احتفاء باليوم العالمي للشعر

مصطفى خُلَالْ

يعود الفضل لشعراء المغرب في تخصيص 21 مارس من كل سنة يوما عالميا للشعر يُحْتَفَى بالقصيد فيه ويُسْمَعُ للشعراء يقرؤون أشعارهم على متذوقي النغم الشعري. وأظنه، إذا لم تخني الذاكرة، الشاعر محمد بنيس (من المغرب) من اقترح على الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي الأمر كي يدعم المقترح المقدم إلى هيئة الأمم المتحدة. وكان ذلك في الشهور الأولى وهو يقود وقتها أول حكومة يرأسها اشتراكيون مغاربة في لحظة من التاريخ الوطني استثنائية وصعبة للغاية.
وموجز الحديث أن الجلسة العمومية لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) أعلنت في العام 1999 تاريخ 21 مارس يوما عالميا للشعر، فأضحى القصد فضلا عن أصل الأصل، والذي هو الشعر، دعم التنوع اللغوي والتعدد الثقافي للمجتمعات البشرية، وذلك من خلال التعبير الرمزي للشعر. مثلما أضحت الغاية البعيدة منح اللغات المهددة بالاندثار إمكانية الالتفات إليها في الجماعات البشرية التي تنتمي إليها، ومن حسن الطالع أن الإعلان تم في مدينة الأنوار الفرنسية، باريس. وغني عن البيان أن المسلك يروم تحديدا قراءة الشعر في هذا اليوم ذي الغضائر، مفتتح شهر الربيع والأزهار وأقحوان «الكوكوليكو». قراءة الشعر والتشجيع عليها ونظمه والإشهار له وتعليمه للأطفال والشباب من كل الأعمار في العالم كله وترسيخ الاعتراف بالشاعر وشموخ موقعه في الثقافة والمجتمع، ومن خلاله إعطاء دفعات جديدة للحركات الشعرية: عالمية ووطنية ومحلية…
واعترافا ينبغي القول إن للشعر في التقليد العربي خاصة كما سنشير لاحقا موقع لائح متراء ليس مطموسا ولا مكنونا. فنحن الشعب الوحيد في العالم الذي ينظم للشعر لقاءات تطابق لقاءات الفرجة، فيقرأ الشعراء أمامنا قصائدهم ونهتز بالتصفيق لمقاطع تزلزل عواطفنا. بل ونوظفه في معاركنا من كل نمط توظيفا حتى لأننا حولناه إلى حق من حقوقنا الثقافية. والشاعر عندنا نستشهد به في القول وفي هاتيك المعارك حتى، بل ونرقى به إلى مراتب ثقافية لا ينافسه فيها سوى فن الطرب والموسيقى والرقص والباليه، وهم جميعهم لهم في الشعر أُسُ وفيه لهم مراكن… وأما المسرح فيتبادل وإياه اللجوء باستمرار، في حين تغار الرواية والقصة والتشكيل من استبداده الفاتن هذا وطغيانه الصبيح ذاك، وأكثر «من» تغار منه تجد الفلسفة بالرغم من أنها تربطه بها وشائج روحية لا تنفصم. ويكفي الشعر فخرا ومعه الفلسفة طبعا، الفلسفة التي خصصت له منذ عشرات القرون كتابا فلسفيا محضا بقلم شيخ الفلاسفة أرسطو، ولن نحدثك فيه بالرغم من أن المناسبة تفرضه فرضا ذلك أن موضوعه فلسفي صرف بالرغم من أنا عودناك في معظم مقالاتنا على الانتصار للمفهوم الفلسفي لا لغيره.
وفي التراث الأمازيغي المغاربي ثروة شعرية لا تُضاهى… كما في الموروث العربي للعرب قبل – الإسلام، كما في التراث الديني للمسلمين احتفاء بالشعر لا يُعَادَلُ إذ كان ويكون اللجوء إلى سلاح الشعر، مسلكا معهودا يتم توظيفه لاستحسان أو لاستقباح.
هو ذا حتى أنه كان لنبي الإسلام شعراؤه يُدافعون شعراءَ من خصومِه من العرب. يؤكد هذا حديث الرسول: (إن لله يؤيد حسان بروح القدس، ما ينافح أو يفاخر عن رسول لله). ويؤكده أيضا ما ورد عن زوجته عائشة في حديثها المشهور: (كان رسول الله يضع لحسان بن ثابت منبرا في المسجد يقوم عليه قائما يفاخر(..) أو ينافح عن رسول لله). وإنك لتعلم أن حسان بن ثابت كان أحد شعراء النبي العربي الثلاثة الأكثر شهرة ورسوخا، وهم عبد الله بن رواحة وكعب بن مالك وحسان هذا. ومن قوة أثر الشعر في الحياة، حياة العرب وعلاقتهم بالإسلام الأول استعمال الشعر في معركتي (الإيمان) و(«الكفر») إلى درجة أن دوسا سَلِمَتْ خوفا من بيت قاله كعب:
نخيرها ولو نطقت لقالت
قواطعهن دوسا أو ثقيفا
وإذا كان للمغرب فضل اقتراح يوم عالمي للشعر، فإن لَفِيهِ فخرا لنا وزَهْوا نحن أمازيغ وعرب المغرب، لا يضاهيه سوى فخر وزهو فرنسا ذات اقتراح يوم عالمي للموسيقى كما قدمه لذات المنظمة الأممية (جاك لانغ)، والذي ينتظم في العالم كله يوم 21 حزيران يونيو من كل سنة. ومثلما استثمر جاك لانغ منصبه وزيرا للثقافة في ولاية فرانسوا ميتران، فقد استثمرنا نحن أيضا منصب الوزارة الأولى لاشتراكي آخر من الضفة الجنوبية للمتوسط (عبد الرحمان اليوسفي). وها نحن نرى كما ترى ليس الأبقى في الزمن، مبنى ومعنى، سوى للمغذي النجيع المفيد.
وانا لنبسم اليوم وقد قالت صاحبتي: أسمعك تنغم هذا الصباح بالشعر، ولم آلف أن تكون هذه عادتك. وكانت مناسبة للصلح بعد نزاع مفرط الأنانية حول من يقرأ الأول رواية (الحرب والسلام) لتولستوي. ولتوطيد الصلح أكثر استقرأتها خبر ومقالة شاعر مغربي (حميد اجماهري) (من المغرب) راح بقدميه وبمحض إرادته إلى السجن (لقد قرأتم جيدا) كي يقرأ على نزلاء الزنازن في إحدى عواصم الأطلس البهي…الشعر، فقلت في خاطري أنا أيضا، مهما ساء هذا العالم واحترب فكم هو جميل. وعدت إلى نغمي أقرأ لنفسي بصوت متخفي قصيدة بودلير التي تخلبني حقا، قصيدة: Elévation

الكاتب : مصطفى خُلَالْ - بتاريخ : 22/03/2022