إفريقيا بدون لقاح في عالم غابت عنه قيم التضامن

باريس يوسف لهلالي

في الوقت الذي تتسابق فيه الدول الكبرى على حجز اللقاحات لمواطنيها، فإن إفريقيا لم يصلها إلا عدد محدود جدا منها، اذا استثنينا حالة المغرب الذي حصل على لقاحات لمواطنيه أكثر من بعض بلدان الاتحاد الأوروبي مثل فرنسا، وسجل تلقيح حوالي مليونين ونصف المليون شخص، وهو ما يشكل أكثر من 94 في المائة من الملقحين بالقارة الافريقية.
ويعتبر المغرب البلد الافريقي الوحيد الذي ربح هذا الرهان وهو الحصول على لقاحات لمواطنيه وبنسبة مهمة حسب عدد سكانه، ومن مصادر مختلفة، وقام بشراء 22 مليون لقاح استرازينيكا البريطاني و40 مليون لقاح من سينوفارم الصيني التي شارك في تجاربه الاكلينيكية. لكن لم يتوصل حتى الساعة الا بمليون لقاح من الصين في حين توصل من الهند بـ 6 مليون لقاح استرازنيكا، وهو ما يعطيه السبق بإفريقيا وفي العالم من حيث عدد الأشخاص الملقحين.
المغرب حقق نجاحا كبيرا مقارنة ببلدان كبيرة بإفريقيا مازالت لم تحصل على كميات من اللقاح تتلاءم مع حاجيات سكانها، رغم إمكانياتها الكبيرة مثل جنوب افريقيا، ومصر ونيجيريا والجزائر، وهي بلدان يصدر بعضها الغاز والبترول بكميات كبيرة، وتتوفر على إمكانيات مالية كبيرة من العملة الصعبة.
السباق العالمي من أجل اللقاح هو معقد وفشلت فيه العديد من البلدان، حيث لا يكفي أحيانا التوفر على المال من أجل الحصول عليه، والعديد من بلدان إفريقيا، التجأت إلى الصين وروسيا من أجل الحصول على اللقاح ولو بكميات محدودة لا تتعدى مئات من الآلاف وهو رقم غير كاف لوضع حملة تلقيح حقيقية، وهي حالة بلدان مثل مصر، الجزائر، السنغال وجنوب إفريقيا، حسب الإحصاءات التي توفرها منظمة الصحة العالمية. والحصول على هذه الكميات الصغيرة هو للإعلان السياسي ومن أجل القول للرأي العام إن هذه البلدان تتوفر على اللقاح.
ومن أجل التضامن في هذا المجال، وتمكين الدول الفقيرة أو غير المنظمة من الحصول على اللقاح تم خلق برنامج كوفاكس لصالح هذه البلدان. ونشرت آلية كوفاكس لائحة البلدان التي سوف تتلقى اللقاح ضد وباء كورونا، والتي سوف تحصل عليه في النصف الأول من سنة 2021 ومن بين هذه الدول كوريا الشمالية، الجزائر، بنغلاديش وغزة. وسوف يتم توزيع ما يقارب 340 مليون جرعة من أجل تلقيح 3.3 في المائة من مجموع الدول 145 وسوف يتم التركيز على المواطنين الأكثر عرضة للمرض ولا سيما أعضاء الفرق الطبية، حسب منظمة الصحة العالمية.
ويتضمن برنامج كوفاكس آلية تمويل موجهة للدول الفقيرة، وثمة 92 بلدا تستوفي كل المواصفات المطلوبة للاستفادة من هذا الدعم.
وتمكن هذا البرنامج من الحصول على ملياري دولار لتمويل اللقاحات، والخبر السار في هذا المجال هو انضمام ادارة الرئيس الأمريكي جون بايدن الى هذا البرنامج وعودة التعاون الدولي في هذا المجال. واعلنت الإدارة الجديدة عن تخصيص 4.3 مليار دولار لبرنامج كوفاكس، وألمانيا 1.5 دولار، والاتحاد الأوربي أعلن عن مضاعفة مساهمته الى مرتين، أما بريطانيا فقد أعلنت أنها سوف تخصص الفائض من حاجياتها من التلقيح لهذا البرنامج. أما مقترح فرنسا تخصيص 5 في المائة من اللقاحات الموجودة لديها الى البلدان الافريقية الفقيرة ، فانها مبادرة لم تقبل خلال اجتماع مجموعة السبع الخميس الماضي.  وصرح ماكرون «فلننقل اليوم 3% أو 5% من اللقاحات الموجودة لدينا إلى إفريقيا. هذا ليس له تأثير على وتيرة استراتيجية التطعيم (في الدول الغنية). إنه لا يبطئها أبدا»، وتابع «هذا في مصلحة الفرنسيين والأوروبيين لأن «لدي أكثر من 10 ملايين مواطن لديهم عائلات على الجانب الآخر من البحر الأبيض المتوسط.وشدد على ضرورة «ممارسة ضغوط شديدة جدا» على المختبرات الدوائية الكبرى لزيادة إنتاج اللقاحات. وأكد مدير منظمة الصحة العالمية تيدروس أهمية «التوزيع العادل» للقاح في إفريقيا وأمريكا الجنوبية بشكل خاص. ومن أجل «تسريع» حملات التلقيح في الدول الناشئة لا بد من تضامن حقيقي على المستوى الدولي خاصة أن التلقيح ثمنه باهض جدا بالإضافة الى ندرته، ما عدا بعض المختبرات مثل استرازينيكا البريطاني الذي التزم ببيع التلقيح بثمن مقبول وفي متناول مختلف البلدان، لتجنب حرب جديدة للقاحات واستغلال بعض الدول له كسلاح ديبلوماسي، لأن المشكل اليوم مطروح حتى للبلدان الغنية التي لا تجد اللقاح الكافي لسكانها لعجز مختبرات الصيدلة عن تصنيع كميات كافية.
وتجنبا لحرب اللقاحات، فإن الشركات المصنعة التزمت برفع وتيرتها سواء فايزر/بايونتيك وموديرنا، كما أن استرازينيكا التي تعرضت منذ أيام لانتقادات أوروبية حادة بسبب تأخر كبير في الإنتاج، «ستبدأ عملية التسليم قبل أسبوع من الموعد المقرر أصلا» و«ستوسع أيضا قدرتها الإنتاجية في أوروبا».
حرب اللقاح التي يعرفها العالم اليوم من أجل الاستحواذ على أكبر كمية وتلقيح أكبر عدد من السكان، لم يتمكن الاتحاد الاوربي من الفوز بها بل فازت بها بلدان مثل الولايات المتحدة الامريكية،اسرائيل وبريطانيا.
السباق من أجل الحصول على اللقاح بين بلدان العالم غاب عنه التضامن، ونفس السباق والمنافسة التي وقعت على الحصول على الاقنعة الطبية تتكرر من جديد.
من المؤكد أن وصول إدارة أمريكية جديدة تؤمن بالتعاون الدولي وخصصت ميزانية مهمة لبرنامج كوفاكس، سيمكن من أحد أدنى من التضامن، والتخفيف من ضغط ديبلوماسية اللقاح التي تستغلها بعض البلدان وتضغط بها على البلدان الفقيرة، بل تسلمها أحيانا لقاحات لم تحصل على التراخيص اللازمة في هذا المجال، نحن في سباق دولي يغيب عنه التضامن والأخلاق.

الكاتب : باريس يوسف لهلالي - بتاريخ : 23/02/2021