الرياضة والسياسة
عبدالسلام الرجواني
لم تكن التظاهرات الرياضية يوما بمنأى عن السياسة، خاصة عندما يتعلق الأمر برياضات شعبية واسعة الانتشار من قبيل كرة القدم. تاريخ الالعاب الأولمبية منذ اليونان القديمة إلى الأن، وتاريخ كرة القدم، حافلان بشهادات تثبت أن وشائج القربى وأواصر الارتباط بين الصراعات والتحالفات السياسية من جهة، والأحداث الرياضية من جهة ثانية، كانت وستظل قوية، لا سيما خلال الأزمات وضعود الاتجاهات القومية المتشددة، ومن قبل الأنظمة الديكتاتورية. توظيف النازية والموسولينية للرياضة في حشد همم الشبيبة وشحنهم بقيم عنصرية مقيتة، وواقعة “الكرة” بين السالفادور والهندوراس بداية السبعينات، ومقاطعة الألعاب الولمبية بموسكو من طرف الدول الغربية احتجاجا على الغزو السوفياتي لأفغانستان، وغيرها من الوقائع المماثلة، تثبت جميعها زيف شعارات مثل: “الرياضة للرياضة” و “الرياضة في خدمة السلام”، شعارات لا تعدو أن تكون قناعا يتستر به من يتحكمون في القرار الرياضي العالمي، وفي مقدمتهم “ الفيفا” التي أضحت في زمن الميركانتيلية الرياضية امبراطورية مالية، وسلطة “ سياسيه” يضاهي نفوذها، بل يتجاوز، كثيرا من الدول والمنظمات العالمية في مجالات التغذية وحقوق الإنسان والسلم العالمي.ومن تجليات ذاك النفوذ، قدرة الفيفا على إقصاء اتحادات كروية وطنية من المشاركة إن تدخلت السلطات الحكومية في انتخابات أجهزتها أو حاولت توجيه قراراتها.
في هذا السياق، وعلى هذا الأساس، يمكن فهم مآل المعركة التي خاضها المغرب، مرفوع الرأس، لاحتضان كأس العالم ، في مواجهة تحالف ثلاثي يملك ( خاصة الولايات المتحدة المريكية)من مقومات الاختراق الدبلوماسي والضغط الاقتصادي والابتزاز السياسي ما يتجاوز إمكانات المغرب بكثير. لقد راهن المغرب على”إخوة” و”أشقاء”و “أصدقاء”، معتقدا ربما، في مفاهيم “ التضامن العربي” و”العالم الاسلامي” و”الوحدة الافريقية”، وما إلى ذلك من شعارات قديمة، ليست بقادرةعلى الصمود في وجه عتو المصالح الاقتصادية، وحتمية الهيمنة السياسية، والجبروت الأمريكي، وصلف رئيس يترجم في أوضح صورة توحش السياسة، الأخ الشقيق لتوحش الرأسمال. لحسن حظ المغرب، الذي ضفر بنسبة أصوات تتجاوز نسبة كل بلد من بلدان التحالف، رغم كل الضغوطات، والخيانات، وانحياز رئيس الفيفا، صاغرا، للملف الأمريكي/الشمالي، أنه لم يقص تقنيا من قبل لجنة صنعت على المقاس الأمريكي، وفي ذلك اعتراف بالأهلية الرياضيىة للبلد، وأنه نال ثقة عدد محترم من الدول. ومما يسجل في هذا الصدد، أولا: تصويت جل الدول الافريقية لفائدة المغرب، مما يزكي سلامة السياسة المغربية الجديدة نحو القارة السمراء ضمن توحه يجب تكريسه وتقويته؛ وثانيا تصويت عرب/ أمازيغ شمال افريقيا، من موريطانيا إلى القرن الإفريقي ومصر، رغم كل التوترات والخلافات، وهوحدث يليق بالتفكير، ويحث على إيجاد حلول لتجاوز التوترات المفتعلة، والتنافس غير المتحكم فيه من أجل الهيمنة. أما عرب أمريكا، فليلتمس من كان يراهن على “دينهم” أو “ عروبتهم”، لهم العذر، في تورطهم في حرب اليمن، وفي وجلهم من التهديد الإيراني، وفي خوفهم من “ فوضى خلاقة” تطيح بعروشهم، ومن حجز على أموالهم في البنوك الأمريكية.
إزاء “ هذه الخيانة” المبررة، التي هم فيها مجبرون لا مخيرون، فهم عاجزون منذ أن عينوا سدنه على آبار نفط جارية، انطلقت ردود أفعال تشي بنزعات عدائية تطفع عرقية و”شعوبية” جديدة، من شأنها إن انفلتت من عقالها، أن تسيئ إلى العلاقات بين الشعوب فتدمر ما بقي من أمل في السير نحو أفق أفضل للمنطقة بعربها وأمازيغها وأفارقتها.
الكاتب : عبدالسلام الرجواني - بتاريخ : 19/06/2018