أسباب قرار قطع العلاقة مع المغرب
نوفل البعمري
قرار قطع العلاقة الدبلوماسية مع المغرب الأحادي الجانب الذي اتخذته السلطات الجزائرية قبل أيام قليلة ماضية، أثار الكثير من الأسئلة من طرف المتابعين حول أسبابه الحقيقية، خاصة وأنه لم يكن هناك احتكاك أو اصطدام حقيقي بين الجانبين قد يستدعي الإعلان عن مثل هذا الموقف، ومازاد من طرح الأسئلة حول الخلفيات الحقيقية لاتخاذ هذا القرار هي المبررات نفسها التي استند إليها وزير الخارجية الجزائري أثناء الإعلان عنه في الندوة الصحفية، التي انعقدت خصيصا لهذا الغرض، وهي مبررات تؤكد ألا وجود لسبب حقيقي لهذا الموقف العبثي، إذ لم يجد لعمامرة غير العودة للتاريخ ولوقائع تعود لبداية الستينيات لتبرير موقف يأتي بعد 40 سنة منها، من حرب الرمال وحرب امغالة، وقد كان لافتا أن لعمامرة تخلى عن الاتهامات السخيفة التي كان قد وجهها للمغرب سابقا والمتعلقة بمسؤوليته عن الحرائق التي نشبت في القبايل، بعد أن ظهر النظام الجزائري بمظهر سريالي عندما أعلنت جل الدول المتوسطية التي تعرضت لنفس الحرائق أن سببها هو ارتفاع الحرارة المفرط والمتغيرات المناخية، ويبدو أن إعلان قطع العلاقة مع المغرب الأحادي الجانب من طرف النظام الجزائري كان جاهزا، وكانوا طيلة هذه المدة من الاستفزازات التي تعرض لها المغرب يهدفون إلى جره لمواجهة إعلامية ودبلوماسية قصد إيجاد مبرر معقول أمام الرأي العام العربي والدولي لكي يعللوا هذا الموقف العبثي الجاهز تعليلا مقبولا، لكن حكمة المغرب واعتماده على سياسة عدم الرد أحرجت هذا النظام وجعلته يقدم هذه الأسباب العبثية. بالبحث عن الخلفيات الحقيقية لهذا القرار فإننا سنجد أسبابها في ما سنورده كما يلي:
-1 عدو خارجي لتعطيل
مطالب الإصلاح:
مثل كل الأنظمة الشمولية، الديكتاتورية، التي شهدها التاريخ، فإن النظام الجزائري يسلك نفس أسلوب عمل هذه الأنظمة التي انهارت واندثرت كلها، بدءا بالنظام النازي في ألمانيا الذي اعتمد فيه هتلر على أسلوب الحشد العاطفي والترهيب والتخويف، وصولا لنظام كوريا الشمالية التي يعمل النظام الجزائري اليوم على استنساخ تجربته في شمال إفريقيا، بحيث أنه أغلق حدوده مع المغرب وقطع علاقته معه، كما أن له حدودا ملتهبة كلها ومشتعلة مع الجيران، وداخليا حوَّل الجزائر لسجن كبير، ممنوع فيها التعددية السياسية الحقيقية، قمع للحراك الشعبي، محاكمات صورية، واليوم تتحدث العديد من الصفحات داخل وسائل التواصل الاجتماعي عن عودة الاختطافات لنشطاء الحراك بنفس الأسلوب الذي اعتمده الجيش في العشرية السوداء، وهو ما ينبئ بدخول الجزائر في عشرية سوداء جديدة ستشهد قمعا شديدا وكل أصناف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الاٍنسان، وبقطع العلاقة مع المغرب يشير التضخيم الإعلامي لهذا القرار العبثي، الذي لا تأثير اقتصادي أو سياسي له على المغرب، إلى اتجاه العسكر بالجزائر للقيام بعمليات انتهاكات كبيرة في حق المعارضين والنشطاء، خاصة بمنطقة القبايل، حيث استغلوا الحرائق، التي نشبت هناك، للقيام بحملة اعتقالات واسعة وكان أغلب المعتقلين من نشطاء الحراك بدعوى قتلهم للشاب جمال، الذي كان من المتطوعين لإخماد الحريق، وللتغطية على ذلك قاموا باتخاذ هذا القرار وتحويله لنقطة مركزية في الإعلام الجزائري للتغطية على كل ما تعيشه الجزائر داخليا من حملات واسعة ضد النشطاء.
النظام الجزائري، منذ انطلاق الحراك ورفض الشارع للعرض السياسي الذي قدمه النظام، جعل هذا الأخير يعمد إلى استفزاز المغرب قصد حدوث مواجهة إعلامية، سياسية ودبلوماسية لتبرير كل تعطيل لمطالب الإصلاح بدعوى وجود عدو تاريخي كما سماه المدعو شنقريحة، وقد كان المغرب بحكمة كبيرة منتبها لهذه النقطة ويتفادى الرد على النظام الجزائري، وهو ما صعَّب من مهمة العسكر لإيجاد مبرر للإعلان عن هذا القرار العبثي، بمبرراته السخيفة، وتأكد للخارج أن النظام الجزائري لا أسباب معقولة له، ولا مبررات موضوعية لإعلان مثل هذا القرار، غير المعطى الداخلي والرغبة في إيجاد فرصة لتخوين الحراك الشعبي الجزائري، وإيجاد غطاء سياسي لأزمة مفتعلة قصد قمع الحراك.
-2 تهرب الجزائر من العملية السياسية حول الصحراء:
الجزائر اتخذت قرار قطعها للعلاقة مع المغرب في توقيت جد دقيق في ما يتعلق بالقضية الوطنية، ليس هذا فحسب بل تصعيدها الإعلامي والدبلوماسي ضد المغرب تصاعد بوتيرة كبيرة منذ إعلان الولايات المتحدة الأمريكية عن اعترافها بمغربية الصحراء، وكون الإدارة الأمريكية الجديدة ماضية في ترجمتها لهذا القرار، سياسيا ودبلوماسيا، يتزامن أيضا مع استمرار المسلسل الواسع الذي شهدته الأقاليم الجنوبية المتمثل في فتح القنصليات من دول عربية، إفريقية، لاتينية، وهي عملية مازالت مستمرة، آخرها وليس آخرها، افتتاح قنصلية في الداخلة وأخرى في العيون من طرف دولة سيراليون، وهما نقطتان ساهمتا، بشكل كبير، في انطلاق هذه الحملة العدائية تجاه المغرب، التي لم تكتف فقط باستهداف الوحدة الترابية بل وصلت في مرحلة ما إلى تجنيد الإعلام الجزائري لاستهداف الرموز الوطنية بشكل مُستهجن، إلا أن هذا النظام، رغم كل هذه الحملات التي قام بها، لم يستطع أن يوقف الدينامية الكبيرة التي شهدتها الصحراء، واكتفى بإصدار بيانات يتيمة لا صدى لها، ومازاد من حدة التصعيد الجزائري تجاه المغرب ورغبته في قطع العلاقة معه، هو احتمال تعيين مبعوث أممي جديد للصحراء، خاصة بعد التأكيدات الأخيرة من طرف الإدارة الأمريكية على ضرورة تعيين مبعوث أممي جديد، مع الإشارة إلى كون كل الأسماء التي تم اقتراحها سابقا كانت تجد عرقلة تعيينها من طرف الجزائر، ومع احتمال تعيين مبعوث أممي جديد قرر النظام الجزائري قطع العلاقة مع المغرب ليتهرب من مسؤوليته تجاه أية عملية سياسية، خاصة وأن المباحثات كانت قد توقفت في لقاء جنيف 2، وأنها كانت قد وصلت للتدقيقٍ في عناصر الحل السياسي وفقا لقرارات مجلس الأمن التي اعتمدت بشكل واضح معايير الحكم الذاتي، بمعنى أن أي عملية سياسية مستقبلية ستنطلق من قرارات مجلس الأمن التي طالبت بحل سياسي بروح جديدة، وواقعي، ومن اعتبار الجزائر طرفا أساسيا في النزاع، وهو ما سيجعل الجزائر أمام مسؤوليتها تجاه النزاع، وأمام مجلس الأمن، لذلك فقطع العلاقة الدبلوماسية مع المغرب، هو استباق من طرف النظام الجزائري لأي تقدم محتمل في نزاع الصحراء، وللنقاش السياسي الذي قد يُحدثه هذا التقدم، ولتعطيل أية إمكانية لحدوث هذا التقدم، وتقديم مبرر للأمم المتحدة قصد تنصل النظام الجزائري من مسؤوليته تجاه النزاع وتجاه العملية السياسية، فقد أعلن عن هذا الموقف لكي يجد مبررا لرفض المشاركة في أية مباحثات سياسية بدعوى قطع علاقته مع المغرب، وبالتالي تعطيل أية إمكانية للتقدم في العملية السياسية.
-3 انتخابات بالمغرب، إحراج للنظام الجزائري:
الانتخابات التي تجري اليوم في المغرب، رغم ظروف الجائحة، ومرورها بشكل سلس أظهر مناعة وقوة المؤسسات المغربية، التي لم تستطع ظروف الجائحة أن تؤجلها أو تلغيها، جعلت النظام الجزائري يعيش حالة إحراج سياسي أمام الشعب الجزائري أولا وفي المنطقة ثانيا، إذ أن الاستحقاقات الانتخابية المغربية ومرورها بشكل عادي وانخراط الجميع في الحياة السياسية العامة جعل النظام الجزائري يعيش حالة من التخبط، إذ كيف لم يستطع أن يعقد استفتاء على الدستور الذي شهد مقاطعة ورفضا واسعين، وكيف شهدت الانتخابات بالصورة التي نظمها بها مقاطعة شعبية واسعة من طرف الحراك عموما والشعب الجزائري خاصة، فقد وصلت نسبة المشاركة إلى مستويات جد دنيا، بل في مناطق كمنطقة القبايل تمت مقاطعة الانتخابات بشكل شبه كلي، أضف لذلك مشاهد الفيديو التي تناقلها النشطاء حول عمليات تزوير كبيرة شهدتها العديد من المناطق….
هذه المعطيات إذا ما قارنَّاها بالاستحقاقات التي تنعقد في المغرب، وبالمشاركة الكبيرة للساكنة الصحراوية فيها وانخراطها، تعبئة وترشيحا، في مختلف اللوائح الحزبية، كل ذلك أظهر النظام الجزائري كنظام معطوب، وأن كل ما ظل يمرره في إعلامه حول المغرب مجرد دعاية مسمومة، وأن هذه الاستحقاقات أظهرت الفرق بين نظام شمولي، منغلق، قامع للحريات ومنتهك لها، وبين نظام مغربي منفتح، يبني مؤسساته الوطنية بهدوء وثبات، ويصنع اختياره الديموقراطي في احترام تام للإرادة الشعبية، الأمر يتعلق باختيارين موجودين في المنطقة واتجاه أغلب دول شمال إفريقيا إلى استنساخ التجربة المغربية، سواء في المصالحة والعدالة الانتقالية، أو في الحفاظ على الأجندة السياسية مهما كانت الظروف المتعلقة بالجائحة، وهذا ما يجعل من النظام الجزائري نظاما معزولا، وهو ما يزعجه، لذلك فمحاولة دفع المغرب إلى المواجهة كان هدفها الأساسي جعله غير قادر على احترام أجندته السياسية الداخلية، وهو ما فشل فيه العسكر الجزائري كما فشل في مؤامراته السابقة.
-4 نجاح مغربي في ليبيا، وفشل مناورات الجزائر:
الملف الليبي كان واحدا من الملفات التي جعلت النظام الجزائري يقوم بكل شيء من أجل عرقلة محاولة الوصول لحل الأزمة الليبية عن طريق الوساطة المغربية، لذلك كان هناك تشويش كبير من طرف النظام الجزائري على اتفاق الصخيرات وبعده محاولة التحالف مع بعض الدول لتنظيم مؤتمرات موازية للقاءات التي انعقدت بالمغرب، وانتهت هذه اللقاءات بالفشل بسبب ثقة الأطراف الليبية في الوساطة المغربية والدعم الأممي لمُخرجات اتفاق الصخيرات وبعده لقاءات طنجة وبوزنيقة، وآخرها اللقاءات التي انعقدت مؤخرا بحيث تم الحديث فيها عن تنظيم استحقاقات بليبيا لبناء مشروعات مؤسساتية جديدة مبنية على إرادة الليبيين.
نجاح المغرب وثقة الأطراف الليبية فيه وفي وساطته، وفشل كل المناورات الجزائرية لإحباطها أظهر النظام الجزائري، خاصة خارجيته، بمظهر النظام الضعيف إقليميا، وغير قادر على التحرك في المنطقة، بل حتى الوساطة الكاذبة التي أعلنها في النزاع المصري الإثيوبي حول المياه انتهت بقرار إثيوبيا غلق قنصلياتها في الجزائر في دلالة على رفض هذه الوساطة الفاشلة، التي زادت من حقد هذا النظام على المغرب وعلى مختلف مؤسساته، خاصة طريقة تدبير دبلوماسيته الاستراتيجية من طرف الملك.
ما ذكرناه أعلاه هي أسباب رئيسية يمكن القول إنها هي الدافع الرئيسي لقرار قطع العلاقة الدبلوماسية مع المغرب، القرار الأحادي الجانب العبثي، ومع مرور تصريف هذا الموقف غير ذي معنى سياسي ودبلوماسي، ستتضح أكثر خلفيات هذا الموقف الذي يُنبئ بكون النظام الجزائري لن يقف عنده بل قد يصل لمواقف وقرارات أخرى، فكلما تقدم المغرب ديموقراطيا، مؤسساتيا، وعلى مستوى نزاع الصحراء، كلما ارتفع صوت النظام الجزائري تشويشا على المغرب، وهي كلها محاولات انتهت بالفشل كما انتهت سابقاتها.
الكاتب : نوفل البعمري - بتاريخ : 30/08/2021