البرلمان والصحة والفساد: اختبار النزاهة في زمن الانتخابات
محمد الطالبي
في قلب النقاش العام وفي لحظة حاسمة يمر بها المغرب، يبرز السؤال الأساسي: هل نحن فعلاً قادرون على حماية مؤسساتنا وحقوق المواطنين؟. قطاع الصحة، الذي يمثل حقاً اجتماعياً أساسياً، أصبح اليوم الموضوع الأكثر سخونة في البرلمان، حيث تُستدعى الوزراء مراراً للدفاع عن هذا القطاع الحيوي، في مشهد يعكس التوتر والاستفزاز، ويكشف أن الإصلاح الحقيقي يتطلب أكثر من مجرد شعارات.
لم يقتصر النقاش على البرلمان، فقد خرج الشباب إلى الشارع مطالبين بإصلاح شامل للمنظومة الصحية، ما دفع الدولة إلى إعطاء أولوية قصوى لمعالجة الأعطاب المتراكمة. وفي خضم هذه التحولات، ظهرت إلى السطح اتهامات خطيرة، أقلّها تضارب المصالح وتفويت صفقات بين وزراء، وهي معطيات غير مسبوقة بهذا الحجم، وتأتي ونحن على أعتاب انتخابات يطمح الجميع أن تكون مختلفة في الشكل والمضمون.
وفي الوقت نفسه، فإن حجم الفساد المتداول في الساحة العمومية يضع المواطن في موقف وطني بالغ الصعوبة. فالبلد يستكمل وحدته الترابية بدعم دولي وأمني مكثف، ويخوض تجربة تنظيم أكبر تظاهرة رياضية في العالم، فيما يراقب العالم خطواته في كل المجالات، ما يضاعف مسؤوليتنا في حماية سمعة الدولة ونزاهة مؤسساتها.
لكن يبقى السؤال المحوري: هل استنفد البرلمان كل الأدوات الرقابية التي يوفرها الدستور؟ هل كان ضرورياً أن يصل النقاش إلى مستوى الاتهامات والتنابز التي تلامس حد السرقة، بينما يمتلك البرلمان لجان تقصي الحقائق ولجان الاستطلاع واللجان الخاصة كآليات لضبط الاختلالات ومكافحة الفساد؟
ويبرز سؤال آخر لا يقل أهمية: أين دور باقي المؤسسات الدستورية والرقابية في التعقب والمتابعة والتحقيق فيما يُتداول؟ فالمصداقية في القول والفعل ليست مسؤولية البرلمان وحده، بل هي التزام جماعي تشترك فيه كل مؤسسات الدولة. لأن الغطاء الأخلاقي للحصانة البرلمانية والتمثيل الشعبي هو الصدق والنزاهة والتحرّي، وإذا انتفى هذا الأساس، انتفت الثقة، وضاعت البوصلة الأخلاقية التي يفترض أن تميز المنتخب عن غيره.
ولم تقتصر التحديات على المؤسسات الرسمية، فوسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي وجدت بدورها مادة دسمة لنقل الأخبار والمعطيات، لكنها غالباً ما تعتمد على نفس المعلومات دون تواصل مؤسسي جاد يوفّر المعلومة الموثوقة، ما يجعل القارئ والمواطن في حيرة حقيقية بين ما هو صحيح وما هو مجرد تسريب، ويزيد من صعوبة تتبع الحقائق وفهم الواقع.
إن استمرار التراشق والاتهامات غير المدعمة بالتحقيقات الرسمية، أو نشر المعطيات غير المؤكدة، قد يشوّش على صورة المغرب في لحظة دقيقة، ويبعدنا عن الهدف الأسمى: محاربة الفساد والمفسدين، وصون الاقتصاد الوطني، وحماية الحياة العامة من كل الاختلالات.
وفي النهاية، تبقى الحقيقة واضحة: لن يكون هناك إصلاح حقيقي ما لم تتحد الإرادات، وتعمل المؤسسات جميعها بنزاهة وشفافية، بعيداً عن المناورات السياسية، لتبني مغرباً قوياً يحمي حقوق المواطن ويصون الدولة ويستحق ثقة العالم.
الكاتب : محمد الطالبي - بتاريخ : 20/11/2025