بالصدى .. الجرثومة والمخططات!

 وحيد مبارك

استطاع مرض السلّ مرة أخرى أن يسجل إصابة، ليس فقط في مرمى وزارة الصحة لوحدها، بل في عرين كل القطاعات الحكومية المعنية بهذا الداء، بالنظر إلى أن هذا المرض الفتّاك هو لايقف عند حدود ما هو صحي مرضيا، وإنما يمتد ليشمل محددات أخرى، اقتصادية واجتماعية، تتحكم في سياقات الإصابة به واستمرار تفشيه، لها علاقة بنمط العيش وجودة الحياة، ويرتبط بطبيعة السكن ونوع التغذية وغيرها من العوامل، مما جعلها بأجمعها تعجز عن دحره خلال كل هذه السنوات، رغم المخططات والبرامج الوطنية، والوصلات الإشهارية الموسمية، والحملات المناسباتية، وضدا على أهداف الدعم المالي الخارجي والداخلي الذي يصرف عليها، والخبرة الكورية التي تمت الاستعانة بها، والوسائل التكنولوجية، على أمل مواجهة الانقطاع عن تناول الدواء، مادامت مؤشرات المرض ومعدلاته هي تتفاقم يوما عن يوم، بشهادة وزارة الصحة نفسها، وهو ما تؤكده أرقامها، التي تحاول جاهدة التلطيف من حدّتها، والتخفيف من وقعها باعتماد رقمنة مصحوبة بنفس وردي، لعلّها تمكّن المتلقي من تجرّعها ولو بمرارة!
مرض السلّ، الذي استطاع النفاذ إلى المغرب وضمان موقع قدم له ما بين سنة 1900 و 1903، أي بعد حوالي 21 سنة على ظهور جرثومة كوخ، أبى إلا أن يظل «مصاحبا» للمغاربة، بل وأن يكون سببا في سلب أرواح بعضهم، في السجون، والملاجئ، وغيرها من الفضاءات التي تعاني من الاكتظاظ ومن بنية مساعدة على استمرار حضور المرض وتفاقم حدّته، فتغلغل في الأحياء الشعبية المكتظة بالساكنة، المفتقدة للتهوية الجيّدة والبعيدة عن أشعة الشمس، حيث يعيش المعرضون لخطر الإصابة به كل عناوين الهشاشة والإقصاء، وحيث ينتشر التدخين ويحضر الإدمان على المخدرات، والتي تشكّل بأجمعها تربة خصبة لاستئساد المرض، الذي ينطلق بسعال متواصل وينتهي بعلّة، تضع الدولة علاجها رهن إشارة المرضى، لكن ما كلهم يخضعون للعلاج، وإن هم استفادوا منه، فإن عددا كبيرا منهم لايتممه، فيتطور المرض إلى سلّ مقاوم للأدوية، دون إغفال السل الرئوي المعدي. فكثير من المرضى هم يحسون بتحسن بعد أسبوعين أو ثلاثة على تناول الدواء، فينصرفون لحال سبيلهم، منهم من يغادر المدينة صوب وجهة أخرى، ومن يعود إلى القرية، ومن يشتغل في أعالي البحار لأشهر، وهناك من يجد نفسه داخل أسوار السجن لسبب من الأسباب، وغيرها من العوامل التي تجعل فئة عريضة من المرضى لاتتمم العلاج المحدد في 6 أشهر والذي يمكن أن يمتد إلى ما هو أكثر من هذه المدة، فيصبح المرض الذي يحمله المريض بين رئتيه مهددا لحياته ولحياة غيره إذا كان من النوع المعدي، سيّما وأن انتشاره يتميز بالسهولة في ظل عدم التقيد بعدد من الشروط الوقائية؟
لقد خلّد المغرب ومعه دول العالم فعاليات اليوم العالمي لداء السل يوم الجمعة الأخير، والذي شكّل مناسبة لتداول المعطيات، والكشف عن القادم من الخطوات، التي تعلن عن مخططات جديدة بميزانيات إضافية، دون أن تكلّف الجهات المختصة نفسها إجراء تقييم موضوعي بشأن عدم نجاح المخططات السابقة وعجزها عن تحقيق الأهداف المنشودة، وعلى رأسها تلك التي تخصّ الألفية الإنمائية، وتقديم حصيلته، ويكفي هنا أن نشير كيف أن الصندوق العالمي لمكافحة الإيدرز والسل والملاريا دعّم المغرب بحوالي 85 مليون درهم ما بين 2012 و 2017، وتم الرفع من الميزانية السنوية للبرنامج الوطني لمحاربة السل من 30 مليون درهم خلال 2012 إلى 60 مليون في 2016، واليوم يتم الإعلان عن خطة جديدة أطلق عليها إسم الاستراتيجية الوطنية لمكافحة السل 2017 ـ 2021، والحال أن معدل العلاج من مرض السل لم يعرف تقدّما منذ سنة 1995، لكونه ظل متوقفا عند حدود نسبة 86 في المئة!
أسباب السل هي واضحة ومعلومة، والعوامل المساعدة على انتشاره هي الأخرى ليست بالمستترة، غبر أن هناك سعيا حثيثا، غير مفهوم، على ترك لبّ الإشكال مقابل الاهتمام ببعض الأعراض، بالاعتماد على أشكال فضفاضة غير مدققة، وتسطير برامج وطنية لاتستحضر البعد الجهوي والمحلي، وما جهاز تتبع تناول الدواء من عدمه بالنسبة للمرضى، الذي جرى توزيعه في 2014 على فئة من المصابين بسلا، وخلال 2016 على فئة أخرى بالدارالبيضاء على مستوى المناطق الأكثر تضررا، بكل من ابن مسيك، والدارالبيضاء آنفا، ثم درب السلطان، إلا آلية، بالرغم من تقدّمها فهي عنوان على «ترف» بالنظر إلى «نخبويته» في صيغته الحالية ونحن في السنة الرابعة من العمل به، دون أن يكون في متناول جميع المرضى ليكون بذلك إجراء فئويا؟
إن الحملات الطبية الظرفية، واللقاءات التواصلية المناسباتية، والاقتصار على التعامل مع الحالات المرضية التي تفد إلى المراكز الصحية دون القيام بعمل تشخيصي حقيقي على مدار السنة بالأحياء المستهدفة ، كما بالمؤسسات المغلقة، للكشف عن الإصابات المستترة في بدايتها، وجعل محاربة السل مرهونة بعلاج المرضى الذين تم إحصاؤهم، لن يكون حلا ناجعا، مهما امتدت السنوات وتناسلت المخططات، مادام الأضواء تسلّط على كل الحواشي باستثناء قلب الإشكال و جوهره!

 

الكاتب :  وحيد مبارك - بتاريخ : 25/03/2017