آباؤنا وأساتذتنا في الوطنية والسياسة والنضال نتذكرهم في اجواء عيد الاضحى

مصطفى المتوكل الساحلي

في علاقة باحتفائنا بتارودانت، بيوم الوفاء يوم 6 يوليوز 2021، واستحضارا لقيم نكران الذات من أجل الوطن الحر المتقدم العادل، نقول بإيمان، بأن كل الشهداء  والوطنيين والذين ضحوا من أجل مغرب مستقل متقدم  هم آباء وأساتذة الشعب وهم القدوة  ..

* قال الشهيد عمر بنجلون في كلمته أمام المؤتمر الاستثنائي 1975 .( … إن الفكر التقدمي منطلقه ومنتهاه التفاؤل، وإلا فلن يبقى مبرر للنضال. ولن يبقى كذلك مبرر للنضال إذا ادعينا احتكار الحقيقة. لذلك فلزوما أن نعتبر مجهودنا هذا بداية في التوضيح، وأن تبقى عقيدتنا متفتحة وقابلة للتغيير والاستفادة من الدروس والتجارب. أما حكاية المثالية والواقعية، فإنها جزء من أساليب التضليل، هناك واقعية الاستسلام أمام الواقعية التي يريد المستغلون غرسها في ذهن الشعوب. وهناك الواقعية الثورية التي تعتمد على تحليل الواقع الحي والملموس من أجل تغييره لصالح الشعوب. هذه هي واقعيتنا… يبقى علينا أن نؤكد على أن التحليل العلمي والمقاييس الموضوعية ليست وحدها الحافز للنضال ولقبول تضحيات النضال هناك الجانب الذاتي، الجانب الإنساني، جانب الوفاء والتشبع بالأخلاق الثورية).

إن الشعب المغربي والأسرة الاتحادية المغربية تربطهم علاقة حب ووفاء مع رجال ونساء لم يرهبهم الاستعمار بجحافله وترساناته الحربية المختلفة وقمعه واعتقالاته  وإعداماته ومنافيه، فمنذ وطئت أقدام المستعمرين أرض  وطننا العظيم والعريق الموغل في تاريخ الحضارات بإفريقيا وغيرها حيث معارك الشرف والحرية ،  بالمواجهات الدامية بالدار البيضاء سنة 1907 التي خلفت أكثر من 1700 شهيد وشهيدة  .. إلى مواجهات وانتفاضات الاطلس الصغير من  أيت باعمران و لاخصاص و آيت عبد الله و توفلعزت، التي استمرت من1913 حيث تم هزم عملاء الاستعمار الذين قادهم أحد القواد الموالين للاستعمار، ولم “يتمكن” الغزاة من كل هذه المناطق حتى  1934 ،  كما وثق التاريخ معركة الهري بالأطلس المتوسط منذ 13 نونبر 2014 وغيرها من المواجهات، ومعارك قبائل أيت عطا إلى معركة أنوال العظيمة بالريف 1921 وغيرها، بقيادة عبد الكريم الخطابي، ثم معركتي جبل بادو  و بوغافر سنة 1933.. كآخر حلقة في مسلسل المعارك التي خاضها أبناء إقليم الرشيدية ضد قوات الاحتلال الفرنسي، وقبائل زيان وبني خيران والسماعلة وقصبة تادلة والقصبة الزيدانية، والبروج ووادي أم الربيع ووادي العبيد وخنيفرة..عمت معارك المجاهدين  شرق المغرب وجنوبه الشرقي وغربه ووسطه وانطلقت مقاومات ومواجهات في أهم المدن والمراكز الحضرية والقروية بمختلف ربوع المملكة ..

كما نستحضر الأعمال الثورية التي قام بها الوطنيون والسياسيون الكبار الذين ساهموا في تأسيس العمل السياسي والديبلوماسي والعمل الوطني المدني ببناء حزب الاستقلال وإطلاق عرائض سنة 1944 ، منها التي صاغها السوسيون ومنهم سي أحمد المرابط  انطلاقا من سلا والرباط، والتي أجهضها قمع الاستعمار،  إلى عريضة الحركة الوطنية والتي وقعتها نخبة شامخة منهم: المهدي بنبركة وعبد الرحيم بوعبيد، وهو أصغر الموقعين، وعلال الفاسي وأحمد اليزيدي وعمر بن عبد الجليل وقاسم الزهيري وعبد القادر حسن ومحمد الزغاري …ومحمد اليزيدي ومحمد الدويري واحمد بلافريج وعبد العزيز بن ادريس العمراوي  وبوشتى الجامعي ومحمد الفاسي ومليكة الفاسي والطاهر زنيبر واحمد بن الطاهر مكوار …إلخ.

ونذكر هنا من بين الآلاف من الأسماء التي وهبت أرواحها للوطن، الشهيد الزرقطوني محمد 18 يونيو 1953 ، والشهيد علال بن عبد الله يوم11 شتنبر 1953 ،  واستشهاد المجاهد الحنصالي، والشهيدين عبد الله بوزاليم وعبد الله ككاز من مناطق إقليم تارودانت والذين  استشهدا سنة 1964 …

إن كل تلك الأحداث والمعارك والمواجهات والتضحيات أطرها وقادها أساتذنا وآباؤنا في الوطنية والنضال والتاريخ لايمكن تجاهلها ولا تناسيها لأنها وثقت معها  في السجل الأسود حتى الخونة والمتآمرين مع الاستعمار ضد وطنهم والملك والشعب …

ونحن نتحدث عن كل هؤلاء الكبار لابد أن نذكر من كان لهم الفضل في دعم وتمويل وإنجاح عمل المقاومة   المسلحة واستمرارها وفي تأسيس أكبر نقابة مغربية ومنهم عبد الرحمن اليوسفي والطيب بن بوعزة …إلخ  يوم 20 مارس 1955، بمنزله بزنقة 19 حي بوشنتوف بمنطقة درب السلطان، ومنهم الشهيد إبراهيم الروداني الذي استشهد اغتيالا يوم 5 يوليوز 1956 أشهرا قليلة بعد الاستقلال ،  … ونذكر خلايا المقاومة في مختلف مناطق المغرب ومنها تارودانت حيث ساهم في التأسيس والتأطير الواثر مولاي عبد الحفيظ  والراجي مولاي ادريس  وحسن صفي الدين الاعرج  …إلخ ونذكر القيادات الوطنية المنسقة لاعمال المقاومة المسلحة  بمراكش والبيضاء وغيرهما منهم عمر المتوكل الساحلي وبنسعيد ايت إيدر والفقيه البصري ومولاي عبد السلام الجبلي والشهيد حمان الفطواكي والشهيد الزرقطوني … إلخ .

كما أن التاريخ وثق المعارك الــتي شهدتهـا ربوع الصحراء ما بين سنوات 1956  و1960، والتي هزمت جحافل جيوش الإسبان وعطلت الجيش الفرنسي إلى إن أوقف تحالف القوتين الاستعماريتين انتصارات كادت تسفر عن استقلال الصحراء المغربية آنذاك ..
إن الذين أسسوا جيش التحرير في شمال المغرب والصحراء المغربية لمواجهة الاستعمار الإسباني منهم من ساهم بشكل كبير في الاستقلال وفي كل المعارك اللاحقة لمواجهة وافشال ودحر مرتزقة البوليزاريو المدعمين من بعض الدول المغاربية ما بين 1975 إلى حين بناء الجدار الأمني، والذين منهم من استشهد ومن من التحق بالرفيق الأعلى ومنهم من بارك الله في عمرهم ومازالوا معنا في المشهد الوطني يوثقون تاريخ المغرب في كتب وشهادات وتصريحات وثقتها الدولة وضبطها الباحثون المحققون، نعتز ونفتخر بهم أمام كل دول العالم باعتبارهم رواد تجربة مقاومة ونضال رائدة تعلم في دول متعددة في المؤسسات التعليمة والوطنية، قال الزعيم الصيني ماوتسي تونغ في حق محمد بن عبد الكريم الخطابي ما يلي: « إن أوّل درس تعلمته في حرب التحرير الشعبية هو من تجربة النضال والكفاح الذي قاده محمد بن الكريم الخطابي في الريف بالمغرب «.
إن الذين ناضلوا بصدق ووفاء للوطن وشهدائه بعد الاستقلال وهم الوطنيون الذين رأوا بموضوعية وصدق أن الجهاد الأصغر هو الذي اعتمد لدحر الاستعمار أما الجهاد الأكبر، كما قال الراحل المغفور له الوطني محمد الخامس، فهو لبناء الوطن المستقل الحر وبناء دولة المؤسسات وإقرار عدالة اقتصادية واجتماعية وتوزيع عادل للثروات وتنمية شاملة …وبطبيعة الحال لابد من وجود خصوم الحق والعدل والديموقراطية، الذين ليس من مصلحتهم تحقيق غايات الجهاد الأكبر، فطبخت الملفات والمؤامرات الكيدية، التي لم تثن ولم ترهب الآباء والأساتذة ومن معهم، فصمدوا واستمروا في كفاحهم رغم القمع والتكلفة الغالية التي ألحقت الأضرار بالأجساد والأرواح والحريات والأرزاق والاستقرار والتشريد والمنافي .. ، لقد أعطوا دروسا رائعة في الوطنية عندما هبوا متقدمين الطلائع الأولى في مسار النضال من أجل الدفاع عن تحرير الصحراء المغربية وسبتة ومليلية، وكان من رواد العمل الإعلامي الدولي قيادات سياسية مختلفة منهم قيادات الاتحاد، التي كانت بالمنفى ومنهم عبد الرحمن اليوسفي وقيادات الداخل، التي التحقت بركب الجهاد الديبلوماسي بلاهاي ومنهم الشهيد عمر بنجلون – اغتاله الظلاميون 18دجنبر 1975 .. وهم من استجابوا مع قيادات وطنية حرة وأصيلة للنداءات الوطنية والرسائل الملكية من أجل انطلاق التجربة الديموقراطية سنة 1976 إلى الاستجابة للحوار والعمل على معالجة الاحتقان الاجتماعي والأزمات العميقة التي شهدها المغرب سنوات الستينيات والسبعينيات والثمانينيات والتسعينيات، التي تسببت فيها السياسات الحكومية الفاشلة .. إلى التفهم والاستجابة للإعداد لمرحلة التناوب بعد أن قال المغفور له الحسن الثاني بضرورة ذلك لإنقاذ المغرب من السكتة القلبية …
إن آباءنا وأساتذتنا وقدوتنا نحن الشعب المغربي، بكل قواه الوطنية السياسية والاجتماعية والمدنية، هم كل هؤلاء الزعماء الوطنيين والوطنيات والمناضلين والمناضلات، الذين ساروا على نهجهم في مختلف ربوع الوطن، والذين وقفوا إلى جانب كل من المغفور لهما الملكين الراحلين محمد الخامس والحسن الثاني والعاهل المغربي جلالة الملك محمد السادس لبناء كل حقبة حقبة من الجهاد والعمل الوطني، إلى العمل من أجل بناء دولة المؤسسات ومعالجة مواطنة لأزمات المغرب إلى طي صفحة الماضي واعتراف الدولة بأخطائها وجبرها لأضرار ضحايا الاستعمار من جهة وضحايا سنوات الجمر والرصاص … إنهم آباء وأساتذة ورموز الشعب المغربي قاطبة وطليعته المتنورة ..
إن التضليل والتحريف الذي تعرض له المشهد السياسي الوطني بسبب خلط الأوراق الذي خطط له ومارسه البعض باستغلال واستعمال الدين من جهة وباستعمال المال والنفوذ من جهة أخرى، لحماية مصالح خاصة ولبث التفرقة والنزاعات الفارغة بين هيئات الجبهة الوطنية الرصينة والاصيلة وداخل صفوف كل واحدة منها، وانجرار البعض من داخلها وراء تفاهات سياسوية وريعية ومصالحية تسببت في ظهور أحزاب ونقابات ومنظمات ساهمت بوعي منها أو جهل في التضليل والخلط والغموض مما قوى جبهة أ‘داء الحرية والديموقراطية والعدالة الاقتصادية والاجتماعية والتقدم …
إن بناء رجال ونساء وقادة الغد والمستقبل يكون ببناء الثقافة الوطنية وجعل تاريخ النضال الوطني منذ قرون إلى العصر الحديث برجاله ونسائه المميزين، الأعلام الحاضرين والحاضرات، باعتبارهم آباء حضارتنا وأساتذتنا في الوطنية وحاملي رسالة الشرف والكرامة والوعي ، إننا لانقبل أن يسلب مستقبل أبنائنا وبناتنا ووطننا بحرمانهم من ذاكرة التاريخ المجيد لوطنهم لشحذ الهمم والاقتداء بالخيرين والأساتذة والفقهاء والعلماء والوطنيين وكبار المثقفين … إننا نطالب بمسيرة وطنية للعلم والمعرفة والهوية النضالية المتنورة لشعبنا، ووضع حد لسياسات ومناهج وبرامج تروج للتفاهات والعدمية والتبعية العمياء للساعين لإخضاع الناس لنفوذ المال المستبد وإغراق المشهد العمومي والشعبي بكل أشكال التضليل السياسوي، الذي يخفي وراءه الريع والمحسوبية وانتهاز الفرص العامة لجعلها في مصلحة البعض من الخاصة والأنانية المكسرة لمصلحة الشعب والوطن ..
إن الوعي العام يحتاج إلى تثمين وإغناء وإثراء حتى تنعكس وتتجلى وتتجسد آثاره على كل أفراد الشعب، وكل تعطيل أو إفساد له يعتبر جريمة نكراء تطال الأمة بكملها وقد تمتد آثارها المدمرة لعقود يكون ضحاياها أجيال وأجيال وطننا، نحن جميعا في حاجة إليهم ليكونوا معززين مكرمين متعلمين عاملين، ولاشك سيكون منهم ومنهن زعماء وعلماء وقادة ومصلحون يسرعون من وتيرة التطور والتنمية والتقدم الحضاري …
لهذا نؤكد باستمرار أن كل هؤلاء الشرفاء والشريفات هم آباؤنا وأساتذتنا وقدوتنا، وهذا ما يزعج بعض جيراننا لأن تاريخهم هو جزء من تاريخ المغرب الكبير الذي نحن أعمدته الخالدة، امتد إشعاعنا العلمي والفكري والديني والجهادي حتى وسط إفريقيا وشرقها وجنوب أوروبا ..
قال عبد الرحيم بوعبيد رحمه الله 🙁 «إننا لسنا معارضين مزاجيين نريد المعارضة من أجل المعارضة، إننا نعارض لأن هناك أشياء كثيرة تمارس  في هذه البلاد  تستدعي وتحتم  المعارضة «) ، وقال : (« يقولون إن التاريخ قال كلمته وانتهى، ونحن نقول إن التاريخ سيظل يقول كلمته في مراحل لاحقة متعددة من الوجود البشري تتجدد مع تجدد أشكال الصراع.) ،
وقال الأب والأستاذ والقدوة الملهم لنا دائما هو ورفاقه في وصيته الملزمة للأحياء..( ” إن فرض مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان يتطلب الصبر.. فنحن لنا في هذه البلاد رسالة نريد أن نؤديها على أحسن وجه، وأن نمهد الطريق للأجيال الصاعدة .. إننا نشعر بالاطمئنان على ما قمنا به من أجل الوطن، وإن كان ليس هو الكمال، ومع ذلك نعتبر بأن ما أسديناه من عمل متواضع يتجه إلى الشعب وإلى المصلحة العامة … ” .

الكاتب : مصطفى المتوكل الساحلي - بتاريخ : 30/07/2021