بالصدى .. «تغطية» تضامنية
وحيد مبارك
تعتبر التغطية الصحية من الأعطاب الكبرى لمنظومة الصحة ببلادنا، بالنظر إلى أعداد غير المؤمنين من جهة، إذ لاتتجاوز نسبة المستفيدين من تغطية صحية بشكل عام 33 في المئة، وكذا نتيجة لطبيعة سلّة العلاجات المؤمنة من جهة أخرى، لكونها تعرف تباينا في طبيعة الخدمات من مؤسسة إلى أخرى، فضلا عن سقف المصاريف التي يتم تعويضها والتي تتسم بالهزالة في أحايين كثيرة. وضع يساهم في الرفع من نسب العجز والمراضة، ويؤثر على جودة الحياة وعلى الإنتاجية، فضلا عن التبعات الاقتصادية والاجتماعية، الفردية والجماعية، بفعل كلفة العلاج التي لاتكون بالضرورة في المتناول، وهو الأمر الذي يستدعي نقاشا صريحا لتغطية علل المواطنين، بعيدا عن الخطوات الارتجالية والمشاريع متعثرة التنزيل، كما هو الشأن بالنسبة لنظام المساعدة الطبية «راميد» الذي عمّق الجراح أكثر مما ساهم في اندمالها!
موضوع التغطية الصحية الذي يدمي قلوب الكثير من المواطنين، والذي يستوجب أن يكون فيه النقاش جماعيا بين القطاعات العمومية والخاصة المسؤولة، وأرباب المقاولات، وعموم الفاعلين، بحثا عن صيغ لإيجاد حلول عملية لمعضلات اجتماعية تعرف حضورا واسعا في مجتمعنا، التقط بعده الاجتماعي بعمق إنساني، جليل الصقلي، المدير العام لشركة «دولي دول»، الذي أطلق مبادرة غير مسبوقة، تتمثل في تمكين ألف حرفي من مهنيي الأفرشة، وموزّع بمختلف الأحياء، الذين يتعاملون مع الشركة ويقومون بدور الوساطة بينها وبين الزبون، من تأمين صحي رفقة أسرهم، علما بأنهم ليسوا بمستخدمين عندها، اهتماما من هذه المقاولة المواطنة بالوضع الاجتماعي لهذه الفئة التي يعاني كثير من المنتسبين إليها من أمراض مزمنة، ولكون الكثير من الحرفيين، يكونون عرضة لتقلبات الزمن الصحية وتبعاته المفتوحة على المجهول، دون سابق إشعار.
خطوة نبيلة، جديرة بالاحتداء والاقتداء، وبأن يتم استلهام رسالتها وتفاصيلها والعمل على تعميمها على صعيد مقاولات عديدة، تتمكن من تحقيق أرقام معاملات مالية محترمة سنويا، بعقليات وسواعد العاملين بها بمختلف درجاتهم، وبمساهمة غير مباشرة كذلك لمواطنين من مواقع مختلفة، يفتقدون للدخل القار، وحرموا من التغطية الصحية، تأمينا لهم من تقلّبات الزمن الصحية، على غرار خطوة «دولي دول» التي لايقف تأثيرها الإيجابي اليوم عند حدود ألف شخص، حرفي وموزع، بل هي تمتد لتعني ألف أسرة، أزواجا وأبناء، والتي كان الدافع للإقدام عليها إنسانيا، بعد لقاء جمع أحد الأيام، الطاقم الإداري المشرف الذي كان يترأسه المدير العام بمجموعة من الموزعين، لتدارس المشاكل والإكراهات المرتبطة بتفاصيل العمل اليومية، والتي عرفت تقديم أحدهم وهو شخص متقدم في السن لشهادة مؤثرة بكثير من الحرقة، والرجاء في المولى بعد تغيّر في الحياة لم يكن يتوقعه، وفي اللحظة التي وقف فيها ليغادر مكانه رفقة الآخرين، تبيّن أنه يتوفر على رجل اصطناعية، مما ترجم جليّا مرارة الألم التي كان يتكلّم بها، وهو يتحدث عن الانتكاسات والتقهقر الذي قد يعيشه المياوم غير المرتبط بشغل متعاقد بشأنه، والمحروم من التغطية الصحية، وهي الواقعة واللحظة التي شكّلت منعطفا، التقط المدير العام لـ «دولي دول» رسالتها وترجمها إلى فعل عملي، في انتظار أن تصل نفس الرسالة إلى جهات أخرى، للعمل على توفير تغطيات صحية تضامنية مماثلة، في أفق إيجاد الحلول العملية الرسمية، لأن من شأنها التخفيف من حدّة المرض على المحرومين من أي تأمين يمتصّ عنهم وقع وطأة الآلام يوما.
الكاتب : وحيد مبارك - بتاريخ : 15/05/2017