البوليساريو والانتخابات الإسبانية

نوفل البعمري

 

تستعد حكومة بيدرو سانشيز لإجراء الانتخابات المحلية في 28 ماي، والتي ستليها بعد شهرين الانتخابات البرلمانية، وهما الاستحقاقان الانتخابيان اللذان يراهن عليهما الاشتراكيون الإسبان وقيادة الحزب العمالي الاشتراكي الإسباني للاستمرار في قيادة إسبانيا من خلال عودته لقلاعه المحلية تمهيدًا للانتخابات البرلمانية التي ستشكل امتحانا حقيقيا لهذه الحكومة وللحزب.
الملفت للنظر في ما يتعلق بهذه الانتخابات هو موقف تنظيم «البوليساريو»، الذي مازالت بعض مكاتبه مفتوحة بإسبانيا تدفع بنشطائها ممن يحملون الجنسية الاسبانية إلى مطالبة العناصر التي تم زرعها في إسبانيا للتصويت ضد هذه الأحزاب المشكلة للحكومة، خاصة الحزب العمالي الاشتراكي الإسباني، بشكل يستدعي طرح السؤال حول هذا التنظيم الذي أصبح يريد توجيه الانتخابات الإسبانية والتأثير عليها على الأقل، إعلاميا، واستغلال معاناة سكان المخيمات التي تسبب فيها التنظيم نفسه، من أجل ضرب بيدرو سانشيز، الذي أصبح مستهدفًا بشكل مباشر وشخصي في العديد من القصاصات التي يتم نشرها على وسائل التواصل الاجتماعي، خاصة تويتر، لدفع الإسبان للتصويت ضد حزبه وضد هذه الحكومة عمومًا، بسبب موقفها الداعم لمبادرة الحكم الذاتي التي اختارت بشجاعة أن تنتصر فيه للتاريخ وللمستقبل المشترك بين البلدين والشعبين.
وإذا كنا نعلم أنه لا وجود لأي تأثير مباشر في هذه الاستحقاقات لعناصر مليشيات البوليساريو بسبب انهيارها الأخلاقي أمام المجتمع الإسباني، الذي بات يعرف حقيقة هذا التنظيم، خاصة مع فضائح تهريب المساعدات الإنسانية وسرقتها، واستغلال أطفال المخيمات في ما سمي بعطل السلام، فإن مجرد خروج عناصر مكاتب هذا التنظيم، التي مازالت مفتوحة ببعض المدن الإسبانية، أصبح يطرح على هذا التنظيم سؤال احترام السيادة الشعبية الإسبانية، والقرار المستقل للمواطن الإسباني الذين يريدون التأثير عليه بادعاءات كشف التاريخ زيفها سواء السياسية أو الخطابات الإنسانية التي كانوا يختبئون وراءها، فقد وصفوا في منشورات لهم الحزب الاشتراكي الإسباني ورئيس الحكومة الإسبانية « بأعداء ما يسمى بالشعب الصحراوي»، مطالبين بالتصويت ضد هذا الحزب بالذات، في تحد خطير للقانون الإسباني، خاصة وأن هذه الحملة تدار من مكاتب التنظيم بإسبانيا، مما يشير، ليس فقط لتورط هذا التنظيم المليشياتي في محاولة التأثير على الناخب الإسباني، بل إن مثل هذه الخطوة لا يمكن لها أن تتم بدون توجيه من الجنرالات الجزائريين الذين يُعتبرون المتحكمين الفعليين في المبادرات التي يقوم بها عناصر البوليساريو، ويريدون استغلال هذا الحدث السياسي الإسباني وهذه اللحظة الديموقراطية التي تعيشها إسبانيا، لانتقام جنرالات المرادية من بيدرو سانشيز، بشكل شخصي، بسبب شجاعة الرجل وتشبثه بالمغرب كبلد حليف في إفريقيا والمنطقة المتوسطية، والتزامه كرجل دولة بكل ما تم الاتفاق عليه مع الملك محمد السادس لحظة الحوار الذي جرى للخروج من الأزمة التي باتت من الماضي، وكذلك بسبب الموقف الإسباني التاريخي من القضية الوطنية وانحيازها للمشترك مع المغرب.
إن هذا التحرك الذي يتم القيام به من طرف عناصر مليشيات البوليساريو في إسبانيا لا يمكن النظر إليه كفعل سياسي مستقل عن سياق العلاقة بين المغرب وإسبانيا، ولا عن رغبة جامحة للنظام الجزائري من أجل دفع الناخب الإسباني للتصويت ضد هذا الحزب، بل من أجل أن يقدم إشارة سياسية خطيرة لكل الأحزاب السياسية الإسبانية عن قدرته على التأثير في الداخل الإسباني، حتى لو أدى الأمر إلى دفع عناصر البوليساريو إلى التورط في المس بالمسار الانتخابي والديموقراطي لهذا البلد، والتدخل في شؤونه الداخلية، بشكل فج لا يتم فيه احترام كل الأعراف الديبلوماسية.
من المؤكد أن بيدرو سانشيز يحظى بدعم المهاجرين خاصة المغاربة الذين دائما ما كانوا يجدون في حزبه، من خلال اختياراته الاجتماعية، القدرة على تقديم إجابات سياسية واقتصادية لمشاكل الهجرة بإسبانيا، ومن المؤكد أيضا أن موقف حزبه الجديد من القضية الوطنية لن يكون إلا نقطة إيجابية في نظرة المهاجرين المغاربة له، وستشكل حافزًا لهم لدعمه بشكل إرادي وحر، وفي احترام تام للمسار الانتخابي لهذا البلد الجار.

الكاتب : نوفل البعمري - بتاريخ : 22/05/2023

التعليقات مغلقة.