القياس التعسفي والنتائج الفاسدة …

مصطفى المتوكل الساحلي

القيـــاس هو المصدر الرابع من المصادر التشريعية  بعد الكتاب / القرآن , والسنة الصحيحة  غير المتعارضة مع  كلام الله ولا الخارجة عن  العدالة الإلهية  , ومن الأصول التي تسمى عقلية القياس  و الإستحسان , والإستصحاب , والمصالح المرسلة , وسد الذرائع , والعرف , والعادة , و الإجماع والاجتهاد ، وقول الصحابي،  ، وعمل أهل المدينة  وقاعدة مراعاة الخلاف وشرع من قبلنا..
ولقد أكد أهل العلم على أن من شروط الأخذ والعمل بمصادر التشريع أن لاتتعارض أو تتناقض أو تخالف  القرآن  , كما لايعتمد على ما يتضارب  مع السنة الصحيحة ..
والقياس لغة بمعنى قدَّر.. وقد يكون بالنظر أو بالدراع أو الخطوة  أو بالمتر أو بالسنة الضوئية .. الخ ..وقد يكون  على شيئ أو موضوع أو مسالة أخرى , مثل قياس التدخين على المسكر  ..
و اصطلاحا هو: « حمل معلوم، على معلوم، لمساواته له في علة حكمه، عند الحامل.»
و»هو الإلحاق والتسوية، أي إلحاق الفرع، بالأصل، ومساواته له في حكمه بجامع العلة.»..
ولقد ذهب «الجمهور على أن حجية القياس حجية قطعية، يقينية ، وذلك لإجماع السلف على القطع بتخطئة مخالف القياس ومنكره ، ولو لم يكن دليلهم على حجيته قاطعاً لما قطعوا بتخطئة المخالف .»
إننا  لانريد هنا تناول الموضوع من جوانبه الفقهية والشرعية والعقلية ..بل أن نعرض لإشكالات لها علاقة ببعض التوظيفات السلبية للدين والمال  لأغراض سياسوية وانتهازية ومصلحية ..مؤطرة بأقوال وتصريحات بعض المشايخ لفائدة بعض التنظيمات المزدوجة الهوية والدور ..
فهل كل قياس يكون صحيحا وملزما للناس ؟ …وهل  عدم العارف  والجاهل بخصوصيات المجتمعات و بقواعد التطور والتحديث والتجديد والعصرنة له أن يجتهد أو يقيس  ؟  وهل  يصح أصلا شرعا وعقلا الإستماع للذي   ينصب نفسه  «مفتيا»  فيكفر المخالف له والمعارض لجهالاته و الحداثي والليبرالي والعلماني والديموقراطي  من  المؤمنين والمسلمين الذين اجتهدوا في معالجة مشاكل أوطانهم السياسية والحقوقية و الإقتصادية والإجتماعية والمعرفية والتربوية ؟.. وهل يجوز الإستماع إستئناسا  إلى أهواء البعض الذين يقبلون بفعل أشياء خالفوها وناقضوها وحاربوها وهم خارج الحكم  ..؟  وعلى أي أساس سيتم قياس «خطب الوعظ» بالأمس وقرارات ومواقف وتصرفات اليوم  ؟
إن الدين والعقل يدعوان إلى ترجيح العمل بما وصل إليه الفكر البشري من تقدم علمي وتقني وفني ومعرفي أخرج البشرية من ظلمات الجهل والتخلف ومتاهات الخرافات وبناء إنسان المعرفة والعمل   لليوم وللمستقبل ,  عوض التحلق أمام بعض المشايخ  بهامش مسارات الحضارة الانسانية و المجتمعات  اومتابعتهم  بالقنوات والفيديوهات  فيسممون عقول المستمعين  بما جمعوه من بعض الكتب  التي اختلطت فيها الحكايات بالإسرائيليات بالمدسوسات المختلفة  والآراء الغريبة مع بعض الأحاديث الصحيحة ..من مثل الذي إعتلي المنبر فتحدث عن المراة بشكل استفزازي وتحقيري فلم يبق له إلا ان يقيسها بفكره الفاسد  على البهيمة واللاشيئ.. ؟    ..ومن مثل الذي ما زال ينفي وينكر كروية الأرض ودورانها لأنه لم يفهم لا الكتاب ولا العلم ويقيس حقائق الكون  بقياس جهل بعض الذين أقحموا  أنفسهم في علوم ومباحث لا قدرة عندهم لمعرفتها ناهيك عن التعليق عليها ودحضها ..ويقيس بمزاجه وتهيؤاته  وليس  بالتأمل في آيات القرآن  وما وصل إليه العلم من حقائق واضحة مبرهن عليها ؟ ..ومثل من ينكر الصعود إلى القمر وعمليات الإستكشاف الهائل للفضاء    وهو يتحدث موجها كلامه الغريب للناس  عبر كاميرات تبث للعالم حركاته المتنطعة وهرطقاته البئيسة بالأقمار الصناعية التي تسبح في مداراتها بفعل القوانين التي خلقها الخالق في الكون فترسل الصوت والصور بالمباشر على مدار الساعة  قبل أن يرتد للمكذب من على كرسي المسجد طرفه  , أو  يقوم المتحدث من مكانه وقد تتبع أحاجيه   العديد من الناس في  بقاع العالم ..؟؟ دون ان يشرح  دواعي اعتماده على ما ينكر لنشر نظره غير السديد , و لا لماذا يجيز التصوير والتسجيل والبث المباشر  بعد أفتى أساتذته بمنع وتحريم كل ذلك بل وكفروا  الصور  والتصوير   ؟  فهل يقاس هذا العلم العالي التقنية  على أعمال الشياطين والجن والسحرة  ..؟ أم  يقاس إباحة استعمال التكنولوجيا على  قاعدة «الضرورات تبيح المحظورات « ليقوموا بعذ تمكنهم بكسر كل التكنولوجيات الكافرة كما يقوم الذين يسمون نفسهم بحماة الدين بتكسير أدوات الموسيقى ومعاقبة الفنانين …؟
وهل يمكن اعتماد وتصديق الذين يكفرون الديموقراطيين ويبدعونهم في أحسن الأحوال وهم يترشحون  للإنتخابات  استنادا إلى قاعدة «الغاية تبرر الوسيلة «  ليصلوا  إلى بعض الكراسي بالتصويت الذي يعتبرونه ليس من الشورى وبدعة..؟..وعلى أي اساس سنقيس هؤلاء  لتصنيفهم وإيجاد حكم شرعي يعنيهم  هل قاعدة « انما هي الحرب والمكيدة « … ؟؟…
إن المعرفة والخبرة  و الأوضاع والظروف المرتبطة  بإيقاع وإعمال القياس ,  ووضع  وإصدار أحكام  خاصة باعتماده كآلية للتشريع غير قارة بل  متجددة وتتأثر وتتغير  بإختلاف وتباين الحضارات والثقافات والأعراف ومستوى الإنفتاح الإيجابي  ودرجات التشدد في علاقة بفهم الدين ورسالته الإنسانية  والتقدير العلمي الموضوعي للمصلحة العامة والمصالح الفضلى للناس ..وحتى بالنية  وبالخلفية السياسية  ومرجعية التأويل , وهذا يذكرنا بمصطلح « الحماية» التي تحت غطائها  تحتل  دول دولا  أخرى   أي « تستعمرها وتبطش بأهلها «
فليس كل عمل   أو رأي يتم إقراره بإعمال القياس كما الفتوى  ملزمين للمعنيين به  والأمثلة من الواقع القديم والمعاصر متعددة .. لانهما في نهاية الأمر آراء أفراد مجتمعين أو متفرقين في مسألة ما لايمكن أن ترقى الى الوجوب والفرض والإلزام بان تجعل في قوة حجية كلام الله والأحاديث الصحيحة غير المتعارضة مع جوهر الدين , فذهب  بعض» الائمة» إلى تكفير علماء الكيمياء لأنهم لامعلومة عندهم عن الكيمياء بظنهم أنها من السحر فقاسوا مالا يقاس جهلا وتعسفا ..فتسببوا في إزهاق الأرواح ظلما وعدوانا وحاربوا العلوم التي فيها مصلحة البشرية ومستقبلها وتسببوا بتحجرهم في تعثر التطور وتعميق التخلف ..؟
إن أعمال القياس في السياسة بالمزاج والهوى في علاقته بالدين والمال يفسد الوعي ويسئ للتعريف بالدين , فعندما يجتمع المال والسلطة يتخذ القياس عندهم أبعادا بعيدة عن الواقع ومتطلباته ..
انهم منهم من يتحدث ويفتخر بتحولهم بعد تواجدهم  بمراكز قرار الدولة والسلطة من حال الى حال , من وضع هم مثل  الناس  , إلى وضعية مغايرة تكون  فيها آثار « النعمة ؟!»   واضحة تطال الشكل و الممتلكات و العلاقات والخذمات ..ولعل قياسهم  غير سليم عندما ظنوا أنها من معاني  « إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده « والحال أن القياس  الصحيح يجب أن يكون على « من أين لك هذا ؟ « وعلى موقف الرسول من الذي اغتنى بالهدايا حيث  جاء في الحديث أن   النبي (ص)  استعمل رجلا من الأزد على الصدقة .فلما عاد قال : «هذا لكم وهذا لي ..فقال النبي (ص) « هلا جلس في بيت أبيه أو بيت أمه فينظر أيهدى إليه أم لا ؟ )البخاري
وإن منهم  يحدث الناس  قائلا  تصوروا  إذا غزونا وسمى دولة أوروبية ,  كم من الغنائم سنجمع وكم من النساء سنسبي  فيكون من نصيب كل واحد منا على الأقل 5 نسوة شقراوات نوزعهم بالعدل إلى أصناف : المسنات والشابات والطفلات ..الخ  , فأي  قياس هذا وأية سياسة هاته  وإلى أين يشحنون أنصارهم , وإلى أي زمن ينتمون ؟؟…وهل هكذا يقدم الإسلام لسكان العالم ؟..وعندما يتحدث أحد شيوخهم الذي يسبح في عالم   «الكوتشينغ» ويسمي نفسه معاصرا ومجددا ليخبرهم بأن النبي (ص) ذبح العشرات من اليهود ذبح الخراف في جلسة واحدة يقدمون إليه عشرة فعشرة  , فأي معنى أو مثل يضرب للحضور ولمن يستمع إلى إشاراته وتوجيهاته   ..؟
إن هذا  الانحراف والتسيب الذي تلبس  بعقول البعض    تسبب في فتن عظيمة بين المسلمين لم يخرجوا  منها منذ قرون ومازال بعضهم يحل دم واموال واعراض البعض باسم الدين وباسم الأحكام المستندة إلى فتاوى  وأقيسة  الإسلام الحق بعيد عنها وعنهم …
ونحن نتحدث عن  القياس المفترى عليه  قال بعض العلماء  بجواز التداوي بالنجاسات قياسا على أبوال الإبل..
وقال البعض   هل يملك العبد بالتمليك قياساً على الحر  , أو لا يملك قياساً على» البهيمة «؟
ومن القياس العلمي اعتماد التحليل الطبي لمعرفة البصمة الوراثية ونسب الطفل بدل التشبث  بالمعايير التقليدية التي أصبحت متجاوزة وغير منصفة ..
وبما أن التشريع إما  تكون مصادره الأصلية التي لايقوم إلا بها  هي الكتاب والسنة الصحيحة  وهذا يصطلح عليه ويعرف بانه  «تشريع سماوي / ديني»  , وبما أن التشريع الوضعي أي القانون يصدر عن مؤسسات متخصصة   وتمتلك صلاحية ذلك ويكون من مصادره أيضا « الشريعة الدينية « فقد يتحولان معا بسبب تعصب أو رغبة في التحكم والتسلط والترغيب والإخضاع  إن وجدوا إلى ذلك سبيلا أو ضرورة ,  فيتزاحم بعض «الفقهاء» و»العلماء «و»الشيوخ» المزاجيين  مع بعض هواة السياسة المتنطعين  لقياس القوانين والتشريعات  والقرارات على أمزجة حكوماتهم  ليواجهوا بها  مخالفيهم ومنتقديهم ويضيقون عليهم ..
إنه وكما يجب علينا أن نطور آليات ومناهج وقواعد التشريع ليس بالقياس على أحداث ووقائع من عصور ماقبل النهضة العلمية والتكنولوجية والحقوقية والمؤسساتية , يجب علينا أن نحمي ثراثنا وهويتنا من الإسرائيليات المتوارثة والجديدة ومن الفكر التحريفي المعطل للمقاصد الشرعية المحققة لإستقرار الإنسان وقدرته على مواكبة ومنافسة التطور الهائل الذي تشهده العلوم والتكنولوجيات , وجعل همنا الأساسي هو كرامة وعزة وحرية الإنسان وممارسته لحقوقه وواجباته في تنمية الوطن وإدارة أموره , وبناء اقتصاده واحترام وتثمين الإختلاف والتنوع وبناء مستقبل أفضل للأجيال المعاصرة و  القادمة  ..
قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ﴾ سورة النساء.
وقال  تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا ﴾ سورة النساء.

الكاتب : مصطفى المتوكل الساحلي - بتاريخ : 23/02/2018