أهمية المنازعات الانتخابية في توطيد الحقوق السياسية

مكتب مراكش: عبد الصمد الكباص

الولوج إلى العدالة الدستورية: الرهانات الجديدة للرقابة البعدية على دستورية القوانين، هو موضوع الندوة الدولية التي نظمتها يومي الخميس والجمعة بمراكش 27و 28 شتنبر الجاري، تحت الرعاية السامية لجلالة الملك المحكمة الدستورية بشراكة مع أكاديمية المملكة المغربية، والتي عرفت مشاركة وازنة لعدد من الخبراء والأكاديميين من قضاة وفقهاء القانون ومحامين من المغرب وعدد من البلدان الأجنبية.
الندوة التي تنظم بمناسبة الذكرى الأولى لتنصيب المحكمة الدستورية، تجسد تقليدا مستداما يريد من خلاله المنظمون جعل هذه المناسبة موعدا منتظما للتفكير وتبادل النظر في الرهانات الكبرى للعدالة الدستورية، مثلما تعتبر لحظة للتفكير بشأن الرهانات العملية المتعلقة بالرقابة اللاحقة على دستورية القوانين بوصفها آلية لحماية الحقوق الأساسية.
وكشفت المداولات العلمية لهذا اللقاء الفكري الهام، أن الرقابة اللاحقة على دستورية القوانين، عرفت تطورا لافتا، ذلك أن تحليل النصوص الدستورية على المستوى العالمي، مكن من معاينة أن 58 دولة أقرت نظاما للسؤال الأولي للدستورية، بصيغ مختلفة. أما آلية الدفع بعدم الدستورية، فقد تم إقرارها في 42 دولة، كما أن تجارب وطنية أخرى اعتمدت أشكالا مفتوحة من المراقبة المباشرة والمجردة لدستورية القوانين كآليتي  دعوى الصالح العام  actio popularis وشبه دعوى الصالح العام  quasi actio popularis المعتمدتين على التوالي في 22 و15 دولة. وضمن نفس المنطق، أقرت 10 دول آليات طعن ملموسة (بواسطة دعاوى أصلية) ضد قرارات معيارية،كما أن بعض التجارب الوطنية أحدثت آليات طعن ضد قرارات فردية يحتمل اتسامها بعدم الدستورية. وتندرج ضمن هذا الخيار مساطر دعوى الحماية  amparo، و دعوى المراجعة والطعن الدستوري الكامل، وهي مساطر تم إقرارها في 17 و22 و13 بلدا على التوالي. وتنضاف إلى هذا الإحصاء ،المبني على تحليل الدساتير المكتوبة، التجارب التي أقرت أنظمة للرقابة الدستورية انطلاقا من الاجتهاد القضائي، كما هو الشأن بالنسبة لتجربة الولايات المتحدة الأمريكية.
وأشارت الورقة التقديمية للندوة إلى أن هندسة طرق الطعن الدستوري، سواء كانت مركزة أو منبثة، مباشرة أو غير مباشرة، مجردة أو ملموسة، عن طريق الدعوى أو عن طريق الدفع، فإنها تغتني بشكل مستمر عبر التبادل، التكيف، والتثاقف الدستوري في نفس الوقت الذي تبقى فيه محددة بالخصوصيات الوطنية. وبغض النظر عن تنوع النماذج الوطنية ، فإن إرساء آليات للرقابة البعدية على دستورية القوانين، يعبر عن التزام راسخ بتوطيد دولة القانون.  و في هذا الإطار تندرج مختلف الاليات المشار إليها، التي صممت لتمكين المتقاضين من المساهمة في إنتاج « المعيارية الدستورية».
وأوضحت أشغال الندوة أن آليات الرقابة اللاحقة على دستورية القوانين، تثير أسئلة تتعلق بالتمفصل على عدد من المستويات: القواعد المرجعية المطبقة (الدستور، المعاهدات الدولية)، القواعد المرجعية المطبقة (دستور، معاهدات دولية)، تمفصل اختصاص المحاكم الدستورية مع المحاكم العادية والآليات الجهوية لحماية حقوق الإنسان.
إن هذه الأسئلة العملية تهم كل الأنساق، سواء كانت أحادية أو ثنائية، كما تهم كل المحاكم الدستورية كيفما كان الوضع الذي اعتمدته ، وضع الحد الذاتي (self -restraint) أو وضع النشاط القضائي  (judicial activism).
مداولات الندوة، كشفت أيضا، أن عددا من التجارب الوطنية اعتمدت منظومة متكاملة للمساعدة القانونية تتجاوز منطق »المساعدة القضائية«، حيث إن هذا التغيير الذي لحق البراديغم ، تم تسهيله جزئيا، بفضل التكريس المتزايد، لحقوق جوهرية للمتقاضين في الدساتير الوطنية وبفضل تطور المرجعية الدولية (المعيارية و التصريحية) المتعلقة بالولوج إلى العدالة.
و في هذا الإطار، أكدت وثائق الندوة أن على المنظومات الوطنية الجديدة للمساعدة القانونية أن تجيب عن رهان أساسي، وهو المتعلق بتسهيل الولوج إلى العدالة الدستورية للمجموعات الأكثر هشاشة، ويبقى دور مهنيي العدالة أساسيا في هذا الصدد ، إذ غدت رقمنة المساطر حلا معتمدا بشكل متزايد من طرف المحاكم الدستورية في ممارساتها الوطنية. مع العلم أن أحد التحديات المشتركة الذي تواجهه هذه المحاكم ، يتمثل في تدبير الانتقال من المادي إلى الرقمي، في علاقة بشكل خاص بصلاحية أعمال المسطرة وتطبيق مبادئ المحاكمة العادلة والهوة الرقمية.
وقائع الندوة، أكدت أيضا، أن التجارب الوطنية تواجه تحديات مشتركة تترجمها مجموعة من الأسئلة من مثل: كيف يمكن تصميم مسارات مسطرية سهلة الولوج بالنسبة للمتقاضين، ضامنة لتمفصل فعال بين المحاكم الدستورية والعادية؟ كيف يمكن تحقيق استجابة هذه المساطر للمتطلبات الوطنية والدولية المتعارف عليها في مجال النجاعة القضائية؟ وما هي الدروس المستخلصة من إعمال الحلول المسطرية المعتمدة من طرف كل تجربة وطنية؟  علما بأن الرقابة اللاحقة على دستورية القوانين، تتضمن، بالنظر لطبيعتها، سلسلة من المحددات يتعين أخذها بعين الاعتبار. ويندرج ضمن هذا الإطار مدى آثار القرارات المتخذة، وتنويع هذه الآثار في الزمن، حيث إن الأجوبة المقدمة عن هذه الأسئلة من قبل مختلف التجارب الوطنية، لها أثر حاسم على الأمن القانوني.
و كشفت مناقشات الندوة ، أهمية المنازعات الانتخابية، التي تندرج ضمن اختصاصات عدد من المحاكم الدستورية، في حماية الحقوق السياسية، خاصة بمناسبة تفسير الأحكام الدستورية المتعلقة بالانتخابات، حيث تساهم هذه الوظيفة، التي تتجاوز مجرد تطبيق القانون الانتخابي، في توطيد ضمانات نظامية و نزاهة الانتخابات.
و تناول المشاركون مجموعة من المواضيع التي تهم المحور العام للندوة منها: الإحالة و القواعد المرجعية، و آليات الدعم و رقمنة المساطر روافع للولوج إلى العدالة الدستورية، و المسارات المسطرية لولوج أفضل إلى العدالة الدستورية ، و المتطلبات الوطنية و الدولية في مجال النجاعة القضائية، و آثار القرارات المتخذة و الأمن القانوني. وقد ساهمت المنازعات الانتخابية في حماية الحقوق السياسية.

الكاتب : مكتب مراكش: عبد الصمد الكباص - بتاريخ : 29/09/2018