9 مارس 2011 : عندما أنقذ خطابُ الملك البلادَ من عواصف إقليمية أسقطت أنظمة وخربت دولا… 2/2
عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr
من المنطقي أن تتحدد قراءة سبع سنوات من تنزيل الدستور الجديد بهذه الثوابت الواضحة على ضوء مدى تفعيل هذه الأسس، ومدى تجذرها في التربة السياسية الوطنية….
وفي إطار الجهوية وحدها نذكر أن الخطاب بدأ بها، بل كانت «عتبة» النص الدستوري الجديد باعتبارها كانت مقدمة تأسيس خطاب 9 مارس..
ولا يمكن أن نغفل، تحقق تقدم في النصوص أساسا في تفعيل الجهوية، التي عادت أكثر من مرة في الخطب الملكية، في حين ما زال التفعيل الحقيقي واقعيا ومؤسساتيا يراوح مكانه، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار «المقاومة» غير المعلنة والمرتبطة فعليا بتاريخ الممارسة الممركزة في تدبير دواليب الدولة. وقد تتجلى في أبسط سلوك إداري كما قد تتجلى في العلاقة مع القطاعات الوزارية.
غير أن ما يمكن أن يستجيب التفكير الجيد هو أن هناك تقييما جريئا قام به ملك البلاد نفسه في خطاب العرش من السنة الماضية،. بإعلان واضح بأن الأمور لا تسير كما يحب هو وشعبه. وقد أعلن الملك عن كون «الإصلاح الدستوري، يعد خطوة أساسية، في مسار ترسيخ نموذجنا الديمقراطي التنموي المتميز»، غير أنه بعد سبع سنوات من الإصلاح نفسه و18 سنة من الحكم سيقدم جلالته نقدا لاذعا لهذا النموذج… من خلال نقد النموذج التنموي وتوصيفه بالتعثر أو الفشل كطريقة في عدم تقديس الدولة لمشاريعها..
وقد تحدث جلالة الملك حرفيا بالقول:«لا يمكن لي أن أخفي عنك بعض المسائل، التي تعرفها حق المعرفة . و من واجبي أن أقول لك الحقيقة، وإلا سأكون مخطئا في حقك».
وأضاف جلالة الملك في خطاب افتتاح دورة البرلمان الأخيرة :
-«أن النموذج التنموي الوطني أصبح اليوم، غير قادر على الاستجابة للمطالب الملحة، والحاجيات المتزايدة للمواطنين، وغير قادر على الحد من الفوارق بين الفئات ومن التفاوتات المجالية، وعلى تحقيق العدالة الاجتماعية…».
وكان السياق يفرض تقدير الموقف هذا، وهو سياق طبعته إرادة في تجاوز مسببات العطب. من خلال تفعيل مبدأين أساسيين، هما تقوية آليات تخليق الحياة العامة، وربط ممارسة السلطة والمسؤولية العمومية بالمراقبة والمحاسبة ..
وقد تابعنا جميعا كيف اشتغلت الآلية المتعلقة بربط المسؤولية بالمحاسبة في ملفات تحولت إلى غضب اجتماعي ومساءلة مؤسساتية عميقة…، الشيء الذي فرض محاسبة مسؤولين سياسيين وآخرين تقنوقراط وبعضهم إداريون من المنتمين لإدارات متنوعة.
وعلى ذكر الإدارة، فقد كان تحريك دينامية الإصلاح داخل الوظيفة العمومية، ثم باقي أسلاك الإدارة في علاقة سببية بهذا البعد العالي في إصلاح الدولة.
ومجمل القول هنا أن تفعيل المسؤولية وربطها بالمحاسبة، كانت فيه بيداغوجية دستورية واضحة تسعى إلى جعل البلاد تطبع فعليا مع هذا التلازم الذي يبني دولة أخلاق المسؤولية، أينما كانت درجاتها.
كما أن إصلاح الدولة وتأهيل هياكلها بدأ يتكرس من خلال إصلاح الإدارة كجزء من إصلاح الدولة، وتحديد دوائر الوجود بين مكوناتها.…
إحدى بوابات الأجندة الدستورية الكبرى كان هو القضاء وقد تمت فيه، ( ليس به، بعد) تحولات عميقة تتعلق بفتح الأوراش الإصلاحية أو بتحويل طبيعة مؤسساتية ومنها:
-الارتقاء بالقضاء إلى سلطة مستقلة، وتعزيز صلاحيات المجلس الدستوري، الشيء الذي جعل إصلاح القضاء بمثابة ترسيم للجغرافيا الجديدة للمؤسسات مع تحديد الفصل بينها بما يجب من ترسانة قانونية…
******
ولعل أهم شيء تم في قراءة سياق الإصلاح الشامل والجذري هو تدبير ما بعد الربيع العربي، بما هو لحظة ميلاد الإصلاح، باجتراح مقاربة جديدة تعتمد التعددية الجيو استراتيجية وتنويع الشراكات على قاعدة المصلحة الوطنية ووحدة التراب، … وهذا لوحده زاوية كبيرة…. للقراءة.
الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 10/03/2018