المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي كسب الرهان على الكفاءات، قيادة المستقبل

هل كانت المؤتمرات الإقليمية والمؤتمر الوطني الثاني عشر مجرد محطة تنظيمية عابرة أم كانت لحظة سياسية فاصلة في مسار حزبٍ أعاد تعريف ذاته كقوةٍ فكريةٍ وتنظيميةٍ مؤثرة في الحاضر والمستقبل؟
إن ما شهده الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية من دينامية تنظيمية غير مسبوقة لم يكن قفزةً في فراغ، بل ثمرة وعيٍ جماعيٍ بأهمية الانبعاث الاتحادي وتجديد النخب وإعادة وصل الحزب بالمجتمع على قاعدة الدولة الاجتماعية والحداثة الديمقراطية. ومن هنا يتجلّى أن الاتحاد الاشتراكي قوة دفعٍ تقدميةٍ حقيقية، قادرةٍ على تحويل التحولات التنظيمية إلى طاقة سياسية متجددة، تُعيد للحياة الحزبية معناها، وللممارسة الديمقراطية بعدها الاجتماعي والإنساني.
الاتحاد الاشتراكي قوة دفع تقدمية

الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية هو قوة دفعٍ تقدمية يسارية اجتماعية-ديمقراطية، تنهل من عمق التجربة الوطنية وتستمد شرعيتها من تاريخ النضال والتحرر. غايتها إصلاح الأوضاع وتطويرها والمساهمة في رسم ملامح المستقبل عبر مشروعٍ مجتمعي يقوم على العدالة الاجتماعية، والديمقراطية المواطِنة، والمساواة في الحقوق والفرص.
إنه أداةُ تغييرٍ في الحاضر ومحركُ تحديثٍ للمستقبل؛ فبفضل قدراته الفكرية والسياسية ورؤيته البعيدة وتجربته الميدانية الواسعة، استطاع أن يظلّ فاعلاً مركزياً في الحياة الوطنية، مساهماً في صياغة السياسات الكبرى وموجِّهاً للوعي الجماعي. لقد كان وقوداً للنضال والتغيير في الماضي القريب والبعيد، سواء من داخل المعارضة أو من موقع المسؤولية الحكومية، مُسهماً في تجارب وطنية تاريخية أخرجت المغرب من السكتة القلبية وأعادت الثقة إلى مؤسساته ومساره الديمقراطي.
ومن هنا يتجلّى أن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ليس فقط حزباً سياسياً، بل مدرسةٌ فكريةٌ ووطنيةٌ تُنتج المعنى في زمن الأزمة، وتحوّل الالتزام بالقيم إلى فعلٍ إصلاحيٍ مستمر، هدفه بناء مغربٍ أكثر عدلاً وإنصافاً وإنسانية.
القوة المجتمعية الأكثر فعالية

يثبت الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية أنه الحزب الأكثر انفتاحاً وتأهيلاً للمساهمة الفعّالة في إنجاز الأوراش الإصلاحية الكبرى، انطلاقاً من جدليةٍ حيةٍ تجمع بين الإصلاح والاستقرار، داخل مجتمعٍ متماسكٍ ومتضامنٍ ومتطور.
وفي هذا السياق، يطرح الحزب باقةً من الاقتراحات العملية الملامسة لعيش المواطن في أبعاده الاجتماعية والسياسية والمؤسساتية، مستنداً إلى قراءةٍ واقعيةٍ للأولويات الوطنية ومؤسساً لمفهومٍ جديد للسياسة كخدمة عمومية وكمسؤولية وطنية.
ويكفي الرجوع إلى الكلمة التاريخية للأخ إدريس لشكر، الكاتب الأول للحزب، في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الوطني الحادي عشر، حين قال: “إننا في الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية لا نمارس السياسة لذاتها، بل من أجل بناء دولةٍ عادلةٍ وقويةٍ، تُحقق الكرامة للمواطنين، وتربط المسؤولية بالمحاسبة، وتجعل من الديمقراطية الاجتماعية أساساً للتنمية. وهي كلمةٌ عبّرت بوضوح عن فلسفة الحزب في الربط بين الإصلاح السياسي والإصلاح الاجتماعي، وعن قناعته الراسخة بأن الاستقرار الحقيقي لا يتحقق إلا بالعدالة الاجتماعية والمساواة في الفرص.

وقد جاء البيان السياسي الصادر عن المؤتمر الوطني الحادي عشر ليترجم هذه الرؤية إلى التزامٍ جماعيٍ واضح، حيث أكد أن: «الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية يضع في صلب مشروعه المجتمعي بناء الدولة الاجتماعية، وإصلاح المنظومة التربوية والصحية، ومحاربة الفوارق المجالية، وتعزيز الديمقراطية التمثيلية والتشاركية، باعتبارها مدخلاً لبناء مغرب العدالة والمواطنة.»
هكذا، يُجسد الحزب من خلال مواقفه وخطابه السياسي استمرارية فكرية وتنظيمية تجعل منه قوة اقتراحية رصينة، قادرة على بلورة حلول واقعية توازن بين مطلب الإصلاح وإكراهات الاستقرار، وتعيد الثقة إلى الفعل السياسي بوصفه أداةً للإصلاح لا وسيلةً للتموقع.

لا جدوى من تنظيم غير متجذر

الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، الوفي لتاريخه الوطني والمتشبّع بهويته التقدمية والمنغرس في جذوره الاجتماعية-الشعبية، هو قوة سياسية حداثية تُسهم بوعي ومسؤولية في صياغة مستقبل البلاد.
وهو يراهن تنظيمياً وسياسياً على الشباب والنساء والأطر الوطنية والقوى المنتجة، باعتبارهم ركيزة المشروع التنموي الوطني، القادرين على استيعاب التحولات الإنتاجية المتسارعة ومواكبة الثورات التكنولوجية المتواصلة.
وفي التزامه الميداني، تابع الاتحاد الاشتراكي باهتمامٍ وطنيٍّ صادق كلَّ الاحتجاجات والتظاهرات الشبابية في المدن والقرى، ويستمع إلى مطالبها الاجتماعية والاقتصادية، وعمل على نقلها إلى البرلمان والمؤسسات المنتخبة الترابية من أجل المساهمة في إيجاد حلولٍ واقعية ومستدامة تعيد الثقة إلى الفعل السياسي.
فالاتحاد لم ير في تلك الاحتجاجات تهديداً، بل تعبيراً مشروعاً عن الحاجة إلى العدالة الاجتماعية والإنصات المواطن، ويعتبر أن هذه الحركات الشبابية تكشف اختلالاً خطيراً في التواصل والإصغاء من قِبل الأغلبية الحكومية، التي انشغلت بالحسابات السياسية الضيقة على حساب الحوار مع الجيل الجديد.
وفي هذا السياق، تلعب الشبيبة الاتحادية دوراً محورياً كتنظيمٍ موازٍ وحيوي داخل الحزب، يعمل جاهداً على إيصال صوت الاتحاد الاشتراكي إلى الشباب المؤمن بالتغيير والتنمية، وإعادة الاعتبار للسياسة كأداةٍ لبناء الأمل لا لتكريسه.
فمن خلال أنشطتها، ومواقفها، وانخراطها في النقاش العمومي، تبرهن الشبيبة الاتحادية أن الالتزام الحزبي لا ينفصل عن الالتزام الاجتماعي، وأن تجديد الدماء الاتحادية هو الشرط الحقيقي لاستمرار الحزب كقوةٍ تقدميةٍ مؤثرة في الحاضر والمستقبل.

رهان الانفتاح على الكفاءات

أفرز المسار التنظيمي الواسع – إقليمياً ووطنياً – مراجعةً نقديةً بنّاءة للتنظيم المحلي والإقليمي والجهوي، بهدف تعزيز فاعليته التنظيمية والفكرية، وتجديد آليات العمل والانخراط. وجوهر هذا الرهان كان الانفتاح على المؤهلات والفعاليات المجتمعية المؤمنة بالمشروع الديمقراطي الحداثي، بعيداً عن أي نزوعٍ نفعي أو مصلحةٍ آنية.
لقد انتفض الاتحاديات والاتحاديون ضد الانغلاق وحطّموا أوهام الشخصنة، وتصالحوا مع الذات والمجتمع والكفاءات، لترسخ القناعة بأن حزب القوات الشعبية، بتنظيمه المحكم ورؤيته الواضحة ومصداقية مناضليه، قادر على كسب رهانات البناء والتنمية.
ولقد كسب الحزب رهان استقطاب الأطر والطاقات الجديدة التي ترفع من القيمة المضافة لمبادراته، وتُمكّنه من المزج بين الديمقراطية والفعالية في قراءة الواقع ورسم آفاق المستقبل.
ولا شك أن الدينامية التنظيمية التي يعرفها الحزب منذ المؤتمر الحادي عشر، وما تبعها من اختيار سنة 2025 سنةً للانفتاح على الشباب والكفاءات، قد أسهمت بشكل مباشر في توسيع قاعدة الحزب، والرفع من عدد المنخرطات والمنخرطين، في تعبيرٍ حيٍّ عن ثقةٍ جديدة في المشروع الاتحادي وقدرته على تجديد ذاته والانفتاح على المجتمع بكل فئاته.
وهو يواصل عمله بثقةٍ ومسؤوليةٍ دون أن يُولي اهتماماً لمنتقديه وخصومه السياسيين، لأن الاتحاد الاشتراكي يؤمن أن قوة الحزب ليست في الردّ على الضجيج، بل في ترسيخ الفعل والإنتاج والالتزام بقضايا المواطنين.
ويؤكد الاتحاد الاشتراكي أن الحزب بيتٌ مفتوح لكل الاتحاديات والاتحاديين، القدامى منهم والجدد، في توازنٍ بين الخبرة المتراكمة والطاقة المتجددة. فـاختيار القيادات المحلية والإقليمية والوطنية لا يقوم على منطق الامتياز أو الانتماء الزمني، بل على الكفاءة، والأقدمية النضالية، والاستعداد الصادق للمساهمة في خدمة المشروع الاتحادي.
بهذا النفس الجماعي المتجدد، يُثبت الحزب أنه ينتمي إلى كل من يؤمن بقيمه ويناضل من أجلها، وأن تجديد النخب والمسؤوليات ليس خروجاً عن التاريخ، بل وفاء له وتجسيد حيّ لاستمرارية مدرسة الاتحاد الاشتراكي في خدمة الوطن والمواطن.
لقد أبانت الدينامية التنظيمية التي أطلقها الحزب منذ المؤتمر الحادي عشر، وما تبعها من اختيار سنة 2025 سنةً للانفتاح على الشباب والكفاءات، عن إرادة جماعية في تجديد الهياكل وتعزيز الحضور الميداني للحزب.
ومن رحم هذه الدينامية، أفرز المسار التنظيمي الواسع – إقليمياً ووطنياً – مراجعةً نقديةً بنّاءة للتنظيم المحلي والإقليمي والجهوي، بهدف تعزيز فاعليته التنظيمية والفكرية وتجديد آليات العمل والانخراط.
فالاتحاد الاشتراكي، بحسه الإصلاحي ومسؤوليته التاريخية، لا يكتفي بالتأمل في الماضي أو بالاحتفاء بالتاريخ، بل يسعى باستمرار إلى تطوير ذاته كتنظيمٍ حيٍّ متجدد، يستمع إلى قواعده، ويتفاعل مع محيطه، ويعيد ترتيب أولوياته بما يخدم المشروع الاتحادي وقضايا المواطنين.
إنها مراجعةٌ تؤكد أن الحزب لم يعد ينظر إلى التنظيم كغايةٍ في حد ذاته، بل كوسيلةٍ لبناء قوةٍ اقتراحيةٍ فاعلةٍ ومواطِنة، قادرةٍ على ربط الفعل الحزبي بالرهانات الوطنية الكبرى وبالتحولات الاجتماعية والاقتصادية التي يعيشها المغرب اليوم.
القيادة الوظيفية: من الحزب/الشخص إلى الحزب/المؤسسة

لقد أثبتت التجربة السياسية أن “سيادة التاريخ” عندما تتحول إلى مرجعية مطلقة، قد تُنتج إقصاءً للأجيال داخل العديد من الأحزاب، خاصة حين تُقدَّم الشهادات الشخصية على الوثائق، وتتعالى المؤسسات الرمزية على الأجهزة القانونية والتنظيمية.
لكن الاتحاد الاشتراكي، بوعيه التاريخي وبنضجه المؤسسي، قطع مع هذا المنطق منذ المؤتمر الوطني التاسع، حين اختار الزعامة الوظيفية التي تستمد مشروعيتها من الشرعية التنظيمية ومن القنوات المؤسساتية المنتخبة. وهكذا انتقل الحزب من منطق الحزب/الشخص إلى منطق الحزب/المؤسسة.
واليوم، ومع التحضير لاستحقاقات 2026–2027، يُواصل الاتحاد الاشتراكي هذا النهج بثباتٍ ومسؤولية، متجهاً نحو توطيد المؤسسات الداخلية والابتعاد عن الشخصنة في اختيار القيادات المحلية والإقليمية والوطنية.
وقد جسّد المؤتمر الوطني الثاني عشر هذا الوعي الجماعي عندما أجمع المؤتمِرات والمؤتمِرون على انتخاب الأخ إدريس لشكر كاتباً أول للحزب، في لحظةٍ ديمقراطيةٍ تؤكد عمق الثقة في التجربة الاتحادية واستمرارية المشروع الجماعي الذي يقوده الحزب بمؤسساته، لا بأفرادٍ أو رموزٍ ظرفية.
بهذا الاختيار الواعي، يُكرّس الاتحاد الاشتراكي نموذجاً سياسياً متفرّداً، يجعل من المؤسسة إطار القيادة، ومن القيادة أداةً لخدمة المشروع، لا غايةً في حدّ ذاتها.
خاتمة: نحو انخراطٍ اتحاديٍ متجدد من أجل ربح رهان التغيير

إن الدينامية الاتحادية الراهنة لم تكن مجرّد توسّع عددي في صفوف المنخرطين، بل استثمارٌ تنظيميٌّ وسياسيٌّ عميقٌ هدفه تحويل الاتحاد الاشتراكي إلى فضاءٍ حيٍّ نابضٍ بالشباب والنساء والكفاءات، يُعبّئ الطاقات، ويبتكر الحلول، ويقترح البدائل.
لقد دشّن الحزب من خلال هذا الورش الوطني منهجيةً جديدة في تدبير الانخراط والتأطير، تُبدّل الجمود التنظيمي بالعقل النقدي والحركية الميدانية، وتعتمد التحديث المستمر لأساليب التواصل والحوار والممارسة السياسية.
الاتحاد الاشتراكي لا يشتغل في فراغ، ولا ينافس بأساليب ظرفية أو بوسائل شراء الأصوات التي يرفضها مبدئياً، بل يثبت تميّزه من خلال قوة تنظيمه، وصلابة مشروعه المجتمعي، وقدرته على الإبداع والتجديد في أدوات العمل السياسي.
إن ورش الانفتاح والتجديد التنظيمي يمثل اليوم إغناءً للهوية الاتحادية وتجسيداً لقيمها في الواقع؛ فهو مبادرة شجاعة لمواجهة قوى المحافظة والانغلاق، لأن الهوية لا تُصان بالجمود ولا تُحمى بالعزلة، بل تتقوّى بالانفتاح، والعمل، والإبداع والمبادرة.
هكذا يواصل الاتحاد الاشتراكي دوره كقوةٍ تقدميةٍ مجتمعيةٍ متجذّرة، تُجدّد نفسها بالكفاءات والانفتاح، وتُحوّل القيادة إلى وظيفةٍ مؤسسيةٍ، وتجعل من المجتمع موضوع اشتغالها اليومي. إنه بحق حزب الدولة الاجتماعية والحداثة الديمقراطية، حيث التجديد شرط البقاء، والمبادرة طريق المستقبل.
ومن هذا المنطلق، فإننا ندعو الاتحاديات والاتحاديين وكل المتعاطفين مع حزب القوات الشعبية إلى الانخراط الإيجابي في التعبئة الاتحادية الجارية، دعماً لمسار الإصلاح والتجديد، ولربح رهان التغيير وصون كرامة المواطنات والمواطنين، وفاءً لتاريخ الحزب ونضالاته، وتجسيداً لإرادته في بناء مغربٍ عادلٍ، متضامنٍ، وديمقراطي.