرأتُ أرسطو وسبينوزا وتوكفيل. الحسد «أسى تُثِيرهُ بداخلنا رفاهية الآخر» (أرسطو)، «الكراهية تجعلنا نَحزَنُ لسعادة الآخر، ونبتهجُ لتعاسته» (سبينوزا)، و، أخيرا، هو الانفعال الكبير لمجتمعاتنا الديمقراطية، كما لاحظ توكفيل ذلك: إذا كان كل الناس سواسية، فكيف لا يحقد المرء على أولئك الذين يملكون أكثر منه؟
كما تُلاحِظ، لم أضع الحسد في اللائحة المحدثة للخطايا الرئيسية السبع. فمن الواضح أن الأنانية والقسوة والتخاذل أسوأ.

p من وجهة نظرِك، ما هي الرذائل الأكثر بروزا، تلك التي تُميّز عصرنا بشكل أفضل؟

n الأكثر بروزا والأكثر ثباتا، على مستوى الإنسانية، هي بلا شك الأنانية والجبن. هل هي اليوم أكثر انتشارا من الماضي؟ لستُ متأكدا…في المقابل، يُضِيفُ إليها عصرنا جزءا غير مسبوق أو مُعدَّل من سوء النية (تحت أشكال مختلفة وفي غالب الأحيان متعارضة، من “الصوابية السياسية” إلى “ما بعد-الحقيقة” المزعوم) ومن العُجْب (خاصة تحت شكل النرجسية والضمير المُطْمَئِن).
إن للأمر علاقة بالنزعة الفردانية، التي تنتمي إلى الملامح الإيجابية لحداثتنا (لم نَعُد نُريد التضحية بالفرد لصالح الجماعة)، لكن أيضا، دون شك، بثقل الشاشات، وبالتالي الصُّوَر والشبكات الاجتماعية.

p في أصل الرذائل، نضَعُ غالبا الأنا، حُب الذات. أَلا يُوجَدُ، على الأقل، نفس القدر من الرذائل التي مصدرها كراهية الذات؟

n لا، ليس القدر نفسه! يَكتُب كانط: «إن حب الذات مأخوذا كَمبدأ لكل قواعدنا، هو مصدر كل شر.» ليس لأن حب الذات أمر سيء (يعتبر كانط هذا الحب شرعيا تماما) بالتأكيد، ولكن لِأنه من العيب تقديم متطلبات حب الذات (سعادتنا الخاصة) على متطلبات الأخلاق (واجبنا تجاه الآخر). أنْ يَعثُرَ المرء أحيانا على رذائل نابعة من كراهية الذات، هذا يُمكن تصديقه، لكنه يشكل استثناءً في ما يبدو لي.
هذا لا يمنع من أنكَ على حق بِتذكيرنا أنّ حب النفس جيّد وكُرْهُهَا سيّء. إنها روح المسيحية بالمناسبة: «تُحِبّ قريبك مثل نفسك»، هذا يفترض أن نُحِبَّ أنفسنا، والأمر جيد جدا بهذا الشكل. لكن لِنَذهبْ أبعد من ذلك. سيمون فايل تُضيف بشكل عبقري: «أن نُحِبَّ غريبا مثل أنفسنا يقتضي كَمُقَابِلٍ: أنْ نُحِبَّ أنفسنا مثل غريب.» أي تماما مثل أي أحد، في حين أننا نُحِب أنفسنا عن طيب خاطر كما لا أحد، أي أكثر من كل الآخرين.
إننا نُجَانِب الصواب حول عبارة بليز باسكال الشهيرة: «الأنا مكروه». فما يدعوه بـ «الأنا»، هو الأنانية. هذا لا يعني أن علينا أن نَكْرَهَ أنفسنا! باسكال يكتب العكس بشكل واضح:»ثمة حُبٌّ ندين به لأنفسنا؛ إنه حُبُّ إحسانٍ.» الطريقة الوحيدة لحب قَرِيبنا مثل أنفسنا، هي أن نُحِب أنفسنا مثل قريب، وبالتالي مثل أي أحد، وهذا ما نحن في الحقيقة. إن الإحسان الذي يخضع لترتيب جيد، يبدأ من الذات.

p ألا يُمَثِّل الإفراط في حب الذات بالضبط طريقة نُخفي بها عن أنفسنا مدى عجزنا عن حُبِّها؟

n هذا هو الحال في أغلب الأحيان. بالمناسبة، قالت لي طبيبة نفسية صديقة: “الناس لا يعرفون كيف يحبون أنفسهم. إنهم أكثر نرجسية بكثير من أن يفعلوا ذلك.” هذا صحيح! نَرْجِس لا يحب نفسه: إنه يُحِبُّ صورته، التي ليست هو، عوض أن يُحِبَّ نفسه، التي ليست صورة. أو إنه يُحِب نفسه في نظرة الآخر، الذي يحقد عليه لأنه لم يحبه أبدا كِفَايَة. إنه يحب نفسه مثل لا أحد. كيف يُمكنه أن يُحب أي أحد مثل نفسه؟
حتى يُحب المرء قريبه مثل نفسه، طالما بمقدوره فعل ذلك (نحن بالكاد نستطيع ذلك)، يجب عليه أولا أن يُحب نفسه مثل أي أحد، وبالتالي أن يتقبل تفاهته الخاصة، ووضاعته، وعجزه عن حب شيء آخر سوى نفسه، أو من أجلها…هناك نص لفرويد يحمل اسم «مدخل إلى النرجسية». لقد حَلِمْتُ طويلا بأن أَكْتُبَ كِتابا يُدعى “مخرج من النرجسية”. لكنه موجود سلفا: إنه يُدعى الأناجيل.

p ما السبيل إلى محاربة الرذائل؟ هل بإمكاننا ذلك؟

n ما السبيل؟ من خلال زيادة الفضائل، وبإمكاننا ذلك ولو قليلا! فمِن الأفضل تعليم الفضائل عوض إدانة الرذائل، كما يقول سبينوزا. وقد كان مُحِقّا بالطبع. أكرَهُ كارِهِي البشر ومُعْطِيِّ الدروس الذين يريدون دائما حث الرماد في عيون قَرِيبهم. إن الكنيسة الكاثوليكية، من وجهة النظر هذه، كانت في الحضيض، وعلى النقيض مِمَّا تُمثله روح الأناجيل بالنسبة لي. تَأمّلْ على سبيل المثال أخلاقها الجنسية والتذنيب العبثي، طيلة قرون، لِـ “الفِسْق”…
لقد خرجنا من ذلك لحسن الحظ، لكن غير سَالِمين من بعض الحماقات أحيانا: من كثرة تحرير الجنس من مشاعر الذنب، الأمر الذي كان شرعيا، تَمّ أحيانا نسيان جَانِبِهُ المعتم، أو الأناني، أو العنيف، خاصة لدى الرجال، الأمر الذي بدأنا نَعِيه أكثر اليوم، وهذا أفضل!
في المجمل، يبدو لي أن الإنسانية تُحْرِزُ تقدما بالأحرى، رغم أن كل جيل جديد عليه إعادة جزء من المسار. لهذا السبب نقوم بتربية أبنائنا، وبالقدوة أكثر منه بالكلمات، ومن خلال إكسابهم التقدير أو الإعجاب، لا من خلال حث الرماد في عيونهم.

p قد نرى جوانب إيجابية في بعض “الرذائل”، مثل الشراهة أو الكسل. هل هو حال جميع الرذائل؟ هل يُمكن للرذائل أن تحتوي على شيء من الفضيلة، أحيانا؟

n إن ما هو إيجابي في الشراهة هو معرفة الاستمتاع بما نَأكُل. هي ليست رذيلة إلا في أعين أولئك الذي يكرهون الجسد ولذاته، مثل القديس أوغسطين أو غريغوريوس الأول. إن المُدَان ليس شراهة الشَّرِه، وإنما تُخمة الأكول، لِنَقُلْ عدم الاعتدال في مسألة الطعام أو العجز عن السيطرة على النفس. أما الكسل، إذا وُجِدَت له جوانب إيجابية، فإن ذلك بلا شك كقدرة على الاستراحة أو عدم فعل أي شيء، لكنني لستُ واثقا من أن يكون هذا هو معنى الكلمة.
ليس الكسل، في نظري، هو القدرة على عدم فعل أي شيء وإنما عدم القدرة على القيام بمجهودات، خاصة في العمل وعلى المدى الطويل، وبالتالي شكل من التخاذل، ولا أَجِدُ فيه شيئا إيجابيا. نفس الشيء بالنسبة لِمَا كُنَّا ندعوه قديما بالشهوة: ما فيها من إيجابية (ما قد أدعُوه بالأحرى بالشبق) ليس رذيلة البتة؛ وما فيها من رذيلة ليس مُرتبطا بالشبق بقدر ما هو مرتبطٌ بالأنانية أو العُجْب أو القسوة.
يبقى أن نَتَّخِذ الحذر من الجوهرانيّة، في هذا المجال كما في المجالات الأخرى. الرذائل والفضائل ليست سوى أفكارٍ تجريدية، نادرا ما تُوجد في الحالة الخالِصَة. الحقيقة، في معظم الأحيان، ليست هي أن رذائلنا فيها شيء من الفضيلة، وإنما هي امتلاكنا لنفس القدر من الرذائل والفضائل التي تتكامل أو تتوازن بشكل مُتبادل.

p في المقابل، أليس الإفراط في الفضيلة رذيلة في بعض الأحيان؟

n ذلك أنها تتوقف حينها عن كونها فاضِلة! إن الإفراط في الشجاعة تهور؛ غير أن التهور عيب وليس فضيلة. أما الإفراط في العدالة أو الكرم، فأجِدُ صعوبة في تبيُّنِ ما يَعْنِيه. ليس الإفراط في الفضيلة هو الذي يُشَكِّلُ تهديدا، وإنما الإفراط في الأخلاقوية: الإفراط في الفضيلة المُصْطَنَعَة، بالنسبة للذات، والمُتَوَجِّبَة، بالنسبة للآخرين.

p يجري الحديث اليوم عن الـ virtue signaling: فِعل التلويح بأننا فضلاء جدا وعرض ذلك بشكل ظاهر. أليس ثمة، في غالب الأحيان، شَكْلٌ من النفاق وراء فِعل ادعاء الفضيلة؟

n بلى بالطبع! بيد أن هذا التصرف يبدو لي أقل شُيوعا من الإدانة الأخلاقوية لرذائل الآخر. لا ينبغي أن نَخْلِطَ بين الأخلاق (التي تتثمل في الحكم على الذات والسيطرة عليها) والأخلاقوية (التي تهدف إلى الحكم على الآخر ومراقبته، في غالب الأحيان من أجل التفاخر). يقول الفيلسوف ألن إن «الأخلاق ليست أبدا من أجل القريب». إنها لا تتمتع بشرعية إلا في ضمير المتكلم. بالنسبة للآخرين، يكفي القانون والغُفران والحذر.

p عيب صغير، خطيئة لطيفة…إن الرذائل تُشكل، في غالب الأحيان، جُزءا من شخصيتنا. هل يجب مُحاولة التخلص منها بأي ثمن، أم، على العكس من ذلك، القُبول بِلاكَمالِنا؟

n أمر بديهي أن يكون من واجبنا القُبول بلاكمَالِنا. لكن حذارٍ من الإذعان بسرعة كبيرة لعيوبنا أو رذائلنا. أنْ تكون كل شجاعة غير كاملة، هذا الأمر لا يُبَرِّرُ أشكال جُبْنِنَا. أنْ نَمْتَازَ جميعا بالأنانية، ليس سببا من أجل التخلي عن كل كرم، الذي لا يتمثل في التخلي عن مُتْعَتِنَا الخاصة وإنما إيجاد متعة في ما نُعطيه أو نفعله من أجل آخر. يقول لي البعض أحيانا: «تبقى هذه أنانية إذا وجدنا مُتعة فيه.» لا. ذلك أن إيجاد متعة في العطاء، حتى أن هذا هو تعريف الكرم (الشخص الذي يُعطي دون مُتعة ليس كريما: إنه ليس سوى بخيل يُرغِمُ نفسه، كما يقول أرسطو)، أفضل من إيجاد متعة فقط في الأخذ (الأمر الذي يُميِّزُ الأنانية).
باختصار، أتفِقُ مَعَكَ في كونِنا نملك الكثير من العيوب الصغيرة بداخلنا. لكنها، بصفة عامة، شائعة لدرجة أنها تُشكل الجزء الأكثر تفاهة من شخصيتنا. لا ينبغي الاعتماد عليها لِنُصْبِح مَحْبُوبِين وأُصلاء وعَطُوفِين.

p وأنت، ما الرذيلة التي قد تُحِب أن تتخلى عنها؟ وتلك التي لا تُريد أن تكون مُعْفىً منها مهما كان الثمن؟

n أُعاني قليلا من البِطْنَة، وأيضا مع الكحول بالمناسبة، لكنني أقوم بمجهودات وتَقَدُّمَات. بغض النظر عمّا قيل، أنا مثل الجميع أَمْيَلُ إلى الأنانية من الكرم، ولستُ عادلا دائما أو مُحِبّا كما أُريد أن أكون، الأمر الذي هو أسوأ بكثير من الإسراف في الأكل أو الشرب.
أما بخصوص الرذيلة التي لا أريد أن أكون مُعْفى منها بأي ثمن، فأنا أُفكّر طبعا في الشهوة، التي أُحافِظُ عليها أكثر بكثير مِمّا أُحَارِبُها. ولكن بما أنني لا أرى فيها رذيلة، يجب أن أُجيبك: ولا واحدة. لا ينبغي الاستخلاص من ذلك أنني أحلم بالكمال، وإنما أنّ الرذائل بالتعريف زائدة عن اللزوم، كما أن كل فضيلة هي غير كافية. درسٌ في التواضع، لا الإذعان.

مصدر الحوار:

Philosophie magazine n°67 ), Automne-hiver 2025 ـ(Hors-série


الكاتب : ترجمة : يوسف اسحيردة

  

بتاريخ : 05/12/2025