تشهد منطقة فكيك، الواقعة على الحدود المغربية – الجزائرية، تحركا متواصلا للفعاليات المحلية، التي أصدرت نداءات من أجل إنقاذ ما ينبغي إنقاذه من «جرف البلدة»، الشهير إقليميا ووطنيا، و«الممتد على طول حوالي خمسة كيلومترات، وعلوه يتراوح ما بين 20 و 30 مترا، و شكله يجذب أي عاشق للاستغوار والبحث الجيولوجي، من حيث طبيعته التي يعود عصرها إلى عشرات ملايين السنين، وبنيته الغنية بالصخور الباطنية المائلة إلى الحمرة بشكل متفرد، والمحتاجة إلى ما يجب من التقنيات الجيوفيزيائية والتحليلات الكيميائية لقراءتها بعمق»، كما يتميز «الجرف» بوجود «مغارات طبيعية» ظل العديد من السكان يستعملونها كأحواض لتجميع مياه العيون بقصد سقي بساتين النخيل، قبل أن تصبح هذه المغارات رهينة عبث العابثين.
وصلة بالمكانة الجيولوجية للموقع، لم تتوقف نداءات المهتمين بفكيك عن مطالبة الجهات المسؤولة والسلطات المعنية، ووزارة الثقافة ومندوبيتها الجهوية، بالتدخل العاجل لحماية «الجرف» من الاندثار والتلاشي، ومن الجرائم البيئية التي تستهدفه على يد «من يقدمون، عمدا وجهلا، على حرق سعف وجرائد النخيل بأغواره ومغاراته، فيعرضونها للتلف والتشويه والتخريب، بعد أن تتحول الأحجار إلى حمم ثم إلى كلس أو «جير» يتفتت بسهولة، بالأحرى الحديث عن غطاء النخيل المنتشر فوق وأسفل هذا «الجرف»، وقد تم التخلي عن مساحات منه بسبب مظاهر الرحيل السكاني عن البلدة»، إلى غير ذلك من القضايا الأخرى التي حملتها مجموعة من المراسلات، الموجهة للجهات المسؤولة، بهدف قرع أجراس الإنذار في شأنها.
وحسب فعاليات محلية فإن العديد من «الظواهر» بدأت تثير التساؤلات من ضمنها الهجرات المتتالية للساكنة من البلدة، باتجاه مدن أخرى، أو خارج أرض الوطن، ما حول العديد من «القصور» إلى مجرد بنايات مهجورة وآيلة للانهيار بفعل آثار الإهمال وعامل الزمن وقساوة الطبيعة، إلى أن أضحت شبيهة بـ «الأطلال المهجورة» أو «المدن الأثرية»، علما بأن الباحثين يلقبون البلدة ب «فكيك مدينة القصور السبعة»، وهي الحمام الفوقاني، الحمام التحتاني، الوداغير، زناكة، العبيدات، عدي، المعيز، وجميعها مقامة ببناء مشيد بأشكال متلاصقة وهندسة فريدة، ومحتفظة بمخارجه وتقاليده الأصلية التي جعلتها من أبرز المقومات الأثرية التي تحكي عن تاريخها العميق الذي يوثق لقدم العمران والإنسان في المنطقة التي تعتبر من أقدم المدن المغربية في الجهة الشرقية.
«هذه المقومات، كلها، تؤهل منطقة فكيك لكي تكون قبلة للسياحة الوطنية والأجنبية، التضامنية أساسا، ومن حق الباحثين والمؤرخين تسمية هذه البلدة بـ «جوهرة الصحراء الشرقية»، وعدم التوقف عن الكتابة عما يهددها من اندثار، ما لم يتم إنقاذها وإنعاشها بالاهتمام والترميم والحفظ باعتبارها إرثا وطنيا، إذ بها ما يجمع التراث المعماري والجانب الجيولوجي والأنسجة العتيقة للقصور، وما يتعلق بالثقافي والتاريخي الذي يعود إلى ما قبل التاريخ الميلادي، والخصائص الطبيعية والصحراوية والواحات الممتدة والنسيج الجميل والتمور النادرة، إضافة إلى الإمكانات التراثية والأركيولوجية ذات الأهمية على الصعيدين الوطني والدولي، والنقوش الصخرية والمساجد القديمة والحمامات الأرضية، والأبراج والصوامع «الحجرية» المبنية في القرن السادس الميلادي» تضيف المصادر نفسها.
ومعلوم أن هذه «البلدة الآمنة» سبق أن تم تسجيلها ضمن اللائحة الأولية المؤقتة للتراث العالمي الإنساني الطبيعي لليونسكو، بالنظر لما تستجيب له من الشروط والمعايير المطلوبة، وبذلك تم ضمها إلى «قائمة مواقع التراث العالمي في المغرب»، «ما يستوجب رفع واقع عدم الاهتمام الذي أبقى عليها خارج التغطية» .
وللإشارة فإن ذكر مدينة فكيك يستدعي ، أيضا ، الحديث عن سيرة «مدرسة النهضة المحمدية» كأقدم المعالم التعليمية في المنطقة، والتي لعبت دورا مشهودا في تكوين العديد من الشخصيات والأعلام الوطنية وأفراد المقاومة ضد الاستعمار، إلى جانب العديد من الأطباء المنتشرين عبر جغرافية البلاد المنحدرين من فكيك ، دون إغفال اسم كريم الودغيري، الذي يشتغل بوكالة الفضاء الأمريكية «لانازا»، علاوة على ما أنجبته المنطقة من فنانين ومفكرين كبار في مقدمتهم المفكر الراحل محمد عابد الجابري.