ليس أمامه سوى قلب أمه الآن، يلتهمه!

عبد الحميد جماهري

لا أستطيع أن أكون موضوعيا
وعقلانيا
وأن أنسى أن أصرخ…!
لا يمكن أن أزيف غضبي
وأستعير من المنطق مشرطه البارد
ومتوالياته البطيئة، والحال أن
الآسيد يهرق على قلبي..
لا أستطيع أن أكون محايدا، يطلب مني أن أقيم في المنطقة بين الخنجر والنحر، وأبحث عن التشابه بين الضحية والجلاد
والكلمات الصحيحة سياسيا وإعلاميا..
لا !
سأقول بملء الألم
ليس أمامه سوى قلب أمه الآن، يلتهمه
كي يكون كامل الوحشية..
ليس أمام والدته سوى أن تنزع قلبها
الدامي ..
وأن تلقيه أرضا، كي يلتهمه الوحش الذي أنجبته
ويشفي غليله إلى الوحشية..
وتصرخ: الهي أنت الذي خلقت النطفة مضغة
وخلقت المضغة عظاما
لماذا كسوتها
مخالب وأنيابا
وأنشأت من ابني وحشا آخر…
الهي لماذا يخرج من رحمي ولد بارد مثل سكين
ومظلم مثل غابة
لا يحتاج لشجرة الأنساب لتغطيه؟..
ولكل الذين يستطيعون التفكير بهدوء
وبحجج
وبتنظيم وافر للتدفق اللامنطقي الذي يلهب العاطفة من هول المشهد
أقول :هنيئا لكم على هدوئكم
في الآن والهُنا، في محفل ماجن من السادية العبثية والتوثيق الذي يحول الجريمة إلى مشهد للتسويق ..!
أما أنا
فلا أستطيع أن أكون محايدا ويدي في النار،
لا أستطيع أن أكون موضوعيا وقلبي في الماء الحارق
لا أستطيع أن أستعين بعلم النفس البهيمي لكي أفهم :
هذا الشباب الذي يعود إلى أسفل سافلين
وأحلل الصورة بموضوعية سرير بارد في زاوية المستشفى العقلي
أو بتخشب كرسي في الجامعة..
يمكن أن أفكر، بمقابل موضوعي للجدل :أن الذي نزع سروال الطفلة
له شبيهه في الذين ينزعون حق كرامة النساء الأخريات
وفي الأجر
وفي الأرض
وفي البيت
وفي التربية
وفي الحضانة..
ممكن – جدلا- أن أعمم : لا لكي تهون المجزرة،
بل لكي أشهد على درجات التعاقب بين الليل والظلمة في عالم ضحيته المرأة..
لكن، لا يمكن أن أستدعي العقل، فيما القلب والعاطفة والأحشاء بركان.. يغلي!
أنا أيضا سأنصت لغريزتي الآن:أجهش بالغضب وبالبكاء وأجهش بالألم وبالصراخ وبكل ما لا يمكن أن تجمعه اللغة ولا العقل في تسويات منطقية للفهم..
المشهد أبعد من أن يكون سلسلة من المعادلات بين السوسيولوجيا والقيم
بين التربية والشارع الموبوء
بين العجز عن لحظة تقدم وركون إلى الغرائز الأخرى القاتلة..
هو مشهد ما بعد القتل وما قبل اللغة..!
لهذا لا أحدَّ من قسوة تلي هذه القسوة سوى أن ينقض على قلب والدته ويكمل به شهوته في البشاعة والعبث..
فالولد يبدو تحت تصرف حقد أعمى، وتحت تأثير “السمارتفون” الذي يلتقط له صورة وهو ينزل مدارج الوحشية، بطمأنينة تلميذ .. ناجح!
غدا، ربما قد يحين وقت اللغة الساردة
أو الشاردة، لا فرق بين الغمازتين.. غدا ربما سيكون علينا أن نتتبع سير المنطق في حالة انهيار مريعة..
غدا، تكون لنا فرصة لكي نسأل:لماذا تكون الصورة بهذه البشاعة عندما نراها، ولا تصل بشاعتها نفس الدرجة عندما نسمع بها فقط أو نقرؤها؟
غدا، في المستقبل البعيد ربما..
ربما سيكون لنا غد يستحق بعض الهدوء، لكنني الآن، لا .. لن أكون هادئا أبدا..

الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 29/03/2018