هل كان على الموتى أن يدقوا خزان الماء في السماء..؟

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

لن نقع في الخلط ونسيء إلى الموتى الشهداء، ونردد معكم: هاته الفاجعة تسائلنا جميعا.
لا يا سادة، لن نغذي التضليل، ونقول إننا كلنا مسؤولون، من المطر، مرورا بفصل الشتاء ووصولا إلى الذين سقطوا صرعى الفيضانات…
لا يا سادتي، فاجعة أسفي، وفاجعة فاس قبلها والفواجع التي تراكمت، لا تسائل أحدا منا، ولا تسائل المكلومين ولا تسائل الذين فاجأهم وابل المطر بالقرب من مقابرهم …
إن هذا التعميم، أو بالأحرى التعويم، يسيء إلى القتلى الشهداء، ويسيء إلى شعب أحسن الظن بمن تولوا أموره في الحواضر وفي العواصم..
الفاجعة تسائل من يمارس المسؤولية، ويعتبر أنها بارود للشرف ونياشين وبوابات لمراكمة الثروة والجاه…
هي لا تسائل القدر لأن الدستور لا يربط بين العقيدة والمحاسبة، أي نحاسب من لا يؤمن إيمانا صحيحا.بالقدر خيره وشره..
بل يربط بين المسؤولية والمحاسبة،
والفاجعة لا تسائل السماء، ولا تسائل الشعب الذي تعطاه شهادات وفاة في المنازل الهشة وفي المنازل العتيقة وفي الحوانيت، بمقابل، يقدم ثمنا لها شهداء بالعشرات.
ولا تسائل الذين اختاروا السكن في أماكن قابلة للمأساة.
هي تسائل الذي سمح للفاسدين بالوصول إلى المقاعد الأولى..وأعطاهم ختم السلطة وقوة القرار. وأفسدوا فيها..
لن نقع في الخلط ونعتبر مثل الذي قال به رئيس الحكومة أمام البرلمان» أن «عددا من التجار والعمال توفوا» إذ كانوا في سوق بالمدينة العتيقة لآسفي يقع «في مجرى واد»، بعد «تساقط 37 مليمترا من الأمطار في وقت وجيز».
كاد يذكر بأن الذين توفوا، فعلوا ذلك بمحض إرادتهم !
وفي تواطؤ مع الواد الذي عادت إليه ذاكرته بعد فقدانها بسبب الجفاف والعمران… وشاءت بلاغة السخرية أن يكرر أنهم كانوا قابلين للوفاة لأن 37 شهيدا استشهدوا من جراء 37 مليمترا.
المضمر في التصريح: هل هذا معقول أن نقيم الدنيا ونقعدها لأن عددا من التجار بلغ 37 مغربيا ماتوا بسبب 37 مليمترا من المياه، أي معدل مليمتر لكل شهيد!؟
هل نبكي على مواطنين يسقطون قتلى بسبب 1 مليمتر من المطر؟
هل كان على الموتى أن يدقوا خزان الماء في السماء العالية كما في استعارة السؤال في رواية «رجال في الشمس «لغسان كنفاني؟
كلا، كانوا مطمئنين لأننا منذ 2016 على الأقل، ومنذ أن وضعنا خطة وطنية لتدبير الكوارث للعقد 2020 /2030، كنا نطمئنهم أن في جعبتنا الأجوبة لا شهادات الوفاة.
وبعض الأجوبة ساعدتنا عليها منظمات من قبيل البنك الدولي ومنظمة التعاون والتنمية الأوربية منذ 2016، ورش الحماية من الكوارث وتدبيرها…
بل كان عليهم أن يجدوا قبل أو بعد حدوث الكارثة منصات المخزون والاحتياطات الأولية، التي سهر الملك محمد السادس، على أن تكون، وذلك لكي تمكن من تيسير النشر السريع لعمليات الإغاثة في حال وقوع كوارث.
وهذه المنصات، التي أمر جلالة الملك بإنجازها، غداة زلزال الحوز، تمكننا من تطوير البنيات التحتية الوطنية للطوارئ، وتحسين المنظومة الشاملة للتدخل في حالة وقوع كوارث، وضمان سرعة أكبر في تقديم الإغاثة وإيصال المساعدة للمتضررين، وتعزيز قدرة المغرب على الصمود في مواجهة مختلف أنواع الكوارث (فيضانات، انجراف التربة، مخاطر كيماوية، صناعية أو إشعاعية، وكلها تجمعت مناخاتها في آسفي..!).
ـ كان على بلادهم أن تهدي لهم ما بشرتهم به على لسان وفي تقدير المجلس الاجتماعي والاقتصادي والبيئي حول تنزيل الآليات الكفيلة بتدبير المخاطر المرتبطة بالكوارث، وفي قلبها أدوار وقــدرات الفاعليــن الترابييــن…
كان لنا انفكو Anfgou رمزا لتخلي الدولة، وصارت لنا حاضرة فاس وشقيقتها آسفي.. مدينة الثروات والمكاتب الغنية والموانئ والمعامل..
كانت لنا » قرية مدفونة حية« وصارت لنا مدينة مدفونة تحت الماء
وأخرى تحت الحجارة والإسمنت المغشوش ..!
وفي كلتا الحالتين نحن أمام مجموعة سكانية وسياسية لا بد للمعنيين بالفصل 1 من الدستور أن يشعروا إزاءها بالمسؤولية والخجل!

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 17/12/2025