إدريس لشكر في جامعة محمد بن عبد الله بفاس

عبد السلام المساوي

مرة أخرى، كما مرات ومرات سابقة، يؤكد الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الأستاذ إدريس لشكر، حضوره الإعلامي والسياسي والفكري المتميز: يتحدث ويفكر ويرسل رسائل سياسية دالة وهادفة، بمسؤولية وحكمة، إلى كل من يهمه الشأن السياسي ببلادنا…
بالأمس، حل الأستاذ إدريس لشكر، الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، ضيفا على جامعة عبد المالك السعدي بتطوان، وقارب في محاضرته «الدولة الاجتماعية ورهان المستقبل في المغرب»، وزوال الأربعاء 5 ماي 2021، حل القائد الاتحادي برحاب جامعة عريقة، جامعة تاريخية، قاطرة النضالات الطلابية في السبعينيات، معقل القوى الديموقراطية الحداثية؛ جامعة محمد بن عبد الله بفاس بمركز الندوات والتكوين التابع للجامعة…
الحدث الفكري والسياسي عرف حضورا نوعيا ومكثفا لعشرات المناضلين والأساتذة والطلبة الباحثين…
طبعا ليس سهلا أن يحضر زعيم سياسي إلى معبد أكاديمي؛ فكري وعلمي… فالأمر يحتاج إلى كثير الجرأة السياسية والشجاعة الفكرية؛ يحتاج إلى رؤية إيديولوجية متماسكة، إلى وضوح الفكر ودقة المنهج… يحتاج إلى ثقة مبدئية في المشروع المجتمعي الذي يناضل من أجله… وكذلك هو الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي…
ومادام أن المنصت والمستقبل للخطاب، نخبة من الأساتذة والطلبة، فالأمر يقتضي تقديم عرض سياسي مقنع والقطع مع الشعبوية، وكذلك كان الأستاذ إدريس لشكر…
الحلقة الأولى
اليسار، بالرغم من كل الكبوات التي عرفها، فإنه لم يستسلم، بل في العالم كله قام بمحاولات إبداع لاستنهاض قوته، نستحضر هنا محاولة نهج الطريق الثالث مع شرودر وجوسبان وبلير….
ونحن اليوم، حزب فاعل في هذا الإبداع اليساري؛ أننا كحزب يساري اشتراكي مغربي، الحزب الوحيد في الأممية الاشتراكية والتحالف الاجتماعي التقدمي..
وبفضل تجذرنا في التاريخ والمجتمع، وبفضل اجتهادنا وإبداعنا نسجل أننا نكاد نكون الحزب الاشتراكي الوحيد الذي حافظ على ذاته واستمراره وتوازنه، في ظل التغيرات والتحولات العالمية التي أقبرت أحزاب اشتراكية عريقة في المنطقة العربية…
وبالرجوع إلى تجربة التناوب التوافقي التي قادها الراحل عبد الرحمان اليوسفي، نتفهم ضعف تمثيلية اليسار من عدد المقاعد في البرلمان، وهذا ليس استثناء مغربيا بل تجربة دولية، ولنا من التجارب الدولية ما يؤكد هذه الأطروحة بوضوح؛ فالانتقال من المعارضة إلى موقع المشاركة السياسية يؤثر سلبا على شعبية الحزب؛ فالحزب الاشتراكي الإسباني الذي قاد مرحلة الانتقال الديموقراطي بنجاح ما بعد فرانكو، تلقى ضربة قوية وموجعة بعد الاستحقاقات الانتخابية، رغم ما قدمه لإسبانيا من إنجازات كبرى ورغم ما حققه لإسبانيا من قفزة تنموية نوعية… ونفس الأمر ينطبق على الحزب الاشتراكي الفرنسي الذي عرف هزيمة انتخابية قاسية….
ولم يخرج حزب الاتحاد الاشتراكي عن هذا المنطق المجحف، لكن بتحد فكري وإصرار سياسي، حافظ على ذاته وحضوره عدديا وسياسيا وفكريا في المشهد السياسي بشكل متميز….
الاتحاد الاشتراكي الذي اقتات المحافظون الدينيون من الفراغات التي تركها خلفه ومن حوله، دون أن يقدروا على طرح أسئلته الجوهرية، مازال مؤمنا بأن المستقبل قابل للتدارك، ولذلك نراه يسعى لاستعادة المبادرة، لأنه يعرف أن هذا قدره، وأن استعادة توازن ميزان القوى في المجتمع واجبه الذي لا مفر منه….
منذ سنوات تراجع الاتحاد الاشتراكي كقوة انتخابية، ليس لأنه لم ينجح  في أن يستقطب إليه الناخبين والناخبات، هو لم يعد انتخابيا لأن الزمن ككل لم يعد زمنه، منذ أن صار الإسلاميون، مع أكذوبة «الربيع العربي»، الزبائن المفضلين لكراسي السلط والتمثيلية…
ويوم تراجع الاتحاد الاشتراكي كقوة انتخابية لا كقوة سياسية وفكرية وتخلى عن الشارع، تسلطن الإسلاميون والانتهازيون الذين لا لون سياسي ولا إيديولوجي لهم… الذين لا يهمهم المغرب ولا شباب المغرب…
وهنا كل الحكاية ومكمن الداء الذي يسعى الاتحاد الاشتراكي، علاجه، وليس أمامه من خيار آخر غير رفع راية النجاح في وجه الشامتين في حاضره والناقمين على ماضيه.
إزاء ما ألم  ببعض مكونات الحقل الحزبي ببلادنا من وهن وتراخ في الاضطلاع بواجباتها الدستورية وركوبها للشعبوية كطريق سهل لربح الانتخابات، وتغييبها للعروض السياسية، واللجوء إلى تبادل السب والشتم في ما بينها… فإن بلادنا أمست في أمس الحاجة إلى الاتحاد الاشتراكي، حزب حداثي، تقدمي، قادر على تجسير الفجوة المتفاقمة بين الطبقة السياسية، الحزبية المنكفئة، والقوى الشعبية المتحفزة، من جهة أولى، وعلى تأمين التجاوب الفعال مع الحاجات الأساسية والترقبات المشروعة للشعب من جهة ثانية، وعلى استشراف أفق جديد، وابتكار مقاربات مستجدة، ومناهج مستحدثة للتأطير السياسي للمجتمع، وتعبئة قواه الحية، لمواصلة مسيرة التغيير والتحديث والتنمية من جهة ثالثة.
إن الرهان اليوم واضح للغاية، غير قادر على مداراة نفسه؛ هذا الحزب محتاج لكل الاتحاديات والاتحاديين؛ محتاج للقادرين على الدفاع عنه، المستعدين لبنائه والصعود به، المفتخرين بالانتساب إليه، المصارحين بحقائقه كلها، صعبها وسهلها، حلوها ومرها، لكن المنتمين له لا إلى جهة أخرى.
الاتحاد الاشتراكي قوة دفع تقدمية، يسارية، اجتماعية-ديموقراطية تروم إصلاح وتطوير الأوضاع والمساهمة في رسم خطوط المستقبل، ومناط تحول في المجالات كافة، السياسية والمؤسساتية والاجتماعية والثقافية….
إن الاتحاد الاشتراكي الوفي لتاريخه الوطني، المتشبع بهويته التقدمية، المستند إلى جذوره الاجتماعية-الشعبية، ليشكل في عالم اليوم قوة سياسية، حداثية، تنخرط بوعي ومسؤولية في المساهمة في صنع مستقبل البلاد..
إن الاتحاد الاشتراكي أداة إصلاح وتغيير في الحاضر ومناط تطوير وتحديث في المستقبل، وأن قدراته السياسية والفكرية على التكيف والرؤية البعيدة، ومؤهلاته النضالية والميدانية، تجعل منه قوة فاعلة في حاضر البلاد ومستقبلها، كما كان وقود نضال وتغيير في الماضي البعيد والقريب….
إن الاتحاد الاشتراكي كان دائما مالكا للأفق المستقبلي ومن ثم كان يستشرف المستقبل ويفعل في الأحداث وكان له بعد نظر يجعله يستبق هذه الأحداث ويقود معاركها.
وإن بناء الأفق الاتحادي وتجديده مشروط بسيادة الوعي الجماعي، وبسيادة الإرادة الجماعية لدى الاتحاديات والاتحاديين؛ وأن هذا الوعي الجماعي يجب أن يكون سائدا وفاعلا مستبقا للأحداث وليس مسايرا لها ويكتفي بالتعليق عليها؛ إن الذكرى الستين التي فتحت هذا الأفق مناسبة تاريخية للاتحاديات والاتحاديين للعودة من أجل بناء فكر اتحادي جديد؛ بناء ثقافة اتحادية جديدة وتأسيس أفق اتحادي جديد مبني على مشروع جديد…
لقد ترجم الاحتفاء بالذكرى الستين للاتحاد الاشتراكي إرادة سياسية قوية تروم العمل بعزم ومثابرة على إطلاق دينامية ثقافة جديدة؛ تتجاوب ومتطلبات التحولات المجتمعية العميقة التي تغشى بلادنا اليوم. وترجمت هذه المحطة الجديدة؛ محطة المصالحة والانفتاح حقيقة التفاعل الإيجابي، البناء بين التوجه النضالي الراسخ للحزب، ومتطلبات النهوض بالواقع السياسي، الاجتماعي الوطني.
إن مبادرة المصالحة والانفتاح تستلهم روح وقيم السجل النضالي للاتحاد الاشتراكي من جهة، وتستشرف من جهة أخرى، أفق التحول السياسي المنشود في مغرب الديموقراطية والتنمية والتقدم.
إن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الذي نشأ وترعرع في حمأة النضال من أجل ترسيخ الديموقراطية، وتحقيق العدالة الاجتماعية، ونهج سبل التنمية الشاملة، وتعزيز دولة الحق والقانون والمؤسسات، ليشدد التأكيد من جديد على الإرادة القوية التي تحذوه على تقوية جذور التواصل وتعزيز ديناميات التفاعل مع القوى الشعبية الحية بالبلاد، التي يجمعها وإياه ميثاق التلاحم المتين والنضال المستميت، في سبيل الارتقاء بالبلاد إلى أسمى درجات النهوض والتقدم، في شروط الأمن والاستقرار والازدهار.
إنها مسؤولية جسيمة، ومهمة نبيلة، تسائلان بقوة كافة الاتحاديات والاتحاديين للنهوض بهما؛ من أجل كسب رهان التقدم والحداثة، وتوفير حظوظ مستقبل زاهر للأجيال الصاعدة…
إن واجب الوفاء والامتثال للمبادئ السامية والقيم النبيلة التي أسست لميلاد «الاتحاد الوطني/الاتحاد الاشتراكي»، وأطرت مساره السياسي، ورسخت خطه النضالي في مختلف المراحل والمحطات؛ أن يعود الاتحاديون والاتحاديات إلى الاعتصام بحبل التآلف والالتحام، على قاعدة نفس المبادئ والقيم التي جعلت من حزبهم أنموذجا فذا في الوفاء والالتزام بقضايا الشعب والبلاد، مهما كلفه من تضحيات ونكران الذات….
إن الاتحاديات والاتحاديين عازمون اليوم، أكثر من أي وقت مضى، الانخراط في المعركة المصيرية، معركة هزم قوى الفساد التي تتهدد المغاربة في امتلاك مصيرهم… وعازمون الوقوف في وجه الشاردين الذين لا يهمهم هذا الوطن ولا أبناء هذا الوطن، كل ما يهمهم إشباع طموحاتهم الذاتية ومصالحهم الدنيئة..
والاتحاديات والاتحاديون عازمون اليوم على التصدي لكل من يحاول جرهم إلى حسابات سياسوية ضيقة أو حروب شعبوية، وعازمون على الوقوف في وجه كل النزوعات التي تروم إضعاف الاتحاد الاشتراكي، وهي نزوعات أناس وأحزاب لم يسبق لهم أن ناضلوا من أجل الوطن، لكنهم اليوم من أصحاب  «الزعامة الطارئة»، وهم الذين تخلفوا عن كل المعارك القاسية التي خاضها الشعب المغربي وخاضها الاتحاد الاشتراكي… فأين كان هؤلاء زمن النضالات المفصلية… أين كانوا حين كان الاتحاديون يواجهون آلات الخصوم والأعداء؟! طبعا، الجواب جاهز لا يحتاج إلى عناء بحث وتفكير؛ إنهم كانوا على هامش الوجود وخارج التاريخ….
الاتحاد الاشتراكي قاطرة اليسار المغربي، ومن الخطأ الاعتقاد أن إضعافه يخدم الديموقراطية والتحديث، وهذه إحدى الخلاصات التي لن يبرح «متضخمو الأنا والزعامات» أن يقروا بها على اعتبار أن خيارات التحديث والديموقراطية لا يمكن أن تتحقق بدون حزب من وزنه…
إن الاتحاد الاشتراكي هو ملك لكل المغاربة وليس ملك نفسه، وهو بذلك معني، من وجهة نظر التاريخ، ليس بمصيره الخاص فقط، بل بمصير العائلة الديموقراطية كلها والعائلة التحديثية بشكل عام، وعلى هذا الأساس ينظر إليه كرقم أساسي في أجندة البلاد، وعلى هذا الأساس أطلق الكاتب الأول الأستاذ إدريس لشكر نداء الوحدة الاتحادية…
لقد أثبت التاريخ  فشل كل المحاولات «أشخاص ومجموعات» التي أرادت أن «تقتل» الاتحاد الاشتراكي… والتي تخصصت في (النضال) من أجل إعلان (نهاية الاتحاد الاشتراكي)… وتجاهلت، عن سبق إصرار وترصد، الخصم والعدو الحقيقي للديموقراطية والحداثة…
مرت تحت الجسور سيول، ولم يعد وفيا للفكرة الاتحادية إلا الاتحاديات والاتحاديون الصادقون الأوفياء الذين ظلوا على الإيمان المبدئي الأول المبني على الانتماء للاتحاد الاشتراكي فعلا لا قولا….
إن الاتحاد الاشتراكي ليس بنية منغلقة، ليس أجهزة يتربع عليها زعماء احترفوا السياسة، إن الاتحاد الاشتراكي بيت مفتوح وحق مشاع لكل المغاربة المؤمنين بقيم الديموقراطية والحداثة والعدالة الاجتماعية….

الكاتب : عبد السلام المساوي - بتاريخ : 07/05/2021