أبيدجان .. «أنت ولد فلان، وأنت باك عيان! »

عزيز بلبودالي
في أبيدجان، حقق لاعبو فريقنا الوطني الانتصار وانتزعوا عن جدارة واستحقاق تذكرة المونديال الروسي.
في أبيدجان، انتقلت كرة القدم الوطنية من مرحلة إلى أخرى.. لكن كيف سنستثمر هذا الانتقال وكيف سنتعامل معه وكيف سنحافظ على هذا التقدم الذي بدأنا في تحقيقه؟
رجاء..اجعلوا من محطة أبيدجان انطلاقة حقيقية للنهوض بالرياضة الوطنية!
في أبيدجان، نحن مطالبون بالوقوف لاستنباط كل الدروس..كيف نجحنا؟ لماذا خفنا وسادنا القلق من الإخفاق؟ كيف يمكن للاعبين أن يحافظوا على روح النصر وعلى حس الوطنية والقتالية التي ظهروا بها أمام الكوت ديفوار والتي جسدها بشكل كبير وواضح قائد الفريق المهدي بن عطية ؟
فرحنا بلاعبينا قبل أن نفرح بالنصر وبالتأهيل. وسعدنا لهم كما سعدنا لبعضهم الذين لم يخطئوا في الاختيار عندما وجدوا أنفسهم أمام امتحان انتقاء أحد القميصين، القميص المغربي أم قميص بلد المولد والنشأة، كما كان الحال مثلا أمام حكيم زياش الذي اختار ألوان بلده الأصلي المغرب وتحدى كل هولندا، بمن فيها نجمها ماركو فان باستن الذي خاطب حكيم زياش وقتها متسائلا ومستهزئا:
«كيف يمكنك أن تكون بهذا الغباء لتختار المغرب ومكانك في المنتخب الهولندي؟»
مرت سنة بعد ذلك، وهاهو حكيم زياش يساهم في بلوغ منتخب المغرب مونديال روسيا 2018 ويساعده على ذلك… بينما هولندا لم يتأهل منتخبها وغادرت قائمة الكبار!
وحتى عندما برز ذلك الخلاف بين المدرب رونار وزياش مهددا مستقبل هذا الأخير مع فريقنا الوطني، نجحت النوايا الحسنة والإرادة القوية لدى عدة متدخلين، وفي مقدمتهم رئيس الجامعة والمدرب واللاعب، في تذويب كل ما من شأنه أن يزيد من عمر ذلك الخلاف، دون نسيان الدور الهام للجمهور المغربي الذي تشبث بزياش ودفع الجميع إلى التحرك وإلى إحاطة الموضوع بالحكمة والتعقل، وكانت النتيجة عودة ميمونة للاعب إلى أحضان منتخبه.
الاختيار كان صائبا، وحكيم زياش سيكون حاضرا في كأس العالم بروسيا، بعكس لاعبين آخرين لم يوفقوا أمام الامتحان، ومنهم من ارتفع ضغطه ندما وهو يدير ظهره لمنتخب بلده الأصلي ليحمل ألوانا رمت به لدائرة النسيان، كما هو حال المغربي الأصل أدم ماهر الذي اختار حمل قميص المنتخب الهولندي الذي وكما نعلم جميعا، فشل فشلا صادما في حجز بطاقة التأهل لكأس العالم بروسيا 2018.
من أبيدجان اتسعت فسحة الفرح، وكانت تسعين دقيقة كافية لتغير من ملامح حياتنا التي يطبعها عادة حزن كبير، حزن بصعوبة المعيش اليومي، بتخلفنا في عدة مجالات حياتية وانسداد آفاق أحلامنا.
فرِحنا بالنصر، لكن محطة أبيدجان تصر إلا أن تذكرنا بتلك المسافات الطويلة والأزمنة الممدودة التي تفصلنا عن التخلص من حزننا «الرياضي» ، محطة أبيدجان من المفروض أن تسائلنا، وبإلحاح، حول ماذا فعلنا وماذا سنفعل لرسم محطات فرح أخرى؟
فرحنا نعم، لكننا ملزمون بمواصلة العمل، على المستوى المحلي أساسا، فمهمة الجامعة في إعداد وتحضير منتخب قادر على تحقيق الأهداف وصلت لمرحلة التوفيق فيها، لكن هناك أوراش أخرى يجب التركيز عليها، وفي مقدمتها مثلا هيكلة الأندية الوطنية، وتسريع عملية تحويلها لشركات، والاهتمام بدرجة أعلى بالتكوين. وهنا يطرح السؤال حول وضع التكوين في أنديتنا؟ وفي البحث عن الجواب، تستحضرني صورة ذلك الطفل المراكشي الذي ظهر على موقع التواصل الاجتماعي «الفيسبوك» طيلة أيام الأسبوع الماضي، وهو يذرف الدموع لأنه شعر ب»الحكرة» وهو المشهود له بالمهارة والموهبة الفطرية في كرة القدم، ليصطدم وهو يلج أبواب مدرسة فريقه المراكشي الذي يحلم بحمل ألوانه، بواقع تسود فيه المحسوبية ومنطق «أنت ولد فلان، وأنت باك عيان» حيث يتم اختيار أطفال «المرفحين» ويُقصى أبناء «الدراويش» ولو امتلكوا الموهبة.
فرحنا في أبيدجان، لكننا ملزمون، خاصة رئيس الجامعة، بتنظيف محيط الجامعة من نواب ومستشارين وأعضاء جامعيين يتأكد يوما بعد يوم أن بعضهم يضر كرة القدم الوطنية أكثر مما يفيدها، ولنا في حالة رئيس يوسفية برشيد مثلا، نموذجا لمسير يدبر أمور فريقه بعقلية «مول الفرقة» الذي يتحكم في كل الجوانب بما فيها التقنية والمالية والإدارية، ولا يتردد في الهجوم على الحكام أو على الفرق المنافسة كما فعلها يوم الأحد في مباراة فريقه أمام مولودية وجدة، في صورة لا تليق بعضو جامعي من المفروض أن يشكل القدوة في السلوك الرياضي.
من أبيدجان، تأكدنا أن الشركات والمؤسسات الاقتصادية التي تتغنى بالمواطنة، لم يظهر منها أي عنوان لروح المواطنة، وهي التي تخلفت عن المساهمة في تقديم الدعم، على الأقل، بالنسبة لموظفيها وعمالها الذين كانت تحدوهم الرغبة في السفر للكوت ديفوار لمساندة فريقنا الوطني. بل وحتى أعيان بعض المدن، اختاروا استغلال المناسبة بعد أن اقتنوا المئات من تذاكر السفر وعوض منح عدد منها للجماهير البسيطة، وزعوها على المنتخبين وعلى مسؤولي السلطات وعلى زملاء لهم في الجاه وفي المال!!
الكاتب : عزيز بلبودالي - بتاريخ : 15/11/2017