مجموعة «فوضى مورفي» للكاتبة خولة العلوي .. شغف ووعي ورغبة في كتابة نص مختلف

لا شك أن القصة المغربية اليوم تعيش منعطفا مختلفا، وتتحرك في اتجاه حساسيات جديدة تظهر مع جيل شاب يكتب بلغته الخاصة، وبنبرة تنتمي إلى هذا العصر الذي تتداخل فيه السرعة مع القلق، والخيال مع الواقع، والصوت الشخصي مع هموم الجماعة. ويبدو أن القصة المغربية، بعد سنوات من الفتور، تستعيد اليوم أنفاسها عبر نصوص قصيرة، مشاغبة، ومكثفة، تتسلل إلى اليومي وتعيد تشكيله بوعي فني جديد.
وفي هذا السياق، يأتي الإصدار القصصي الأول للكاتبة خولة العلوي ليعزز هذا التحول، ويؤكد أن الإبداع الجاد لا يزال ينبت في تربة الأدب المغربي، رغم ما يحيط بالمشهد من ضجيج ورداءة، ورغم هيمنة الاهتمام بالأسماء المكرسة أو بالكتابات السطحية التي تنتج بغرض الاستهلاك السريع. إن «فوضى مورفي» ليست مجرد تجربة أولى، بل إعلان صوت قصصي يملك شغفه، ووعيه، ورغبته في كتابة نص مختلف.

جمالية البناء

ما إن يشرع القارئ في قراءة قصص «فوضى مورفي» حتى يلاحظ ذلك الحرص البالغ على جمالية البناء. فالنصوص مكتوبة بتركيز عال، وباقتصاد لغوي دقيق، وبانضباط سردي يجعل كل كلمة في موضعها، كما لو أن الكاتبة تضع لبنة بعد أخرى لتشييد بناء قصصي لا شرخ فيه.
لا يوجد في قصص خولة العلوي أي ارتخاء سردي أو فائض لغوي يشتت القارئ؛ بل إن هندسة الجملة وإيقاع الفقرة يذكران بأن القصة القصيرة، في جوهرها، ليست حكاية مطولة، بل لمحة مكثّفة عن حدث أو شعور أو مشهد، يكفي أن يتألق لثوانٍ ليضيء مناطق كاملة من التجربة الإنسانية.
وتعرف الكاتبة بذكاء أن قوة القصة ليست في تفسير العالم، بل في الإشارة إليه، وترك فراغات تشبه النوافذ، يدخل منها القارئ ليملأها بذاته وخبرته. لذلك تنفتح مجموعتها على آفاق متعددة للتأويل، وتشرك القارئ في إنتاج المعنى، بدل أن تقدمه له جاهزا.

مواضيع جديدة ومعالجات مغايرة

تنطلق خولة العلوي من واقع مغربي جديد، واقع يعيش تحولات سريعة، وتتشابك فيه علاقات الإنسان بالعالم بطريقة مختلفة عن الماضي. لذلك نجدها تتناول موضوعات تبدو مألوفة ولكنها تعيد تفكيكها بطريقة غير مألوفة: الفن، والرسم، والكتابة، والحب، وعلاقات الناس اليومية، والعلاقات العائلية، والمكان، والمحطات العابرة، والذاكرة الشخصية، وهشاشة الشعور الإنساني.
لكن التناول ليس مباشرا؛ فالكاتبة لا تكتب من زاوية «الشخص العادي»، بل من زاوية رؤية تتجاوز السطح إلى ما تحت الجلد. كل قصة تبدو كأنها تطل على الواقع من نافذة جانبية، أو من زاوية مخاتلة تجعل الأشياء العادية تبدو جديدة تماما.
في كل نص، تشتغل الكاتبة على ما وراء الحدث، وعلى ما لا يراه الناس عادة، كأنها تقول إن وظيفة الكاتب ليست تكرار المشهد، بل إعادة خلقه. بذلك تقدم للقارئ واقعا معاد صياغته عبر حساسية حديثة، تتقاطع فيها شاعرية اللغة مع وضوح الرؤية، وانفعال الذات مع عمق الفكرة.

خاتمة

إن «فوضى مورفي» ليست مجرد انطلاقة أولى للكاتبة خولة العلوي، بل تجربة مكتوبة بوعي ومسؤولية، وبحس فني يدل على معرفة دقيقة بفن القصة القصيرة، وبحدس داخلي يدفع نحو التجديد. هي مجموعة تسهم بطريقة أنيقة وهادئة في إغناء المشهد القصصي المغربي والعربي، وتمنح القارئ فرصة لاكتشاف صوت قصصي جديد يكتب بروح عالية، وبقدرة على التقاط التفاصيل الصغيرة وتحويلها إلى نصوص تعيش طويلا في الذاكرة.
وتبدو خولة العلوي، من خلال هذه المجموعة، قاصة قادرة على تطوير مشروعها، ومؤهلة لتكون واحدة من الأصوات التي ستدفع القصة المغربية إلى آفاق أكثر اتساعا وإشراقا.


الكاتب : إلياس الخطابي

  

بتاريخ : 23/12/2025