الاتحاد مدرسة والقيادة حكيمة

عبد السلام المساوي

في لحظة وطنية مفصلية، اجتمع القصر الملكي مع القوى السياسية حول ورش تحيين مبادرة الحكم الذاتي، فبرز صوت الاتحاد الاشتراكي من جديد عبر حوار ذ إدريس لشكر في برنامج «نقطة إلى السطر».
الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية كان السبّاق إلى إجراء حوار مطوّل على قناة عمومية، لعرض موقف القيادة الحزبية من التحولات السياسية التي تشهدها بلادنا بعد قرار مجلس الأمن الأخير.
إنها مبادرة ذات دلالات عميقة في السياق السياسي والمؤسساتي والاقتصادي والاجتماعي الراهن، تُجسّد الانتقال من الخطاب إلى الفعل، ومن التفاعل إلى المبادرة في زمنٍ يتطلّب الوضوح والجرأة والمسؤولية.

لحظة تؤسّس لمرحلة جديدة

قال ذ إدريس لشكر: «ما بعد 31 أكتوبر سيكون له ما بعده على كافة المستويات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وخاصة عبر إصلاحات سياسية مهمة في إطار الاستمرارية وضمان تمتع جميع المواطنين والمواطنات بحقوقهم على قدم المساواة».
بهذه العبارة لخّص الكاتب الأول المرحلة الجديدة التي يعيشها المغرب بعد القرار الأممي الذي كرس سيادة المملكة على كامل ترابها الوطني. وأضاف: «إن الحكم الذاتي يشكّل جزءًا من الإطار المؤسساتي للدولة، ومكانه الطبيعي هو الدستور».
وفي هذا السياق، يمكن قراءة الاجتماع الذي انعقد بالديوان الملكي يوم 10 نونبر 2025 كميلادٍ لمرحلة جديدة من التشاور الوطني، تُكرّس فيها المقاربة التشاركية التي دعا إليها جلالة الملك محمد السادس، نصره الله، عبر إشراك الأحزاب في بلورة تصور محدّث ومفصل لمبادرة الحكم الذاتي. وقد عبّر ذإدريس لشكر في حواره التلفزيوني عن رؤية اتحادية مسؤولة تجمع بين العمق في التحليل والاتزان في الخطاب، وتعيد للسياسة معناها الوطني الأصيل.
1. مشاورات الديوان الملكي: التعليمات الملكية ومأسسة المقاربة التشاركية
جاء الاجتماع الملكي الذي ترأسه مستشارو جلالة الملك تنفيذًا لتوجيهات سامية واضحة بشأن تحيين مبادرة الحكم الذاتي في إطار السيادة المغربية.
وأكد البلاغ الرسمي الصادر عن الديوان الملكي حرص جلالته على إشراك الأحزاب الوطنية الممثلة في البرلمان لتقديم تصورات ومذكرات حول تحيين المبادرة، في تجسيدٍ فعلي لمبدأ المشاركة الوطنية الواسعة في القضايا المصيرية.
وفي هذا الإطار، قال ذإدريس لشكر إن الأحزاب السياسية اليوم «مطالبة بتقديم تصور محيّن ومفصل لمبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، استنادًا إلى التجربة المغربية في ترسيخ الجهوية المتقدمة».
إن هذا التوجه الملكي، كما أوضحه الكاتب الأول ، يعيد صياغة العلاقة بين الدولة والأحزاب على قاعدة المسؤولية المشتركة، ويحوّل القوى السياسية من متلقٍّ إلى شريكٍ فاعل في تنزيل المبادرة. إنها خطوة تؤسس لمرحلة جديدة من الممارسة السياسية العقلانية وتُضعف الخطاب الشعبوي الذي يختزل القضايا الوطنية في سجالاتٍ عابرة
2. إدريس لشكر في «نقطة إلى السطر»: خطاب العقل والمسؤولية
لم يكن ظهور ذ إدريس لشكر في البرنامج التلفزيوني مجرد لقاءٍ إعلامي عابر، بل كان مبادرة سياسية تواصلية واعية هدفها تثبيت موقع الاتحاد الاشتراكي في قلب التحولات الوطنية والدفاع عن الرؤية الاتحادية بلسان الوضوح والمسؤولية.
قال ذ إدريس لشكر في الحوار: «قرار مجلس الأمن الأخير بتأكيد سيادة المغرب على صحرائه جاء تتويجًا لمسارٍ طويل من الدبلوماسية الملكية».
وأكد أن المرحلة الجديدة «تستلزم تعبئة كل الفاعلين من أجل تكريس الوحدة الترابية وتعزيز التنمية المتوازنة».
إن خطابه، في جوهره، يجسد ثلاث رسائل سياسية واضحة:
أولاً، أن الاتحاد الاشتراكي جزءٌ من الجبهة الوطنية الجامعة التي تدافع عن الثوابت الوطنية.
ثانيًا، أن الإصلاح السياسي والإداري جزء لا يتجزأ من الدفاع عن الوحدة الترابية.
ثالثًا، أن المشاركة لا تُختزل في البلاغات، بل في الفعل الميداني والتفكير المشترك في مستقبل الحكم الذاتي كصيغة مغربية خالصة.
وحذّر ذ إدريس لشكر من أن خصوم الوحدة الترابية لن يقفوا مكتوفي الأيدي، بل سيواصلون مناوراتهم، داعيًا إلى «اليقظة والجاهزية الإعلامية والسياسية» لتفنيد كل الدعايات المغرضة. وهنا تتجلى مبادرته الإعلامية كجزء من المعركة الوطنية — فظهوره في البرنامج لم يكن حدثًا بروتوكوليًا، بل رسالة سياسية موجَّهة تؤكد أن حزب الاتحاد يواكب الدولة في الدفاع عن السيادة برؤيةٍ مؤسساتية وعقلانية.
3. الاتحاد الاشتراكي: من الدفاع عن الصحراء إلى بناء الإصلاح الوطني
في قراءته للمشهد العام، يؤكد ذ إدريس لشكر أن الدفاع عن الصحراء المغربية لا ينفصل عن بناء دولة حديثة عادلة. فالحكم الذاتي في جوهره ليس مجرد مقترح دبلوماسي، بل فلسفة إصلاحية متكاملة تستند إلى اللامركزية، والديمقراطية المحلية، والمواطنة الفاعلة.
لقد اعتبر لشكر أن المرحلة المقبلة هي مرحلة “المأسسة السياسية” للحكم الذاتي، أي تحويل الفكرة إلى ممارسة دستورية وتنظيمية تتماشى مع روح الجهوية المتقدمة.
وفي تصريح سابق له قال: «علينا أن نؤسّس لتعاقد جديد مع كل من أعلن اقتناعه بمغربية الصحراء، من أجل المضي نحو سلامٍ دائم وتنمية مشتركة».
بهذا الخطاب، يعيد الحزب تأكيد موقعه كقوة اقتراحية عقلانية تدافع عن الإصلاح من داخل المؤسسات، وترى في القضية الترابية فرصةً لتعميق المسار الديمقراطي الوطني .
4 – العيون… بوابة الأفق الوطني الجديد
إن اجتماع المكتب السياسي بالعيون يكشف أن المغرب يعيش لحظة انتقالية عميقة تنتقل فيها الجهوية المتقدمة من فكرة إلى ممارسة، ومن نص إلى نموذج. وفي قلب هذا التحول، تصبح الأقاليم الجنوبية ليس فقط جزءًا من المشروع الوطني، بل محركه الأساسي. ومن العيون، أعلن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية أنه حاضر في الميدان حيث تتشكل السياسات، وأنه شريك مسؤول في بناء المستقبل، وأنه جزء من الإجماع الوطني الذي يعيد كتابة فصول جديدة من قصة الوحدة الترابية والدولة الاجتماعية. وهكذا تتحول العيون إلى بوابة الأفق الجديد، وإلى فضاء يُعيد فيه المغرب صياغة مشروعه الديمقراطي والجهوي برؤية موحدة ومسؤولة.
خاتمة: الاتحاد مدرسة والقيادة حكيمة
إن لحظة 2025 لحظةُ اختبارٍ للمؤسسات والأحزاب معًا.
وفي هذا الامتحان، يقدّم ذإدريس لشكر نموذجًا في القيادة المتزنة التي تجمع بين الفكر والعمل، بين الوطنية الصادقة والعقلانية السياسية.
لقد أثبت من خلال ظهوره الإعلامي الأخير أن السياسة يمكن أن تكون مرآةً للوعي لا ساحةً للضجيج، وأن الوطنية الاتحادية ما زالت قادرة على إنتاج المعنى في زمن الالتباس.
مرةً أخرى، يثبت ذ إدريس لشكر أنه صوت وطني مسؤول يجمع بين العمق في التحليل والاتزان في الخطاب، ويقدّم نموذجًا في التواصل السياسي الهادف والمستنير.
الوطن أولًا… والاتحاد دائمًا في صلبه.

الكاتب : عبد السلام المساوي - بتاريخ : 20/11/2025