غياب الوزراء عن جلسات البرلمان… هرولة أم هروب؟
بقلم: نورالدين زوبدي
في الوقت الذي يُنتظر فيه من الوزراء الالتزام بالحضور المنتظم داخل البرلمان للرد على أسئلة النواب ومناقشة السياسات العمومية، يلاحظ الرأي العام هرولة عدد منهم نحو الأقاليم للمشاركة في لقاءات حزبية وتنظيم تجمعات سياسية تُقدَّم في الغالب تحت غطاء التواصل مع المواطنين. ويحدث هذا في مقابل غيابهم المتكرر عن جلسات البرلمان، ما يطرح سؤالاً ملحّاً حول أولويات هؤلاء الوزراء: أهو احترام المسؤولية الدستورية أمام ممثلي الأمة، أم الانخراط في نشاط حزبي ذي نَفَس انتخابي مبكر؟
ورغم الإلحاح والاحتجاج المتكرر من طرف فرق المعارضة، وعلى رأسها الفريق الاشتراكي – المعارضة الاتحادية، فإن الوزراء اختاروا تجاهل الدعوات البرلمانية، مفضلين النزول إلى الجهات لعرض ما يسمّونه «حصيلتهم الحكومية»، في تحركات تحمل ملامح حملة انتخابية مبكرة أكثر من كونها التزاماً بمتطلبات الدستور.
هذه الاندفاعة الحكومية نحو الأقاليم لا تأتي من فراغ؛ فهي تعكس إدراكاً داخلياً لدى أحزاب الأغلبية بحجم الغضب الشعبي المتصاعد تجاه سياساتها. لذلك باتت تحاول استباق هذا الغضب بعمليات تواصلية مكثفة، في محاولة لامتصاص الاستياء قبل الاستحقاقات المقبلة. كما أن الخوف من العقاب الانتخابي أصبح دافعاً أساسياً يدفع وزراء التحالف الحكومي إلى التخلّي عن حضورهم المنتظم داخل البرلمان والانشغال بتسويق المنجزات وتبرير النفقات العمومية.
ويحدث هذا في سياق تعرف فيه الرواية الحكومية الرسمية—المعتمدة لتجميل الأداء وتبرير الإخفاقات—تصدّعاً واضحاً، خصوصاً بعد تحركات جيل «زد» التي كشفت ما كان يخفيه جزء من الإعلام عبر تبني الخطاب الحكومي ومهاجمة المعارضة. فقد أظهر هذا الحراك الشبابي معطيات وحقائق لم تستطع الحكومة التحكم فيها أو احتوائها، وهو ما أربك خطاب الأغلبية.
ويزيد الوضع تعقيداً وجود فراغ تشريعي واضح لا يرتب أي جزاءات على غياب الوزراء، الأمر الذي يسمح باستمرار هذا السلوك دون محاسبة، ويهدد بتحويل البرلمان إلى مؤسسة فاقدة لقدرتها الرقابية ودورها في تقييم السياسات العمومية.
وتتعمق الأزمة مع تحول ظاهرة تهرّب الوزراء من المساءلة البرلمانية إلى سمة بارزة لهذه الحكومة، المصحوبة بعدد من الفضائح والتعثّرات التي طبعت ولايتها المنتهية. ومن الصعب اعتبار هذا السلوك بريئاً؛ إذ يبدو أقرب إلى محاولة منهجية لإضعاف صورة البرلمان في أذهان المواطنين والانتقاص من دوره الدستوري.
ولم تعد الاحتجاجات وحدها على غياب الوزراء كافية لإصلاح هذا الخلل العميق؛ إذ أصبح من الضروري إحداث آليات ملزمة جديدة تفرض الحضور وتعيد الاعتبار للمؤسسة التشريعية، حتى يستعيد البرلمان مصداقيته ودوره الرقابي في ربط المسؤولية بالمحاسبة.
لقد بلغ العبث الحكومي مستوى صارخاً من خلال هذا التجاهل الممنهج للبرلمان وعدم احترام دوره الدستوري في الرقابة وتقييم السياسات العمومية. فالإصرار على عدم تلبية دعوات الحضور والامتناع عن تقديم الأجوبة والتوضيحات للنواب، يعكس تحولاً غير مسؤول في سلوك الجهاز التنفيذي، يحتاج إلى إصلاح عاجل قبل أن تتعمق الهوة بين المؤسسات والمواطنين. إن هذا التبخيس المتعمد للسلطة التشريعية ليس مجرد خلل عابر، بل يشكل إحدى صور التغول السياسي الذي حذّر منه الاتحاد الاشتراكي منذ اللحظة الأولى لتشكيل هذه الحكومة. وما لم يتم وضع حد لهذا الانحراف، فإن الثقة في المؤسسات ستستمر في التآكل، وستبقى الديمقراطية نفسها عرضة للاهتزاز.
الكاتب : بقلم: نورالدين زوبدي - بتاريخ : 10/12/2025

