أرضية ادريس لشكر : من أجل مشروع اتحادي إنساني واقعي وقابل للتنفيذ
محمد الطالبي
اختار إدريس لشكر الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ، التواصل مع الداخل والخارج الحزبي عبر أرضية توجيهية كشف منذ أسطرها الأولى أنها موجهة لتأطير النقاش الاتحادي حول تدبير الوضعية الراهنة
.ويعلن لشكر منذ البداية أن الدافع للكتابة ليس سوى البعد الإنساني للمأساة الجماعية ، وأن الغرض هو إشراك الجميع، وطرق باب التأمل والتفكير الجماعي ،والخروج بحلول المستقبل دون نسيان التركيز على تجاوز المأساة أيضا بشكل جماعي وفقا لقيم كونية
حيث قال إنها مساهمة أتمنى أن تتلوها مساهمات أخرى تعمل على تغذية الحوار الحزبي، كما أتوخى من خلالها إطلاع الرأي العام الوطني وعبره كل المشهد الحزبي على التصور الذي أقترحه. وانطلاقا من مرجعية دولية اكتسبها الاتحاد و عمل عليها في المؤسسات الدولية التي يتقاسم معها كثيرا من الأفكار خاصة الأممية الاشتراكية التي تدافع عن قيم التضامن الدولي والساعية للتطور البشري وفق مرجعية أساسها الإنسان، حيث سجل لشكر
على المستوى الدولي ارتباكا في التعاطي مع الجائحة في الأسابيع الأولى، وهو ما دفع صاحب الأرضية إلى مساءلة المنظمات الدولية والإقليمية، التي عجزت عن التعامل مع هذه الأزمة الجديدة بكل المقاييس.ووقف على أن البشرية محتاجة لتعاقد عالمي جديد يتجاوز الدفاع عن الحقوق السياسية والسوسيو-اقتصادية والثقافية إلى الدفاع عن حقوق الكوكب والأجيال،ولذلك يقول لشكر من خلال موقعه ككاتب أول « سأعمل على المبادرة عبر إطاري الأممية الاشتراكية والتحالف التقدمي من أجل الترافع في هذا السياق».
أما على المستوى الاقتصادي العالمي، فيبدو أننا دخلنا في أزمة اقتصادية فريدة من نوعها. وهنا يشير إلى النموذج المغربي، حيث جسدت الدولة المغربية بقيادة جلالة الملك طابعها الاجتماعي أكثر من أي وقت مضى، وبشكل جعل بلادنا مضرب الأمثال في مختلف أقطار العالم.
لقد كان للمبادرات الملكية عظيم الأثر في تجنيب بلادنا مآس غير محسوبة العواقب. فقد تفاعلت الدولة المغربية مع تقارير المنظمات الدولية (منظمة الصحة العالمية، صندوق النقد الدولي، البنك الدولي، منظمة الأمم المتحدة) بكل عقلانية ورصانة. فتوالت المبادرات الملكية بقيام جلالة الملك باستعمال كل ما منحه الدستور من صلاحيات، سواء على مستوى إمارة المؤمنين، أو رئاسة الدولة، أو القيادة العامة للقوات المسلحة الملكية لإطلاق المبادرات اللازمة للحد من انتشار الفيروس. الشيء الذي سهل انخراط كل مكونات المجتمع لمكافحة هذا الداء والحد من تبعاته، كل من موقعه.
ووقف لشكر على أهم القضايا التي يراها أساسية، وتشغل بال المغاربة كالتذكير بوضعية المغاربة العالقين في الخارج، والمجهود الذي تقوم به قنصليات المملكة للمواكبة. وأشاد بالتدخل المسؤول للدولة وثقة المواطن في المؤسسات الوطنية. إنه التناغم بين الدولة بمختلف مؤسساتها وسلطها التنفيذية والتشريعية والقضائية التي تحمي حياة ومصالح مواطنيها، والمجتمع الذي
يلتزم بقرارات وإجراءات مؤسساته.
وربط الكاتب الأول بين الممارسة المستجدة في مواجهة الآفة ومنظور الاتحاديين كاشتراكيين ديمقراطيين و شعار مشروعهم النموذج التنموي : «دولة قوية عادلة ومجتمع متضامن.
وذكر لشكر بأن انخراط الاتحاد الاشتراكي في الدفاع عن الحقوق الاجتماعية للمواطنين، ليس وليد هذه الأزمة بل إنه مترسخ في ثقافتنا ومرجعتينا الاشتراكية الديمقراطية وأبنْنا عنه في ممارستنا للشأن العام، و واظبنا على تضمينه في برامجنا الانتخابية، واعتبرناه مدخلا أساسيا لمنظورنا للنموذج التنموي الجديد. لذلك لن نعالج هنا كل القطاعات الاجتماعية، ولكننا سنركز على المجالات التي أبرزت هذه الجائحة أهميتها والنواقص التي تعاني منها. فعلى سبيل المثال لو كان السجل الوطني جاهزا، لكان أسهل بكثير وأنجع في توجيه المساعدة لمن يستحق بالقدر الذي يحتاجه بالضبط.
وأفردت الأرضية حيزا مهما لقضايا المرأة، حيث قال «ليس من حل إلا أن نعيش زماننا، وأن نتوجه نحو المستقبل بمساهمة كاملة من النساء اللواتي يعتبرن – كما أثبتت تجارب الدول الديمقراطية المتقدمة – فاعلا محوريا في البناء الديمقراطي وطرفا أساسيا في معادلات التنمية والرقي المجتمعي».
إن المجتمعات العقلانية والحداثية والمتضامنة، هي التي أبانت على قدرة كبيرة في التعامل مع هذه الجائحة وتبعاتها. لذلك فإقامة مجتمع حداثي، عقلاني ومسؤول يتسع لجميع الطاقات، أمر حيوي بالنسبة لبلادنا، والشيء الذي يقتضي من جملة ما يقتضيه، ترسيخ المناصفة والمساواة والكرامة الإنسانية من أجل محاربة الإقصاء والتهميش وترسيخ الشعور بالانتماء لدى مختلف الفئات الاجتماعية.
و خصصت الأرضية جانبا للمؤسسات، حيث جاء فيها و «دفاعنا عن دور الدولة في تحسين ظروف الحياة، أننا في حاجة لدولة تعمل على توفير فرص متكافئة لنجاح كل مواطنيها، سواء تعلق الأمر بصحتهم أو تعليمهم أو متطلباتهم الأساسية. وهذه هي الدولة العادلة. مذكرا بأن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، ينهل من الفكر الاشتراكي الديمقراطي، معتبرا إياه بديلا حقيقيا عن الليبرالية المتوحشة التي تتبنى القضاء على دور الدولة بينما ننتصر للدولة المبادرة في المجالات الاقتصادية والمالية والاجتماعية بما يضمن حقوق وحريات الأفراد في المبادرة والفعل والاستثمار والتفكير للقيام بما يلزم لضمان توازن البلاد. هذه هي الدولة القوية.
ويسجل للأرضية أنها دشنت لنقاش عمومي حول مفاهيم، مؤطرة للفكر الاشتراكي ودور الحزب في معالجة السياسات العمومية من وجهة نظر تنتصر للفعل السياسي كفكر إنساني عقلاني و ربط السياسة بالفكر والدفاع عن تصورات للسياسات العمومية من منطلق فكر كوني أممي، حيث تفرض عدة شعوب في العالم وقواها الحية و في مقدمتها الأحزاب المنتمية للأممية الاشتراكية وضعا ينتصر للاقتصاد الاجتماعي و لعلاقات دولية مبنية على الإخاء و التعاون بين الشعوب أو هي أحزاب مازالت تحظى بثقل دولي، وتسير عدة بلدان كانت من أنجح التجارب في مواجهة كورونا المستجد.
وتحرص الأرضية على النقاش الفكري داخل الحزب وبصوت مسموع ومباشر مع المواطنين، مما يعني تنفيذا لأفق الانفتاح على طاقات خلاقة في المجتمع، مؤمنة بالقيم الإنسانية و بالقيم الديمقراطية والحداثة والعدالة الاجتماعية، كما تشجع على تأسيس نقاش مستجد، متطور ومثمر حول المصالحة بين الطيف الاتحادي، الذي أصابته عدة عثرات لأسباب ذاتية وموضوعية، وفتح النقاش بشكل مباشر وواضح بين الجميع للمساهمة، مما يعني عمليا انطلاق التحضير الجماعي للمؤتمر القادم من بوابة مقارعة الأفكار والتصورات من أجل بناء مشروع يساير العصر وتطورات العالم، ويحافظ على روح القيم الإنسانية التي بني عليها المشروع الاتحادي على مراحل الصراع الوجودي بين أنماط سياسية واقتصادية واجتماعية تتطلب الكثير من الجهد لإعادة البناء.
إن خارطة الطريق التي اقترحها لشكر للمستقبل، تنفتح على الجميع. وهو ما يتطلب من باقي فرقاء المصير الاتحادي المشترك ذي الأفق الوطني الكوني، أجرأة خارطة طريق موضوعية وقابلة للتنفيذ، تراعي التحولات والسرعات الكبيرة، التي يسير بها المجتمع والدولة والعالم.
إن تجديد الخطاب، يجب أن يسايره تطور في معالجة التصور الحزبي جغرافيا وقطاعيا واعتماد التوجهات الجهوية في التدبير والتسيير مع الحرص على الوحدة الفكرية والسياسية و الاديولوجية..
لعل الأرضية كمطلق، لم تتطرق لكل القضايا. وهو ما يتطلب من أجل تطويرها اعتماد مقاربة قطاعية لكل القضايا السابقة الذكر،حيث المهنية والحرفية اليوم تتطلب نقاشات علمية تحاكم المرجعية، التي يجب أن يفتح فيها نقاش جدي، وإعادة استيعابها للتحولات، لأننا في حاجة للوقوف اليوم من أجل الوضوح من جديد على تعريف المرتكزات وقراءة جيدة للتحرير والديمقراطية والاشتراكية، انطلاقا من التطورات الدولية والمحلية، والاستماع إلى نبض الشارع المغربي مع عدم السقوط في السطحية و الشعبوية والأطروحات الجاهزة التي منها ما استنفد أدواره في الزمان و المكان..
إن حزب الغد، لا يمكن أن يظل أسير شعارات الماضي، بل يجب أن يغلب الجانب الحالي والمستقبلي من أجل دمج ملايين الأطر شبابا ونساء في رؤية عامة حالمة للحياة والوجود والإنسان..
إن الانطلاقة نحو المستقبل حزبيا، تعني الأولوية للنقاش الفكري والسياسي والأطروحات الفكرية و التنموية، للوصول إلى مؤتمر المشروع وليس سباق الذوات. ويجب أن يكون المنتصر، هو الوطن من خلال المشروع…
إن مأسسة النقاش واعتماده آلية وافقا تواصليا، يتطلب أيضا فتح نقاش في آليات التواصل ودور الإعلام اليوم، سواء العمومي أو الحزبي و إعلام المجتمع… وكذا يجب أن تكون لنا رؤية في الفن و الثقافة والمسرح و الرياضة،لأن المشروع الاتحادي، يجب أن يطرح رؤية للحياة متجددة منفتحة قابلة للتنفيذ بما يليق بكل ماضينا وحاضرها الذي أنصفته المحنة وأعادت له الاعتبار كمرجع إنساني..
أكيد، ستكون عودة للأفاق التي تطرحها الأرضية على شكل اقتراحات، ولكن لابد من شكر الكاتب الأول على هاته الوجبة من الأفكار التي تفتح شهية التفكير و الاقتراح سويا للبناء والتجديد كمقدمة في زمن الأزمة والإكراه..
أتمنى أن نكون متكلمين جيدين و مستمعين جيدين، من أجل حوار بناء لأجل المستقبل لأجل الإنسان، من حيث هو الإنسان، ومن أجل أن يبقى على هذه الأرض ما يستحق الحياة للأجيال القادمة.
الكاتب : محمد الطالبي - بتاريخ : 23/05/2020