الإشكالية التي تواجه العولمة في المغرب الراهن…

محمد أديب السلاوي

 

خارج الصيغ المتعددة للرقابة على المال العام، التي تقوم على أرض الواقع، تظلل «أزمة» الفساد المالي قائمة، و لربما تتجاور هذه «الأزمة» كل الآليات التي تتوفر للقضاء و للبرلمان والحكومة، وهو ما جعل … حكومة التناوب (أبريل1998) تفتح الباب على مصراعيه للبحث والتقصي، في محاولة لاستشراف مقاربة جديدة في تدبر الشأن العام و المال العام لتعيد الثقة بين المواطن والإدارة، و جعل هذه الإدارة في خدمة الصالح العام.
في نطاق هذه المقاربة، جعلت حكومة الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي من … تخليق «الحياة العامة» ورشا أساسيا في أوراشها الإصلاحية، وهو ما تطلب منها تفعيل برامجها بميثاق واسع للتخليق و حسن التدبير، ويقوم على ثلاثة منطلقات:
• منطلق أخلاقي، يدعو إلى محاربة كل أشكال الانحراف واستئصال النفوذ والتسيب.
• منطلق الترشيد، يدعو إلى تدبير الأموال العامة وفق مبادئ الدقة والشفافية والاقتصاد.
• منطلق التواصل يقوم على الإنصات للمواطن والمقاولة، وعلى تقديم أفضل الخدمات المطلوبة.
و في نطاق هذا الورش أعلن التصريح الأول لحكومة التناوب (أمام البرلمان 1998) عن عزمها إلغاء الامتيازات و تجمد الأجور العليا و مراجعة و ترشيد نظام المرتبات بالوظيفة العمومية، وفق معايير منسجمة، تعتمد على قيم العدالة و الاستحقاق و المردودية.
وقد أولى هذا التصريح مكانة متميزة للأنظمة الرقابية القائمة لبلورة مهامها و أساليب عملها وتفعيل أدائها، بما يستجيب لطموحات و تطلعات المواطنين في تحسين الخدمات، كما أولى أهمية خاصة لمسألة تفعيل ميثاق حسن التدبير، على أساس تقويمه و تكريس قيمه المتمحورة حول دولة الحق والقانون والمصلحة العمومية والشفافية والفعالية والمردودية وتخليق الحياة العامة.
وفي إطار هذا الميثاق، طالب الوزير الأول من حكومته (رسالة1999) إعطاء الحكومة الوسائل والآليات، لترشيد النفقات العمومية والرفع من مستوى الأداء، والنجاعة، والتسيير السليم للمصالح العمومية ومرافق الدولة. وتأسيس العمل الحكومي، على أخلاقيات مستمدة من قيم المواطنة والاستقامة والكفاءة والاستحقاق والوضوح والشفافية واحترام القانون وروح المسؤولية والحوار والتشاور والعدالة و التضامن والاحترام الدقيق لمقتضيات ظهير 7 دجنبر 1992 المتعلق بالتصريح بالممتلكات.
ودعما لهذا الميثاق، دعا الملك محمد السادس، في رسالة موجهة إلى «الندوة الوطنية حول دعم الأخلاقيات بالمرفق العام» (نظمتها وزارة الوظيفة العمومية في أكتوبر1999) إلى ضرورة سمو الأخلاق واستقامتها في الإدارة العمومية، و تقديم ما قد يطرأ من انحراف عليها، فالأخلاق أساس من أسس الدولة، تقوم بقيامها و تنهار بانهيارها.
هكذا يكون ورش تخليق الحياة العامة، في عهد حكومة التناوب قد جعل… التخليق … عنوانا بارزا للمرحلة الراهنة ولكنه يبقى دون معنى خارج إعادة النظر في المفاهيم، و في أساليب العمل، و في التصورات العامة الموجهة للأفعال و السلوكيات والمناهج المعتمدة في تسيير الشأن العام، وهو ما يعني التمهيد الموضوعي للإصلاحات الجوهرية التي تفرضها التحديات التي يطرحها الفساد … والعولمة.
هكذا يبدو أن المغرب، الذي يتوفر على آليات عديدة لمراقبة المال العام، قائمة على صرح تشريعي متميز، بقيت وما زالت معطلة لفترة طويلة، إلى أن استطاع الفساد، اختراقها وتجاوزها في الزمان والمكان، وأصبح منظومة تتداخل مع الإدارة والسلطة، وتتجاوز القانون والسلطة و الأخلاق.
• فكيف على مغرب اليوم وعلى رأسه حكومة ضعيفة مواجهة هذه الحالة…؟
• هل يتطلب الأمر قطع يد السارق لقطع دبير السرقة…؟
• هل يتطلب الأمر الاكتفاء بالضربات الوقائية الانتقالية التي تظهر وتختفي في الأحداث والمناسبات…؟
• هل يكفي تفعيل آليات المراقبة من جديد لتطهير الفساد المتفجر بقوة بالمؤسسات والصناديق المالية…؟
• هل يكفي التحسيس بأهمية تخليق إدارة الشأن العام لحماية الإدارة و المال العام …؟
• هل يكفي مراجعة القوانين، وتغيير مسؤولين بآخرين للحد من الموجة الصارخة لهذا الفساد؟
بعيدا عن هذه الأسئلة وغيرها وغيرها، يجب التأكيد، أن وضعية المغرب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لم تعد قادرة على تحمل المزيد من الفساد، وأن أزماته المتعددة والمتداخلة في التعليم والصحة والشغل والإدارة / كما في الاقتصاد والصناعة والسياسة والمجتمع، أصبحت بحاجة، وأكثر من أي وقت مضى، إلى إصلاح سياسي جذري وشامل، يعيد للدولة هيبتها وموقعها، ولن يتأتى ذلك إلا بإرساء قواعد دولة القانون. ووضع إستراتيجية لإصلاح الفساد المتعدد الصفات، الفساد المالي/ والإداري/والسياسي في موقعه الحقيقي، واتجاه وضعيته القانونية والسياسية الحقيقية، و هو ما يتطلب تعبئة شاملة للأحزاب والمنظمات والنخب والكفاءات والفعاليات الوطنية، إلى جانب حكومة صالحة وسلطات قادرة على التدبير والإصلاح الذي تتطلبه المرحلة الراهنة، ولن يتأتى ذلك خارج شروطه الموضوعية، وهي فصل السلط على قاعدة نظام الملكية الدستورية، وإقامة حكومة تمثيلية مسؤولة، ذات كفاءة عالية، تتبنى مشروعا حقيقيا للإصلاح الشامل الذي يتطلبه مغرب اليوم / مغرب الألفية الثالثة / … ومغرب عهد محمد السادس في إدارته وسياسته وماله ومجتمعه وكافة قطاعاته ومرافقه، لمواجهة تحديات العولمة، وتحديات التطور الحضاري و تحديات الحداثة.
أفلا تنظرون؟

الكاتب : محمد أديب السلاوي - بتاريخ : 09/01/2018