تخليدا للذكرى 44 لميلاد «جمعية الشعلة للتربية والثقافة»، نظم فرع خنيفرة ندوة فكرية حول مدى «تفعيل الأدوار الدستورية للحركة الجمعوية»، بمشاركة كل من ذ عبدالحق سيف، ذ. سي محمد عياش، ذ. محمد أوعزى، وسير أشغال اللقاء ذ. ادريس شرقني، الذي وضع الحضور في دلالة موضوع الندوة، وظروف اختياره بناء على سؤال المجتمع المدني من خلال الوثيقة الدستورية باعتباره قوة اقتراحية وشريكا أساسيا في السياسات العمومية ومدى تفاعل الجهات المسؤولة والمنتخبة مع أدواره وأنشطته؟.
اللقاء تم تنظيمه بالمركز الثقافي أبو القاسم الزياني، تحت عنوان «الشعلة تطالب بمدونة جيل جديد وشامل من القوانين للحركة الجمعوية تفعيلا لأدوارها الدستورية»، وهو الشعار الذي سبق لبيان المجلس الوطني للجمعية أن رفعه على هامش الاجتماع المنعقد ببوزنيقة، في مارس الماضي، وتم افتتاح أشغاله بكلمة الفرع المحلي، تقدمت بها مندوبة الفرع، إلهام نقاش، التي أبرزت أهمية التفعيل الدستوري لأدوار الحركة الجمعوية، نظرا لمكانة مغرب اليوم في ظل التحولات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وحاجة ذلك إلى مدونة جديدة ومتميزة للجمعيات، مشيرة إلى تعدد وتنوع اهتمام الحركة الجمعوية بخنيفرة، ثقافيا، حقوقيا، اجتماعيا وسياسيا، لافتة إلى ضرورة قيام الجمعيات المحلية بتجديد مناهج اشتغالها بإعطاء الأولوية للتنظيم والتكوين والتأهيل ضمن برنامج متكامل ومندمج قد تتفاعل معه المؤسسات العمومية والمنتخبة، مع دعوة السلطات والمجالس إلى التفكير في التأسيس لموائد مفتوحة وورشات تواصلية من أجل مناقشة انتظارات الشباب في التأهيل والتنمية وفضاءات للتثقيف والتربية والترفيه.
وتوقف ذ.سي محمد عياش في ورقته عند ما وصفه ب «الذاتية»، والتي تتجلى في عدم قدرة العديد من التنظيمات المدنية على تنزيل النصوص القانونية، ومواكبة التحولات الاجتماعية المتسارعة وما يطبعها من تطلعات مشروعة «إلى الظفر بنصيب مستحق من التنمية الشاملة والمستديمة»، حسب قوله.
ولم يفت المتدخل، تحليل«الموضوعية» من خلال «عدم استعداد الدولة ومؤسساتها الرسمية للدفع بدينامية الوعي المدني إلا في الحدود التي تراعي الالتزام الحرفي بقوانينها الفوقية، وتخوف بعض المجالس المنتخبة من تهديد المصالح القريبة والبعيدة لأعضائها وأتباعهم»، مشيرا إلى ما شهده مفهوم المجتمع المدني في المغرب من «طفرة نوعية عقب الانفراج السياسي في ظل حكومة التناوب»، وما رافقه من «اتساع للوعي الحقوقي والإرادة الرسمية في إشاعة المفهوم الجديد للسلطة القائم على الارتقاء بالتدبير المحلي والعام عن طريق التكامل بين الديمقراطية التمثيلية والديمقراطية التشاركية».
وانطلاقا من روح دستور 2011 وفصوله 12-13-14-15-139، والآليات الكفيلة بضمان مشاركة المجتمع المدني في إعداد السياسات العمومية وتفعيلها وتنفيذها وتقييمها، رأى المتدخل أنه رغم كل ذلك لا تزال أدوار المجتمع المدني «مرتبكة وغير مفعلة بالشكل المطلوب»، نظرا لعدة موانع، التي منها مثلا «ضعف مأسسة الديمقراطية التشاركية»، «الغموض القانوني الذي يكتنف النصوص الدستورية»، و»ضعف الإرادة لدى بعض أصحاب القرار السياسي»، مؤكدا أن «أي حركة للمجتمع المدني ليس بمقدورها الامتداد والرسوخ – ثقافيا ومجتمعيا – إلا داخل مجتمع يتبنى القيم الإنسانية السامية ويحرص على صيانتها وممارستها كسلوك يومي مألوف».
وتطرق المتدخل لما عرفته الساحة بخنيفرة من «انبثاق جمعوي»، غير أن عدد الجمعيات المعترف بها رسميا في الاقليم، إلى حدود شهر يونيو 2017،والذي هو 1070 جمعية، «يخفي وراءه تراكما ضعيفا من حيث الخدمات الموجهة للساكنة بالعالمين الحضري والقروي»، كما «أن المنح أحيانا تحول الأمور إلى نوع من التوسل أو وسيلة للإسكات والتطبيل».
ذ. عبدالحق سيف، انطلق من الإشارة لواقع ندرة المراجع والمصادر المتعلقة بالحركة الجمعوية المغربية، و«حتى ما يوجد منها فهي غير دقيقة ولا علمية في معطياتها». ومن خلال استعراضه للظهائر المتعلقة بالعمل الجمعوي والحريات العامة، توقف عند ما وصفه ب «حقبة التوتر بين مراكز الحكم والتيارات السياسية»، والتي شهدت ميلاد عدة إطارات وجمعيات قوية، سيما منها المتأثرة بالمد اليساري، أو التي أنتجت أنشطة متشبعة بالإيديولوجيا، وجلها كانت تنعش وجودها بواجب الانخراطات والاشتراكات بفعل معاناتها من خلال التضييق على أنشطتها.
وتوقف العرض عند فترة نشأة الجمعيات المهنية كخلفية لبعض الأحزاب، وإنتاج ما كان يسمى آنذاك ب «الثلث الناجي»، وبعدها فترة ظهور الجمعيات الموالية أو المنحازة للتيارات الاسلاموية، إلى حين بروز جمعيات «خارج ما هو حزبي أو عمل تقليدي»، و«أخرى تصارع، إما بخلفية سياسية أو بغيرها،لأجل فرض نفسها كقوة اقتراحية، إلى جانب بروز العمل الجمعوي الثقافي والاقتصادي والمؤطر للشباب».
ولم يفت المتدخل تحليل ما تسعى اليه الوثيقة الدستورية بخصوص المجتمع المدني والديمقراطية التشاركية، وما تحتاجه الجمعيات من «تغييرات في السلوك وطرق الاشتغال لاستدراك الخصاص لأجل تجويد وتمييز عملها»، لافتا لمظاهر الفوضى والإخلال بالأخلاق التي أخذت تهيمن على مواقع التواصل الاجتماعي».
تدخل ذ. محمد أوعزى تمحور حول الجمعيات والأطراف الحاملة لمشاريع مدرة للدخل، والمقاولات الصغرى، مؤكدا أن شباب إقليم خنيفرة «كثير العطاء دون أن تتاح له الفرص الممكنة، ولو بإمكانيات بسيطة»، متطرقا لتجربة جمعية «مبادرات» التي تم تأسيسها بناء على المقاربة التشاركية، ومن خلالها تم استقبال مجموعة من السفراء في إطار الانفتاح والبحث عما يمكن من الوسائل لتوفير مجالات التكوين والتمويل، مستعرضا ما تم ابرامه من اتفاقيات مع المجالس المنتخبة لإنجاح تجربة «مبادرات» على مستوى برامج التشغيل الذاتي، وكيف تم النجاح في تلبية 16 ملفا حاملا لمشاريع مختلفة، من أصل أزيد من 120 طلبا توصلت بها الجمعية
وانتهت أشغال اللقاء بفتح باب المناقشة، حيث تقدم عدد من الفاعلين والنشطاء في الساحة الجمعوية والثقافية والتربوية بتساؤلات وتصورات واقتراحات غنية حضر فيها «دور المجتمع المدني كرافعة في نشر الوعي والتنمية»، وكيف «تم تفريخ جمعيات مميعة للفعل الجمعوي الجاد»، وتساءل البعض عن «دور المثقف وخلفيات غيابه عن الساحة؟»، كما طرحت تساؤلات من قبيل: «ألم يحن الوقت لنهوض الجمعيات من سباتها»؟،و«هل المجتمع المدني متسلح بما يكفي من مقاربة العمل بمفهومه الكوني؟»… إلى غيرها من التدخلات التي لم يفت المشاركين في الندوة التفاعل معها إيجابا.