سلا: مدينة على هامش التنمية: وعود متراكمة وواقع ينتظر الإنصاف

على الرغم من موقعها الإستراتيجي بمحاذاة العاصمة الرباط، ومساحتها الواسعة التي تجعلها من أكبر المدن المغربية، لا تزال مدينة سلا تعيش مفارقة تنموية واضحة؛ فهي مدينة تمتلك المقومات، لكنها عاجزة عن تحويلها إلى ثروة حقيقية تعود بالنفع على سكانها الذين يقترب عددهم من المليون وربع المليون نسمة.

بين الخطط المعلنة والواقع الميداني

خلال العقدين الأخيرين، أُطلقت مشاريع تنموية كبرى على مستوى الإقليم، من أبرزها تهيئة ضفتي أبي رقراق، ومد الجسور الجديدة، وإطلاق برامج إعادة تأهيل بعض الأحياء. غير أن هذه المشاريع، على أهميتها، لم تُحدث التحول المنتظر داخل النسيج الحضري للمدينة نفسها، إذ بقيت العديد من الأحياء تعاني من هشاشة البنيات التحتية، ونقص المرافق الثقافية والرياضية، وغياب حلول جذرية لمعضلة النقل التي تُرهق يومياً آلاف المواطنين.

اقتصاد غير متوازن

الأنشطة الاقتصادية بسلا تعاني من هيمنة الطابع السكني على حساب الأنشطة الإنتاجية، ما جعل المدينة تتحول تدريجياً إلى فضاء للنوم فقط بالنسبة لجزء كبير من سكانها. المنطقة الصناعية «سلا الجديدة» لم تنجح في جذب الاستثمارات الكبرى، بينما بقيت فرص الشغل محدودة في القطاعات الواعدة. ويفسر خبراء ذلك بغياب رؤية اقتصادية واضحة لدى المتدخلين، وضعف التنسيق بين الجماعة والمؤسسات الجهوية.

الإرث العمراني… كنز مُهمل

تملك سلا واحدة من أعرق المدن التاريخية في المغرب: أسوار، أبواب، زاوايا، قيساريات، قصبات… لكنها رغم ذلك لا تستثمر بالشكل الكافي في سياحة ثقافية يمكن أن تكون محركاً اقتصادياً قوياً. فمحيط المدينة العتيقة يعاني من الفوضى، وضعف الخدمات، وغياب مسارات سياحية مؤطرة قادرة على إبراز الهوية الغنية للمدينة.

النقل… عقدة التنمية

يُعدّ ملف النقل أحد أكثر الإشكالات إلحاحاً. فبين اكتظاظ الحافلات، والضغط المرتفع على الطرامواي، وضعف الربط بين الأحياء، يجد المواطن نفسه يومياً أمام صعوبة الانتقال داخل المدينة أو نحو الرباط. ورغم إطلاق عدة برامج لتحسين وضعية النقل الجماعي، إلا أن التنفيذ ظل بطيئاً وغير قادر على مواكبة النمو الديمغرافي المتسارع.
يرى فاعلون محليون أن سلا بحاجة إلى مشروع تنموي متكامل وليس مجرد تدخلات ظرفية متفرقة. مشروع يعيد التوازن بين التنمية العمرانية والاقتصادية والاجتماعية، ويمنح المدينة مكانتها التي تستحقها داخل المنظومة الحضرية للجهة. كما تحتاج المدينة إلى تثمين إرثها التاريخي، وخلق اقتصاد محلي منتج، وإقرار حكامة واضحة للبرامج الاستثمارية.
مسار التنمية بسلا يظل مساراً متعثراً، تملؤه المبادرات المتقطعة، ويطغى عليه غياب رؤية موحدة. وبين طموح سكانها ورهانات موقعها، تبقى المدينة في حاجة إلى قفزة نوعية، تجعلها أخيراً شريكاً حقيقياً للعاصمة وليس مجرد امتداد هامشي لها.


الكاتب : ع. الريحاني

  

بتاريخ : 06/12/2025