أخيرا سجل القفطان المغربي رسميا، أول أمس الأربعاء، ضمن القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للبشرية على موقع منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) ..هذا الاعتراف الدولي الرسمي لم يأت صدفة بل كان نتيجة تحرك دبلوماسي وثقافي كبير كان أساسه العمل على حماية التراث المغربي من كل محاولات السطو التي حمى وطيسها منذ سنوات قليلة فقط، بعد أن استيقظت دولة جارة وشحذت سيوف الوهم وشحنت عقول مواطنيها بالأباطيل في محاولة فاشلة للسطو على تراث عريق لا علاقة لها به وهو منها براء.
فعلى مدى سنوات، احتدمت محاولات السطو على كنوز التراث المغربي، وفي مقدمتها القفطان. وقد جرى تجييش مواقع التواصل الاجتماعي الجزائرية وتجنيد المؤثرين لنشر الأكاذيب والافتراءات، ومحاولة إقناع المتتبعين –بشتى الأساليب الملتوية– بامتلاكهم نصيبا من هذا التراث. غير أن هذه المحاولات باءت بالفشل الذريع، رغم أنها بلغت حد استعمال قفطان النطع الفاسي العريق ضمن ملفات الترشيح الجزائرية أمام اليونسكو.
هذه الخطوات المترنحة اعتبرها المغرب محاولات للاستيلاء الثقافي، فانبرى للتصدي لها. وبالموازاة مع التحرك الرسمي، كانت الساحة المغربية مسرحا لحملة رأي عام واسعة شارك فيها المثقفون، وعلى الخصوص النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، مطالبين بحماية التراث الوطني ومنع أي محاولة لطمس الهوية الثقافية للزي المغربي.
كان التحرك المغربي، عبر وزارة الثقافة والمندوبية الدائمة لدى اليونسكو، حاسما، إذ قدّم المغرب اعتراضا رسميا مدعوما بوثائق وصور تُثبت، بلا أدنى شك أو ارتياب، أصالة القفطان المغربي وارتباطه العميق بالتقاليد المغربية العريقة. وقد جرى إبراز تنوع أنماطه، ومهارات الحرفيين والمعلمين التقليديين الذين يتقنون هذه الصنعة، ويحوّلون قطعة حرير خام إلى زي فاخر ينطق بالأصالة والعراقة والإتقان.
زيٌّ طبقت شهرته الآفاق، وجعل أبرز المشاهير يتسابقون إلى ارتدائه والظهور به في المحافل العالمية بوصفه عنوانا للأناقة والرقي، وهم جميعا يدركون ويُقِرّون بأنه زي مغربي أصيل خاص بالمغرب وحده، وليس تراثا مشتركا كما حاولت الدولة الجارة الترويج له.
خلال اجتماع اللجنة الحكومية لصون التراث غير المادي في دجنبر 2024، قبلت اليونسكو الاعتراض المغربي وسحبت أي إشارة إلى القفطان المغربي من الملفات الجزائرية. بعد ذلك، قدّم المغرب ملفه الرسمي بعنوان: “القفطان المغربي: فن، تقاليد، مهارات”،Moroccan Caftan: art traditions and skills، رقم الملف: 02077، والذي تضمن تفصيلا دقيقا لكل الأنماط والحرف المرتبطة بالقفطان. كما كشف الملف المغربي غنى القفطان وتنوعه وأنماطه المتنوعة: كالسفيفة، البرشمان، الطرز، التطواني، الراندة، المنبت بالطرز والحجر الحر، المبرة (الكوزة الملكية)، النطع/النسيج التقليدي حسب كل منطقة، كما أبرز الملف الحرف المرتبطة بالقفطان: النسيج (brocade, velvet, silk)، الخياطة التقليدية، التطريز اليدوي، الزخرفة بالحجر والخرز، تصميم الأزرار والعقاد، مع الترتيب والتفصيل حسب المنطقة.
كما لم يغفل الملف الحديث عن وظيفة القفطان الاجتماعية فهو لباس للمناسبات الدينية والاجتماعية، مثل الأعراس والأعياد، ويعكس الهوية الثقافية المحلية لكل جهة.
القفطان كان هو العنصر الأساسي في الملف الذي قدّمه المغرب إلى اليونسكو، غير أنه لم يكن وحده؛ فقد رافقته مجموعة واسعة من الأزياء التقليدية المغربية العريقة التي تعكس ثراء الموروث اللامادي للمغرب وتنوّعه الجهوي والثقافي.
ومن بين هذه الأزياء: التكشيطة، المنصورية، الكسوة الكبيرة، القميص، الجبادور، الكندورة، المرلوطة، الدفينة، الجلابة، التخليلة، الشدة الفاسية، الشدة الشمالية، الشدة الطنجاوية، الشدة التطوانية، شدة وجدة، الكسوة الوجدية، التوقيدة الرباطية، قفطان الخنجر، القفطان الفاسي، الرباطي، السلاوي، الوجدي، الخريب، البهجاوي، البروكار الفاسي، الحاج عمر، الشمالي، الدنيا جات، أسملال، السوسي، ميمونة، موبرا، جوهرة… وغيرها من التصاميم التي تحمل بصمة كل منطقة.
كما شمل الملف أيضا مختلف تقنيات الطرز والزخرفة التي يزدان بها هذا الزي المغربي الأصيل، مثل: طرز الغرزة، طرز الحساب، طرز المجبود، الطرز الزموري، طرز التل، طرز الراندا، طرز الخنجر، لمسوس، زواق لمعلم، الشاوني، التعجيرة، التطواني، الترس، المسلوت، الكروشي، التعصاب، التنبات، التكرير، والتيراش، وغيرها من التقنيات التي توثق لمهارات متجذرة عبر قرون.
الملف أكد كذلك على أهمية الورشات التقليدية والحرفيين في نقل المهارات عبر الأجيال، ما يضمن استمرارية التراث المغربي.
وهكذا يكون إدراج القفطان المغربي في قائمة اليونسكو خطوة مهمة لتعزيز الحماية الدولية للتراث المغربي ومنع أي جهة من نسبه لثقافة أخرى، فالقفطان أصبح رمزا للهوية المغربية، وللتاريخ، ومرآة للحرف التقليدية التي تحمل قيم الجمال والإبداع.
كما أن هذا الانتصار يمثل دليلا واضحا على فعالية التحرك الدبلوماسي والثقافي للمغرب، وعلى قوة التعبئة التي شهدتها مواقع التواصل الاجتماعي، مما أبرز قدرة البلاد على صون كنوز تراثها في وجه من يسيل لعابه للسطو وسرقة ما لا يمتّ إليه بصلة. فالقفطان المغربي ليس مجرّد لباس تقليدي، بل أصبح اليوم تراثا حيّا محميا دوليا، وتراثا يعكس في أبهى صورة ثراء الثقافة المغربية المليئة بالكنوز التاريخية العريقة، التي لن يتوانى المغرب والمغاربة عن الدفاع عنها ضد أي محاولة للاستيلاء أو التشويه.
لقد أظهر المغرب، من خلال هذا النجاح، أن حماية التراث ليست مجرد واجب مؤسساتي، بل هي أيضا ثمرة وعي جماعي، وتوثيق دقيق، ودفاع دبلوماسي محكم، ومشاركة مجتمعية واسعة. وهو درس بليغ في أهمية صيانة الذاكرة الثقافية وحماية الهوية من كل محاولات الطمس أو السطو.

