عثمان صامبين .. من حمال إلى صانع سينما للأفارقة! «عثمان صامبين» «بانتهاء عصر» الحلايقية، أعتقد أن السينمائيون سيعوضون هذا الدور بشرط أن يضبطوا إيقاعات طام – طام وعدسة التصوير بإتقان

عثمان صامبين لم يدخل مدارس الاستعمار ولا جامعاته و لم يدرس في الغرب أو الشرق. هو لم يكن مطلقا موظفا نظاميا، بل هو كادح قادم من (أراذل القوم، مجرد صياد، حمال أثقال غيره…!) مجرد مهاجر سري تقاذفته الأمواج لترمي به على شواطئ مرسيليا. أجره إن كان مضمونا اليوم، فالأيام القادمة على كف عفريت، وموقعه على الأرض كمن على صفيح ساخن، فليس سهلا أن يتحقق الموقع. ليس سهلا أن يتحقق الاعتراف حتى ولو كان (طالبه). فعثمان صمبين أبدع 17 شريطا سينمائيا بحجمي 16 و35 ملم و11 رواية، ومنح عنها عشرات الجوائز والتكريمات، والكتب والأفلام التي صورت عن حياته، والجوائز والشوارع والمراكز الثقافية والسينمائية التي أطلق عليها اسمه…الخ.
رغم أن عثمان صامبين اثبت حضوره على مدى خمسين سنة باعتباره: روائيا، سيناريست مخرجا سينمائيا ونقابيا، دافع عن الإنسان الإفريقي عبر كل هذه المنابر والمواقع، رغم انه حقق موقعا له وللسنغال ولإفريقيا ضمن الخارطة الثقافية عالميا، رغم الاحتفاء به ببلده وبالقارة وبباقي دول العالم فانه لم يحضا بالقبول ضمن زمرة النخبة المثقفة (الانتليجانسيا السنغالية ). فهو لم ينتم لهذه الفئة من المجتمع ولم يكن ضمن صفوفهم، فهذه النخبة أعلنت عن ذلك من خلال مذكرة ألفها بيراغو ديوب والذي عرض مفصلا للأوضاع الأدبية في السنغال ولم يذكر أي إشارة لعثمان صامبين. لماذا؟فهو دون جذور من الطبقات الانتليجنسيا، فهوا ليس مثقفا أكاديميا، ليس مثقفا منبريا، ليس مثقفا ضمن قطيع عفوا تنظيما لم يكن أستاذا جامعيا أو مدرسا نظاميا !

 

ترويض … وتدريب النفس
على رائحة الخبز

عثمان صامبين أديب وسينمائي سنغالي توفي بمدينة دكار يوم السبت 9 يونيو 2007 ومن مواليد فاتح يناير 1923 بالمدينة الشاطئية زيكنشور. عاش طفولته ضمن عائلة فقيرة تمارس الصيد وتتكلم بلغة «الوولوف». نزحوا من جزيرة الرأس الأخضر إلى الكزامانس، وهو ابن السابعة من عمره ألحقه والده بالكتاب ليتعلم اللغة العربية والقران. كما أنه في نفس الفترة التحق بالمدرسة الفرنسية الأمر الذي ساهم بتعلمه اللغتين العربية والفرنسية بالإضافة إلى لغته الأصلية «الوولوف»، إلا أن نزاعا حادا بينه وأستاذ فرنسي قادم من جزيرة كورسيكا أدى في النهاية إلى طرده من المدرسة، وهي أولى العلامات على عدم الرضا للاستعمار حتى بممارساته الحضارية (التربية والتعليم)، فانخرط في متاعب الحياة ممارسا لحرف: البناء الصيد وإصلاح سيارات… إلخ. هذا الكفاح الحياتي منحه فرص لمعايشة «كيف ولماذا يمارس الإنسان الاحتكار واحتقار بعضهم البعض».
وفي سنة 1942، جند صامبين ضمن فرق القناصة السنغاليين التابعة للجيش الفرنسي. فيما سيهاجر سرا سنة 1946 إلى مدينة مرسيليا الفرنسية، وهنا يصبح حمالا في الميناء لمدة عشر سنوات وخلالها اتضح له أن «الاحتكار والاحتقار ممارسة وسلوك كونيا تجب مواجهته»، وهو الإفريقي الأسود المهاجر بفرنسا لم يعد همه البحث عن الاندماج بل «الكفاح ضد كل أشكال الظلم والاحتكار والاحتقار». فكان الوسيط هو الانخراط بالكنفدرالية العامة للشغل،النقابة التي صار احد أطرها المهمين، وصار رئيس اتحاد العمال الأفارقة، كما انتمى لبعض الوقت للحزب الشيوعي الفرنسي، وخلالها ناهض الحرب الهند-الصينية، وساند حركة تحرير الجزائر. وفي سنة 1956 قدم نفسه للعالم عبر رواية عن حياته بميناء مرسيليا: الحمال الأسود. وفي السنة الموالية 1957 أصدر رواية يترجم فيها حنينه للوطن من خلال: آه، يا وطني، شعبي الطيب. ثم أصدر سنة 1960 رواية أخرى تحت عنوان: نصائح الرب الخشبية، والتي يصف بها معانات عمال السكك الحديدية المضربين خلال سنوات 1947 و1948، عمال يقومون بتأمين وصيانة السكك الحديدية الرابطة مابين دكار السنغالية وباماكو النيجيرية، عمال يعملون ساعات تفوق التوقيت القانوني للعمل وأجور أقل مقارنة مع العمال الاستعماريين، مما دفع العمال الأفارقة إلى الانتفاضة ضد إدارة السكك الحديدية ومطالبتها بالإنصاف في الحقوق مابين المعمرين والأفارقة.
وفي سنة 1960 أعلنت فرنسا استقلال ما كانت تسميه بالسودان الفرنسي، وهي مستعمرات كانت تضم دولة السنغال ودولة مالي، وقد رجع خلالها عثمان صامبين إلى بلده السنغال، وجال عدد من البلدان الإفريقية الأخرى منها: مالي، غينيا، والكونغو …الخ. وهي الرحلات التي منحته فرص إضافية للاقتراب أكثر من الأفارقة والتبحر في معرفة حقيقة وضعهم، فوجد في السينما ضالته لمخاطبة الإنسان الإفريقي باستثمار المخزون الثقافي الوطني: القناع، الموسيقى، الرقص، التمثلات …الخ.
وفي سنة 1962 حصل على منحة دراسية من اتحاد كتاب آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية للتدريب في أستوديو غوركي بالاتحاد السوفيتي (سابقا) على يد المخرج البارز الروسي مارك دنسكوي صاحب ‘»ثلاثية كوركي»، كما استفاد من تداريب سينمائية أخرى بنفس الأستوديو تحت إشراف سيرجي راسيموف.
وبعد استكمال الدراسة والتكوين، عاد إلى السنغال ليقدم إفريقيا سينمائيا وتحطيم طوطم النظرة الدونية والعنصرية إلى الإفريقي. فوجد سنده الأساسي بولان صومانو فييرا (1925 – 1987 ) على رأس أكبر جهاز سينمائي بالسنغال، وهو الذي منحه كل ما يتمناه أي سينمائي في بدايته. احتضنه سينمائيا، وشارك معه في تصوير الأنشطة الرسمية لبلاده وانجاز الأشرطة الوثائقية «السنغال تمشي «البرنامج الذي كان يشرف عليه صومانو فييرا الذي، منح لعثمان صامبين الأجهزة السينمائية، قدم له كل الدعم المالي والمعنوي ليخرج شريط سائق العربة، كما أنتج له اغلب أعماله السينمائية : الحوالة، آلهة الماء، اكسار ، سيدو …الخ وقد كان بولان صومانو فييرا سخيا اتجاه عثمان صامبين بتخصيص كتاب عن تجربنه السينمائية، هل يعود الفضل لبولان صومانو فييرا في وجود عثمان صامبين السينمائي؟

مواقف وأراء حول الإبداع .حول الوطن

عاش عثمان صامبين مراحل حركات التحرير بالعالم والمد القومي في مواجهتا أنصار الفكر الاستعماري، وقد جاءت سنة 1970الجامعة الإفريقية للسينمائيين (الفيباسي) وتبنت هذه الأفكار التحررية وساندت السينمائيين ودعمت كل مبادرات تأسيس المهرجانات واللقاءات السينمائية ، كان ذلك مع الأرضية الثقافية – الاقتصادية التي جاءت ضمن « بيان نيامي « الذي كلف بصياغتها عثمان صامبين وبولان صومانو فييرا الوثيقة التي تم تداولها مابين فاتح والرابع من مارس 1982 . إنها محطة أساسية في تاريخ عثمان والسينما الإفريقية .
عثمان يشترك مع الموريطاني ميد هوندو الذي عمل طباخا وغاسل صحون وحمالا على السفن ومزارعا …اخرج أول فلم له سنة 1967 وسيحصل على التانيت الذهبي بقرطاج ( 1974) عبر شريطه هؤلاء عبيد جيرانكم ، ويشترك مع السنغالي ابابكر صام مخارام (1934-1987 )في الرؤية المجتمعية للبلد والقارة ، ذلك ما يظهر عبر كودو وشريط جوم /حكاية شعب،إنهم الثلاثة يجتمعون في تقديم واقع حياة المستضعفين في الأرض من داخل و خارج القارة الإفريقية .

الفرنكوفونية ، ثقافة
أم استعمار فكري ؟

انه من الدين يدافعون بكبرياء عن الأنا الجماعية فهو، يشعر دائما انه واحد وقارته من صناع الحضارة الكونية ولا يعترف بولي نعمة ، ويبرز ذالك من خلال حياده اتجاه الفرنكوفونية التي لم يدافع عنها بل انتقد فرنسا وكشف عن العديد من المسلكيات العنصرية سواء في أعماله السينمائية أو الروائية ، وهذا الموقف سوف يعمل البعض على ( تأديبه ) من خلال منع عرض بعض أعماله داخل السنغال و بفرنسا ، والدليل على أن عثمان صامبين يرفض التبعية الثقافية أن أعماله السينمائية ناطقة بلغة وطنه الوولوف ، اللغة التي تتكلمها غالبية السكان كما انه صاحب المقولة الشهيرة: «الفن السابع الأفريقي مدرسة مسائية لمحو الأمية السياسية والاجتماعية» .

من الأدب .. إلى السينما

ومن بين دواعي إضافة السينما كوسيلة للتعبير بالإضافة للرواية قال مرات عديدة : « إن الصورة لغة أشد تأثيراً وانتشاراً وسط الشعوب الأفريقية في ظل الأمية وعدم القدرة على الكتابة « ومرة أخرى ومن باب التأكيد .كان ذلك أثناء درس في السينمائي قدمه بمهرجان كان السينمائي الدولي دورة سنة 2005 : « كانت الرغبة في اكتشاف إفريقيا تأسرني ليس فقط السنغال ، بل القارة كلها أو جلها (…) أدركت أن علي أن أتعلم صنع الأفلام إن كنت ارغب فعلا في الوصول إلى شعبي فالفيلم يمكن أن يشاهده حتى غير المتعلم والكتاب لا يصل إلى شعب بأكمله « خاصة وان نسبة الأمية عالية جدا في إفريقيا بما فيها بلده السنغال فاعتقد أن السينما هي الوسيلة الأساسية لإيصال أفكاره للأفارقة.

إفريقيا للأفارقة

وهو من دعاة « افريقية السينما « لمواجهة السينما الاستعمارية أو السينما الاثنوغرافية …الخ، فاستخدم اللغة المحلية لتقريب الهوة بينه وبين مخاطبه الإفريقي واستعمال الأسلوب السردي المستمد من تقاليد الحكائيين الأفارقة فهو يرفض أن يتحدث الغير بالنيابة عن الأفارقة وفي معرض أقواله الكثيرة والموزعة هنا وهناك قال : « ليس هناك معني لتحديد اتجاه من الاتجاهات التي يجب إن تأخذه السينما الإفريقية أو الدول النامية فليس من حق احد أن ينصب نفسه وصيا على هذه الدول ويختار لها سينما الحقيقة أو أي اتجاه آخر … إني أقول لهؤلاء كفوا عن الاختيار لنا ، أيها الأوربيون سوف نصنع الأفلام كما نصنع الأطفال في بطون زوجاتنا «.

الزنجية اتجاه فكري. . .
لون بشرة أم عنصرية

عثمان صامبين يرفض هذا الاتجاه ويوضح ذلك ب :» … الزنجية … لم اسمع بها ، إن قيمتي ( كانسان ) لا علاقة لها بلون بشرتي , وقيمة الثقافة الإفريقية ليست مرتبطة بالأحلام الخادعة أو بالعقد المكبوتة إزاء ما افرزه اليونان من قيم جمالية ، فقد ابتدع أجدادنا تماثيل وأقنعة نفتخر بها , ولكني لأاعتقد أنهم كانوا يسعوا إلى تحديد هويتهم كزنوج … « نشرة مهرجان السينما الإفريقية بخريبكة عدد 9 / 2012 .

مقص الرقيب من دكار
إلى باريس

يقول عثمان : « إن الصورة أصدق من القلم لأن صاحب القلم قادر على فرض رقابة على قلمه. أما الرقابة المفروضة على الكاميرا فإن الصورة تفضحها بسهولة « .
1974 اكسالا تعني اللعنة أو العجز الجنسي مُنعَ من العرض من قبل الرقابة، إلا بعد أن حذفت منه إحدى عشرة لقطة.
ويُعلق سمبين على نجاح فيلم اكسالا قائلا: «أنا في كتابة الحكاية، كما في إخراج الفيلم، أُظهر أن البرجوازية في بلدان العالم الثالث هي برجوازية تابعة للتنظيم الرأسمالي، الذي يقوم بدور الخادم للإمبريالية».
1977 ، في عهد ليوبولد سنغور منع عرض أو تداول شريط «سيدو» يعني القادمون من الخارج ، لوجود خطأ في كتابة عنوان الشريط وكان فيه – الشريط – عصيانا قام به أصحاب العقائد الإحيائية الرافضون تغيير دياناتهم في إفريقيا بالقرن السابع عشر بالمسيحية والإسلام.
ومرة اخرى، سيدو عند ترشحه لمهرجان (كان) العالمي الرقابة الرسمية تحذف بعض اللقطات وفي المقابل يحصل على جائزة أحسن أشرطة أسبوع المخرجين وكذلك بمهرجان برلين ومهرجان لوس أنجلوس بأمريكا 1978
العام 1988م من جديد ضحية للرقابة الرسمية في فرنسا لشريط «مخيم طراوري» وفيه يتطرق لولاء الجند السنغاليين للفرنسيين و واقعة للجيش الفرنسي الاستعماري والذي كان متجها نحو « طراوري « في العام 1944م .

مشاركته بخريبكة وحمل اسمه للجائزة الكبرى للمهرجان

تعرف المغاربة على الانتاجات السينمائية الإفريقية وعلى أعمال عثمان صامبين بخريبكة منذ الدورة الأولى سنة 1977 السنة التي عرض بها شريط الحوالة والدورة الثانية شريط امطيا / الاه الرعد والدورة الرابعة 1990 شريط معركة طيراوري وفي افتتاح الدورة 10 / 2006 عرض شريط مولادي وفي سنة 2008 يكرم المهرجان عثمان صامبين وعرض شريط فات كيني ومولادي وسنة 2010 يطلق المهرجان اسم عثمان صامبين على جائزته الكبرى
الجوائز المحصل عليها.
وقد حصل على عدد من الجوائز بمهرجان : تونس ، المغرب ، الولايات المتحدة الأمريكية ، ايطاليا … الخ

خزانة عثمان صامبين
الأدبية والسينمائية

الأدبية: خزانة تتكون من عشر روايات كتبها مابين 1956 و1987 وحول اغلبها وبنفس العناوين إلى أعمال سينمائية
1956 الحمال الأسود
1957 وطني ، شعبي ا لطيب
1960 الاه يقضم الخشب
1962 فولتييك
1964 لهمطان
1965 الحوالة
1966 ك
1973 كزلا
1981 الإمبراطورية الأخيرة
1987 نيومان

السينمائية
الأشرطة القصيرة (3)

1963 سائق العربة
1964 نياو
1970 طاو

الأشرطة الوثائقية (5)

1963 إمبراطورية سونغاي
1969 منعرجات البطالة
1969 معضلة البطالة
1969 معانات المرأة من تعدد الزوجات
1972 إفريقيا بالألعاب الاولمبية بزوريخ

الأشرطة المطولة ( 9 )

1966 سوداء . . .
1968 الحوالة
1971 امتيا / آلهة المياه
1974 اكسالا
1977 سيدو
1987 معسكر طراوري
1992 كيلوار
2000 فات كيني
2003 مولادي / الضيافة


الكاتب : ثلاث عبد العزيز صالح

  

بتاريخ : 02/06/2018