مطروحة للذكاء الجماعي.. أربع معادلات في تغيير الدولة الآن…

عبد الحميد جماهري

لم يعرف المغرب، في تاريخه السياسي المعاصر، أجندة متراكبة، ومكثفة، تهم جوهر الدولة فيه، كما هو الحال اليوم.
كما لم يعرف انفتاحا، من باب قوة الدولة، في النقاش العمومي، كما تم تدشينه بمناسبة التعديل الدستوري، ثم بعده أثناء التطبيق والتفعيل العملي لفلسفته.
وعليه، فنحن اليوم نفكر الدولة، ونفكر فيها،على أربعة مستويات كبرى على الأقل.
ومن ضمن القضايا التي تربطنا بنقاش موجود في العالم، هناك البناء الجديد للدولة المغربية من خلال إعادة تعريفها الترابي، وهو التعريف الذي يتم بنظامين:
نظام مؤسساتي لشرعية مزدوجة، نظام محصور مداه في الجهوية الموسعة. ونظام له بعد دولي للدولة المغربية يتحدد في بناء الحكم الذاتي، والدولة هي تراب، بالأساس.
ويتم، في هذا السياق، نقاش آخر، قد يبدو تفصيليا، وذا أبعاد تنموية، لكنه جوهري في تأسيس النظام الترابي الذي يساير ما يتم من نقاشات حول المعنى الجديد للدولة، ويتعلق بالتفكير المتجدد في إعداد التراب الوطني.
والبند الثاني في التفكير الشامل، والرافعة الأخرى للتعريف الجديد للدولة مرتبط بالتعريف الإداري للدولة وإعادة ترتيبها، بإدخال اللاتمركز الإداري إلى منطقة لم تكن السلطة فيها سوى ظل نفسها، أي يكون الهامش ترتيبا أو تفصيلا صغيرا للمركز، ومنبرا لوصول الطلبات التي يعبر عنها المواطنون ليس إلا.
ونحن هنا نعرف الدولة، بأنها أيضا إدارة..
تراب وإدارة، ثم اقتصاد…
النموذج الاقتصادي، بتلخيص، قد يكون اختزاليا في معنى ما، ولكنه في عمقه، هو البنية الاقتصادية التي ستصاحب إن لم تكن تشكل قاعدة البناء الدستوري الجديد للدولة.
واليوم هناك ترسانة قوية من المبادئ والتوجهات الكبرى وضعها ملك البلاد في اتجاه إعادة بناء الدولة وإعادة تعريفها، على قاعدة متحركة وليست جامدة. وهو تحول جوهري لا يمكن إغفال أبعاده التاريخية.
إن ملك البلاد يسعى إلى جعل الدولة أحد أدوات عقلنة التاريخ وترشيد تطورها، ولعله لا بد من القول إنه لم يتم تبييء مفاهيم الإصلاح والنهضة، بشكل قوي، كما يتم اليوم.
فقد قضى المغرب قرابة أربعين سنة من عمره السياسي الحديث في مواجهة شرسة مع الإصلاح كفلسفة وكمحاولة وأيضا كسياسة للتطور، وفي أحسن الحالات كان التفكير أوالتفاوض في الإصلاح يتم على مستوى البناء الفوقي للدولة نفسها أو في الجزء القانوني والسياسي منه حصريا، باعتباره بؤرة الصراع وأيضا بؤرة التفكير الوطني العام، بالنسبة لدولة كانت تبني نفسها بنَفَس وطني تحرري، بأدوات الدولة الحديثة الباحثة عن استكمال السيادة على نفسها وعلى أهلها…
في الشق المتعلق بالنموذج الاقتصادي، هناك أسئلة ذات عمق كبير اليوم، بعد أن تمت دسترة العديد من المؤسسات التي لها علاقة كبيرة بالبناء الاقتصادي لدستورية الدولة، من قبيل مجلس المنافسة ومحاربة الرشوة والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والمجلس الأعلى للحسابات، وقد حظيت كلها بإجماع وطني أثناء النقاش حول تعديل الدستور..
وليست صدفة أن ملك البلاد وهو يدعو إلى التفكير في النموذج الاقتصادي الجديد، دعا إلى تبني نفس الأسلوب الذي تم تبنيه أثناء المشاورات حول التعديل الدستوري الأخير.
فقد وضع الأسلوب والموضوع الخاصين بالنموذج الاقتصادي في نفس درجة الأهمية من الدستور- الوثيقة الكبرى!
وفي المسار نفسه يأتي التفكير في التمويل المالي للدولة ولمتطلبات سكانها، وهنا نصل إلى المدونة المتعلقة بتمويل الدولة لنفسها، النظام الضريبي، وهو في عمقه لا يتوقف عند تمويل أنظمة الدولة وخدماتها، بل يتعداه إلى استكمال المواطنة في المغرب الذي نبنيه على قاعدة التحديث السياسي والاقتصادي والقانوني الشامل.
نحن أمام مربع من مربعات صناعة الانعطافات في أية دولة كانت، دولة تتمثل نفسها كمشروع مستقبلي دينامي، يفكر نفسه، ترابيا وإداريا واقتصاديا وماليا، لكي تحقق استقلال قرارها الاقتصادي بعدم الغرق في منظومة اقتراضية دولية تعطل كل ما سبق ذكره، وتشل التفكير الجماعي في أي تطور، كما نشاهد في جوارنا المتوسطي أو القاري.
نحن، إذن، في صلب نقاش وطني، ليس بالشكل المتعارف عليه، ولكنه لا ينحصر في البند السياسي المباشر، والذي يتعلق بالمؤسسات التي تستوجب الشرعية السياسية المتعارف عليها، حصريا…..

الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 08/05/2019