التعددية الفكرية والسياسية بين خطاب النظر وممارسة الواقع

عبد السلام المساوي

 

هناك من يتحدث عن التعددية الإيديولوجية والسياسية دون أن يقبل بكل ما يترتب عن موقفه منها في مختلف المجالات العملية، مع أن الموقف الإيجابي العام منها يقتضي موقفا مماثلا له على المستوى التطبيقي.
وهكذا فعندما تكون المسألة مرتبطة بالمستوى النظري تجده سباقا إلى القبول المبدئي بكل الأفكار والآراء، بما في ذلك تلك التي تعلن مناهضتها لقيم المجتمع والأمة الأساسية، باسم حرية الرأي أو الاعتقاد أو التعبير أو غيرها من القواعد المرجعية، التي يتم استحضارها في هذه الحالة، والتي يتم الذهاب في تأويلها مذاهب لم يكن ليخطر على بال من وضعوا أسسها أنها ستكون رافعة لمثل هذه المواقف في يوم من الأيام.
لكن ما أن يتم الخروج من المستوى النظري المحض، حيث الخطاب مرسل، وغير مقيد، في الأغلب الأعم، إلى المستوى العملي الذي يعتبر المحك الفعلي لما يتم الإعلان عنه بخصوص الموقف من التعددية، حتى يجد المرء نفسه أمام مشهد آخر تماماً، قد يصل في مستوى جدته الى درجة التناقض الجذري مع الخلفية النظرية التي قيل إنها هي الداعمة الأساسية لموقف البعض من التعددية.
وبطبيعة الحال، فإن هذا اللاتلاقي بين خطاب النظر وممارسة الواقع يجد تجسيده الملموس في كل ما يتعلق بالعمل الحزبي، وهذا هو ما يمكن اعتباره عاملا مفسرا لمواقف بعض الأحزاب السياسية من غيرها، حيث يتم توزيع العلامات الإيجابية والسلبية عليها انطلاقا من لحظة الميلاد مرورا بمراحل الممارسة انتظارا لموتها، الذي هو في الواقع انتظار دائم لأنه لا يعترف لها أصلا بشرعيتها وبحقها في الممارسة في واضحة النهار.
وهذا يسري في الواقع على الأحزاب اليسارية التي لا ترغب في أن ترى أي حزب جديد على الساحة قد ينافسها على يسارها أو على يمينها في أي استحقاق من الاستحقاقات، كما يسري على أحزاب يمينية لم تر قط في فكر اليسار وأحزابه غير جيوب للأجنبي بمختلف مسمياته.
وهذا يسري أيضاً وأيضاً، وربما قبل غيرها، على فئة من دعاة احترام التعددية الفكرية والسياسية المقرونة بمعاداة أي شكل من أشكال التنظيم السياسي الحزبي، كما لو أن لسان حالهم يقول : ما الحاجة إلى الأحزاب السياسية؟ فها نحن نتحدث في جرائدنا ومواقعنا الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي ونحن نجسد التعددية المنشودة، بشكل حصري. فلماذا هذا التشويش علينا؟ فقد ماتت الأحزاب أو ينبغي عليها أن تموت تلقائيا أو أننا سنتكفل بها.
وللتذكير فإن هذه الفئة لا تتوقف عن الهتاف: عاشت الحرية، عاشت التعددية؟ تماماً كما نرى أن تنظيم «داعش» الإرهابي، لا ينسى التكبير وهو يقطع رؤوس الأبرياء، مع فارق كبير، بالطبع، هو أن فئتنا»الإعلامية» تلك تعوزها سيوف «داعش» فتوسلت سيوفا أخرى لا يسمح المجال لذكرها خاصة أنها معروفة لدى الجميع تقريبا .
ليت من يتحدث عن الديمقراطية، وهو غير مؤمن بها، كف عن الحديث عنها، وتحدث بما يؤمن به، كيفما كان، لأن هذا يمكنه من شرف الصدق، حتى ولو توفرت لدينا القناعة التامة بأن اختياره ليس صائبًا.
وليت من يعلن تبنيه للجهاز المفهومي للحداثة والديمقراطية كان صادقًا، في إعلانه، مستميتًا في الدفاع عن الحداثة الفكرية والديمقراطية السياسية، لا أن يتوسل أساليب هي على طرفي نقيض مع الحداثة والديمقراطية، وما يمت إليهما من مفاهيم وممارسات في مختلف المجالات.
صدق هؤلاء، وأولئك، يجنب المجتمع متاهة الضياع، التي يُدفع إليها دفعًا، جراء غياب الصدق في الحالتين معًا. وهو ما لا يخرج عن تكريس الازدواجيات السلبية بين المعلن والمبطن، بين القول والفعل، إلى درجة كوننا نعيش وضعًا أشبه إلى انفصام الشخصية من السواء الضروري للعيش المشترك.
إن أخطر ما يواجهه المرء، ليس الاختلاف في وجهات النظر الذي يقتضي دفاع كل وجهة نظر عن أطروحاتها الأساسية، وإنما الإيحاء الزائف بالاتفاق حول قضايا الانطلاق الأساسية، مع أن الحقيقة تشي بأن الأمر لا يعدو ذلك الإيحاء الذي يغطي على جوهر الاختلاف بين مختلف الفاعلين في الساحة العامة.
هكذا يكون استخدام القاموس الفكري والسياسي الواحد، في الظاهر، مجرد غطاءٍ للاختلافات التي قد تصل درجة التناحر، حول أساسيات الاجتماع البشري المعاصر، على قاعدة الحداثة والديمقراطية.

الكاتب : عبد السلام المساوي - بتاريخ : 17/07/2023