الاسلام والغرب: نقد متبادل
مصطفى خُلَالْ
نتابع هنا ما نشرناه في مقالة الثلاثاء الماضي بخصوص النقد الغربي للاسلام.
في النقد المتبادل بين الاسلام والغرب نحذر التعميم. ذلك التعميم الذي نلاحظه في أغلب التصورات العربية.. فالغرب في جزء منه وهو ينقد الاسلام ، يتحدث عن المسلمين، وعن العرب – وهم أقلية ضمن المسلمين – بالتعميم. والعرب وهم يوجهون النقد للغرب ، يسقطون في ذات المزلَق. .
ان المثال الذي كنا وقفنا عليه في مقالة الثلاثاء الماضي، مثال فولتير، يوضح بصورة جلية منزلق التعميم ذاك، بل والتوظيف السياسوي للاسلام في الصراعات السياسية والايديولوجية. وهي صراعات خاصة، محلية، تخص لحظة بعينها، ورهانات محددة. عاش فولتير في القرن الثامن عشر حيث لم تكن تعيش في الغرب ساكنة مسلمة. ويوظف السياسيون الحاليون في ذات الغرب الاسلام في القرن الواحد والعشرين حيث تعيش ساكنة مسلمة ذات عدد معتبر.
لا ينتبه الكثيرون الى هذا المعطى. فالفرق الزمني الشاسع (ثلاثة قرون ) يبين ما نذهب اليه من حيث أن النقد الموجه للاسلام لا علاقة له بحضور ‘’طارئ’’ لساكنة مسلمة، بقدر ما يرتبط بمعطى تاريخي قديم، وهو ما يستحق في نظرنا البحث في دواعيه التاريخية لا السياسية.
ان الموضوعات في الزمنين تكاد لا تتبدل، وخلفيات التوظيف تكاد تتطابق.
نلاحظ أن بعض النقد لا نجده فقط عند الغربييين وهم يناقشون الاسلام. بل انه مورس وبنفس المضمون من قبل مفكرين مسلمين أحرارا. وإلا كيف نفسر على سبيل المثال لا الحصر، اغتيال الحلاج في دار الاسلام وليس خارجها، واغتيال السهروردي وهما المعروفان بصراعهما الحاد ضد الظاهريين المتشددين في ذلك الزمن البعيد من تشكل الحضارة المسلمة. واجه فولتير الكناءسيين المتشددين الذين يدعون الى محو كل معارض للعقيدة، العقيدة كما هي في تصورهم المتشدد. هذا مثال من الغرب. وفي دار الاسلام نفسها اعتبر الرازي الحقيقة منتفية بسبب الداعين الى القتل لكل من يعارضهم سالكا سبيل العقل للبحث في المعرفة والحقيقة. ونعرف ماذا كان مصير جاليليو جاليلي، في دار الغرب مثلما نعرف ماذا كان الموقف من أبي العلاء المعري في دار الاسلام، ذاك المعري الذي لم يميز بين الأباطيل أنى كانت. درس المعري القرآن والإنجيل والتوراة. وكانت تلك خلاصته في مواجهته للظاهرية المتشددة في العقائد الثلاث. ما الجديد الذي قدمه ميشيل دو مونتيني، أو بليز باسكال، أو بوسيي، أو مونتيسكيوه، أو نيكولا دو كوندورسي، أو شاتوبريان، أو ألفريد دو فينيي، أو اليكسي دو توكوفيل، أو غي دو موباسان ، أو غيسطاف فلوبير، أو ايرنيست رينان….الخ
ما أفصح الأمثلة التي تؤكد رجحان الفكرة التي تقوم على ان النقد للاسلام، سواء كان نقدا داخليا كما يمكن أن نسميه ، أو نقدا يقول به أجنبي عن العقيدة المسلمة كما يمكن أن نصطلح عليه. ويصح العكس تماما حين يتعلق الأمر بنقد العرب للغرب. هنا أيضا لا تنقصنا الأسماء الفكرية الوازنة من أيدوار سعيد (من فلسطين) الى سالم حميش (من المغرب) .
والحق أن النقد المتبادل بين الاسلام والغرب، شكل داءما موضوعا إشكاليا. فالمسلمون عامة يرفضون النقد الغربي للاسلام، في حين يقبل الغربيون نقد المسلمين لأطروحاتهم. غير أنهم لا يفهمون الرفض الاسلامي لكل نقد. يسعد المسلمين نقدُ اليهودية والمسيحية والبوذية والهندوسية وغير هذه العقائد، لكنهم يرفضون بصورة أو بأخرى نقد الغرب للاسلام عامة والعرب خاصة.
لذا نعتبر النقد المزدوج هو السبيل الأمثل لتقد الفكر الذي يسعى الى بناء معرفة موضوعية. النقد المزدوج الذي نتبناه دعا اليه ومارسه أستاذنا عبد الكبير الخطيبي من المغرب. لم ينظر الخطيبي الى الغرب على أنه وحدة. ولم يعتبر العالم العربي على أنه وحدة. كلاهما في فلسفته القاءمة على دراسة الاختلاف متعدد. الغرب متعدد ومختلف. والعالم العربي متعدد ومختلف. لكن العرب يجهلون الخطيبي. وحدهم المغاربة والغرب على بينة من أطروحات الخطيبي. أما المفكرون العرب مع بعض الاستثناءات، فهم لم يعرفوه ولا يعرفونه. وهي نقيصة كبيرة في النظر الفكري العربي. ذلك أن الخطيبي فهم الغرب على نحو جد مختلف فكان نقده له مؤسسا على معرفة دقيقة بأطروحاته.
قدمنا عن نقائص الفكر الغربي مثال فولتير. وفي اتجاه معاكس تماما نقدم هنا مثال الخطيبي عن نقااءص الفكر العربي.
الكاتب : مصطفى خُلَالْ - بتاريخ : 21/06/2022