من أجل تجنيد جبائي..

 

تقدم بلادنا على تنظيم مناظرة وطنية تخص الإصلاح الضريبي.
ويمكن القول منذ الوهلة الأولى أن أي إصلاح، بقدر ما يجد إصلاحيين يحملون أهدافه وطموحاته ويعملون على تنزيلها على أرض الواقع، يجد أيضا عثرات في الطرق، حيث إن المشاريع الإصلاحية قد لا يتم استيعابها، واستيعاب أهدافها على المديين المتوسط والبعيد، وبذلك تبرز مقاومات عديدة، وتحت مسميات كثيرة، أحيانا تكون مغلطة أو رامية إلى التغليط..
وبلادنا محتاجة إلى مشاريع إصلاحية كبيرة، عليها أن تتوفر على ترسانتها القانونية، وقوتها المؤسساتية لكي تنججح فيها .. ونحن واعون، بأن قطاعات من المنتجين وصناع الثروة وبعض الفئات الاجتماعية، يكونون ميالين إلى «المحافظة»، ويعتبرون كل جديد هروبا عن نواميس الحياة الوطنية، أو أحيانا يكون الخوف يتقدم تحت أقنعة عديدة، وهو في العمق ما يحرك المقاومة.. المعيار الثاني في تقديم الإصلاح الجبائي على مخاوفه المشروعة منها وغير المشروعة، هو أن الدولة المغربية، كيانا وإدارة، ستربح من العملية . وهذه العملية المربحة، لا تهدف فقط إلى الرقم الضريبي المحصل عليه سنويا، إذ المطلوب، هو السعي إلى توسيع الوعاء الضريبي، بما يضمن هذا الهدف، وإدراج فئات أخرى، وليس مفكر فيها جيدا في هذا الوعاء.
فليس المقصود هو أن يتم تحصيل أرقام جديدة، مرتفعة نسبيا، من نفس الفئات الهشة أو الصغيرة أو المتوسطة، بل لا بد من تضريب عادل، يمس ذوي الثروات الكبرى، والمهن النبيلة التي أفرزتها العملية الفنية والمدرة للأرباح، والتي تدر بالفعل مئات الملايين من الدراهم سنويا. لم يعد من الممكن أن تظل الفئات نفسها هي التي تقدم التضحيات ، وتحمل الكلفة المالية للعدالة الاجتماعية، باعتبارها محصلة كل العدالات وفي قلبها العدالة الجبائية..
إن الإصلاح الجبائي بهذا المعنى، هو حجر الزاوية في إرساء التوزيع العادل للثروة وتقليص الفوارق الطبقية، بالإضافة إلى مسايرة التنمية البشرية وإسهامه في شروط الجاذبية الاستثمارية والعدالة المجالية والتضامن، كفلسفة لكل تضريب.. إن بلادنا التي اتخذت من الإصلاح طريقا للانفتاح على العالم، وأيضا معيارا للانخراط في منظمته الإصلاحية، عليها أن ترفع من شأن التضريب العادل، وتثمين منظومة جبائية تتجاوب معه، في أفق واضح وملزم، عنوانه الكبير الصرامة الضريبية وامتثال المواطن لمتطلباتها…
ويمكننا أن نسمي هذا التوجه الالزامي آليات ووسائل أهدافها المعلنة لصالح كل الفئات الوطنية،لا سميا المتنورة داخل المجتمع..
فالعدل الجبائي، دعامة أساسية للنموذج التنموي الجديد،
وهو آلية من آليات تأهيل المستوى الاجتماعي للعيش
وهو أيضا آلية من أجل أن يصبح كل النسيج الوطني، وفي صلبه الجهات المتقدمة، شركاء في التحصيل، وليس في الانفاق فقط…
الامتثال الضريبي، هو شكل من أشكال الشفافية، ولكنه ليس الشفافية كلها.
والمعلوم اليوم، أن التضريب العادل، إلى جانب الشفافية، عمادان من أعمدة التنقيط الدولي في تقدير الدول، وفي ترتيبها، قريبا أو بعيدا من الملاذات الضريبية..


الكاتب : عبد الحميد جماهري

  

بتاريخ : 03/05/2019