أعنيك يا جارة
بديعة الراضي
استوقفني هذا الأسبوع تنديد جو ويلسون العضو الجمهوري في الكونغريس الأمريكي، بالتواطؤ الفعلي بين حركة البوليساريو الانفصالية وحزب الله، ودور إيران المزعزع للاستقرار في منطقة شمال إفريقيا وغيرها. وجاء هذا التنديد مباشرة بعد تقديم مشروع قانون بالكونغريس الأمريكي، ساهم فيه، زميلاه كارلوس كوربيلو (جمهوري) وجيري كونولي (ديمقراطي)، في سابقة بمجلس النواب الأمريكي، يؤكدون فيه مجددا على العلاقة التي تجمع بين الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المغربية.
وهو ما يدعونا إلى التساؤل اليوم، حول موقف جارتنا، الذي يواصل دعمه للانفصال في مشهد يجعلك تتأمل حدود العبث الكبير، وأنت تعمق السؤال حول الأهداف الكبرى والاستراتيجية المتوخاة من ذلك، في إطار محيط إقليمي وجهوي وحتى دولي وقعت فيه تحولات كبرى، محيط تتواصل السرعة فيه من أجل البحث عن حلول ممكنة وسط تفاقم التحديات الكبرى، والتي تعبر عنها صراحة الجثث السابحة قهرا فوق المياه الإقليمية،الكاشفة عن بروز قوة المافيات الدولية في المتاجرة بالبشر، كما الجثث الملقاة قهرا في يابسات الضفتين، تكشف عن قوة الإرهاب الممول بالتجارة الممنوعة، في السلاح والتهريب، والذي يبدو فيه الارتكان إلى الدفاع عن دولة وهمية، قمة في الحمق السياسي، حمق جعل الآخر في الحدود البعيدة عن إقليمنا في قبة ممثلي الأمة في برلمانات الضفاف الأخرى، ينبه صراحة إلى هذا العبث، ويؤشر عن خطورة تداعياته على المحيط الاقليمي والجهوي والدولي، ويضع في ذلك قوانين تهم العلاقات الخارجية لبلده، يؤكد فيها دور المغرب العاقل في المنطقة ضد حمق الدعم غير المشروط للانفصال، الذي يهدد شمال إفريقيا كبوابة حقيقة للربط مع إفريقيا اليوم، التي تحتاج خطاب الحقيقة لتجاوز لغات الحرب الباردة، من أجل لغة آمنة اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وأمنيا، بمبدأ النهوض بالإنسان، من أجل عالم يسوده السلام وتختفي فيه مظاهر النزاعات، التي تسفك الدماء، وتهدم الدول، وتنهار فيها كل القيم الكبرى، التي يتغنى بها الجميع، لكن بالمقابل تؤسس بواقع مختلف، بؤر أخرى يتولد عنها مزيد من التعقيدات التي لن يكون ضحيتها إلا الإنسان.
وإن كان عضو الكونغريس الأمريكي جو ويلسون، حرص في خروجه الجريء للتنديد بالثلاثي إيران وحزب لله والبوليساريو، فإن تركيزي على الجانب الذي يهمنا في القضية أي موقف الجزائر، لا يعني التغاضي عن باقي الأطراف الصنيعة لحركات الوهم المكلفة بالمهمة.
وإن كنا قد واجهنا في سياسة بلدنا موقف إيران، وترافعنا عن رفض تدخلها الذي يتقن التلاعب والإخفاء بعمل سري منظم في المنطقة، في بلاغات رسمية وشعبية، فإن العلاقة مع الجزائر تختلف.
وفي هذا الصدد، نريد أن نوضح أنه رغم كل الهزات الدبلوماسية، التي أوصلتنا إلى حد إقفال الحدود، فإن بلدي ظل حريصا على أن يظل الخيط الرابط مع جارتنا خيطا للحوار والتواصل، إيمانا منا بأن الشعب المغربي والشعب الجزائري واحد، وأن الحدود هي خط جغرافي نعمل فيه على خطوط أخرى، في شتى المجالات، التي لا يمكنها إلا تقوية الدولتين في فضاء إفريقي مغاير تنمويا، سياسيا، واقتصاديا واجتماعيا.
وهو الخطاب الذي نتشارك فيه جميعا من أعلى سلطة في بلادنا، إلى كافة نخبنا، مواجهين في ذلك الحمق السياسي، الذي ظلت النخبة الحاكمة في الجزائر تستمد فيه المشروعية، من زمن «كان»، يدفع اليوم المجتمع الدولي إلى طي صفحاته،أمام فتح أوراش عالمية كبرى في المناخ والبيئة ومحاربة الإرهاب كما محاربة الفقر،وتجار الممنوعات وتجار البشر.
وأمام هذا المد العالمي الجديد، لا يمكن إلا الدفاع عن دول وطنية ديمقراطية حديثة قوية في المنطقة، دول تشكل عناصر قوية في بنية متلاحمة، لبناء فضاء إقليمي قادر على المرافعة من أجل مصلحة الضفة الجنوبية وامتداداتها جنوب جنوب، دول متعاونة متضامنة،منسقة، مدافعة عن المصالح المشتركة لترابها وأبنائها في كافة المجالات، وفي قلبها الدفاع عن السيادة، في المنابر الدولية ضد أي تحرش بالوحدة الترابية، كما ضد أي دعم للنعرات القبلية، دول لا تفتت جهودها في الارتكان إلى الوهم، إشباعا للذات المريضة، بل دول متسامحة متجاوزة لكافة الأخطاء التي بإمكانها إغراق منطقة بكاملها في وحل الفوضى، التي تنعش البؤر المتوترة في فضائنا الإقليمي.
الكاتب : بديعة الراضي - بتاريخ : 01/10/2018