التغول وسياسة حرف الأنظار
عبد السلام المساوي
إن سياسة حرف الأنظار عن القضايا الرئيسية خطيرة على تلك القضايا، لأن من يقومون بذلك، يمنعون عن أنفسهم إمكانية معالجتها في الوقت المناسب، إن كانت في حاجة إلى المعالجة، فتتعقد وتستفحل مضاعفاتها، إلى درجة قد يستحيل، معها، بروز بصيص أمل في إيجاد حلول ملائمة لها.
هكذا، لن يجني من يساهم في حرف الأنظار عن المشاكل أو القضايا الحقيقية، من خلال افتعال أخرى زائفة، أو غير ذات موضوع، غير الخيبة والخسارة المحققة.
لم يفلح في الماضي هذا الأسلوب في تجاوز مشاكل الواقع، ولن يفلح في المستقبل بالتأكيد. فلِم هذا التهافت على اختلاق المشاكل؟
يقول الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية إدريس لشكر خلال الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الإقليمي لسيدي البرنوصي سيدي مومن :
« نحرص على وضع حد لمختلف المحاولات التي تروم تبخيس دور الأحزاب السياسية أو التشويش على ملتمس الرقابة، عبر إطلاق العنان للاتهامات الباطلة والتهييج الإعلامي وإلهاء الرأي العام، لأننا نؤمن إيمانا يقينيا بدولة المؤسسات والقانون الذي يسمو فوق الجميع.
نؤكد، مرة أخرى، أنه لا وجود للتنمية دون ديموقراطية، هذه الأخيرة التي لا يمكن تحقيقها إلا بالتخليق الذي أكد عليه جلالة الملك محمد السادس عندما طرح مدونة السلوك، وكل محاولة للاصطياد في الماء العكر نُجيب عنها بأننا في دولة القانون والمؤسسات وأنه لا جريمة إلا بنص وأي تقرير كيفما كان، وأقولها بكل مسؤولية، حتى لا تتحول هيئات الحكامة إلى هيئات للتحكم: القانون فوق الجميع والقانون يُرتب وسائل المتابعة والاتهام، ولذلك ولكي لا تقولوا لنا « كل أبناء عبد الواحد واحد «، ويبدأ إطلاق الكلام على عواهنه أقول: إذا كان لكم اتهام فلتضعوه مباشرة، وإذا كان لديكم تنبيه أو إنذار وضِّحوه فالمسطرة واضحة في القوانين… وإذا كان لكم استفسار، فكل الاستفسارات أخذتم بشأنها الأجوبة، أما إذا لم يكن لكم لا من هذا ولا من ذاك فسنلتزم بالقانون ولن يجُرَّنا أي أحد إلى أي نقاش سياسوي يهدف إلى جعل المشهد كله يتشابه.
نتساءل عن تقارير المؤسسات العمومية ومؤسسات الدولة والصفقات والاقتراضات الضخمة….وقد استعرضتم الأحزاب التي لاتزال في ذمتها دراهم الدولة ! أخبرونا أي مخالفة تمت وبيننا وبينكم القانون …
نحن الحزب الذي ناضل من أجل التخليق … نحن من دافع عن إعطاء الصلاحيات للمجلس الأعلى للحسابات، لكن المجلس الأعلى للحسابات يجب أن يقول لنا 99,99 بالمائة من ميزانية الدولة، أية تقارير كُتبت عليها ؟ أي بحث أجري حول شركات الدولة والمؤسسات العمومية وحجم الاقتراضات التي تؤخذ باسم الشعب المغربي وكل الصفقات الحقيقية ؟!
إن ميزانية الأحزاب السياسية لا ترقى إلى ميزانية هيئة الحكامة المتمثلة في المجلس الأعلى للحسابات، والذي تعد ميزانيته أعلى بكثير من الميزانية الممنوحة لمختلف الأحزاب المغربية، إن ميزانية مجالس هيئات الحكامة، وبدون استثناء، تفوق ميزانية الأحزاب، لهذا نستنكر محاولة إلهاء الرأي العام عن مشاكله وقضاياه الحقيقية بخلق ما نعتبره عبثا …
إن جلالة الملك عندما تحدث عن الخبرة والخبراء لم يتحدث فقط عن مكاتب الدراسات التي يمكن تحديدها في أطر وفاعلين واستشارات وغيرها…
نحن الحزب السياسي الوحيد، الذي وضع أزيد من 23 أو 25 دراسة تملأ مكتبيه.. ونتساءل من هي هذه الجهة التي أوكل إليها البحث في علمية هذه الدراسات مِن عدمها ؟!
أعطونا الأحزاب التي أخذت خُمس أضعاف ما أخذه حزبنا والتي أجابتكم، بكل صراحة، بأنها لن تسلم شيئا لأنه ليس في القانون ما يلزم تقديم هذه الدراسات وأكثر من هذا تلك الميزانية العامة المتحدث عنها أعطونا كل الشركات المرتبطة بالصفقات في ما يتعلق بمشاريعها على طول السنة.
نربأ بأنفسنا بأن نسقط في هذا النقاش الفارغ، ففي دولة القانون ودولة المؤسسات من لديه شيء يظهره بشكل واضح وليس بالإدعاء والكتابة والعناوين الملتوية والبحث عن التهييج الإعلامي…
هاهي الحكومة، التي تتوفر على جيش من البنية التقنية، عندما تُقدم قانون التصفية، تقدمه بعد سنتين أو ثلاث رغم توفرها على كل الوسائل والموارد البشرية من مفتشين ومراقبين ومُعدِّين للتقارير !
نستنكر كل محاولات تبخيس دور الأحزاب السياسية وإلهائها، وإذا أردتم أن يصل هذا التبخيس إلى هذا المستوى أعلنوا أن البلاد يُمكنها أن تسير بدون ديمقراطية ومراقبة وحسم….
عندما طالبنا بمحاسبة التغول بتقديم ملتمس الرقابة ممارسين لحقوقنا الدستورية والديموقراطية، انزعج التغول ونهج أسلوب إحداث العراقيل ونشر الأضاليل والمغالطات من أجل أن نتراجع ونشُك في أنفسنا …
أقول بكل مسؤولية: نحن في دولة القانون ونحن مؤمنون بدولة المؤسسات، ومن له شيء عندنا نحن مستعدون للإدلاء بالحساب بكل مسؤولية».
إن السياسة لم تنته وإن دور الأحزاب ضروري لإنجاح المشروع الديموقراطي الحداثي، الذي تنشده بلادنا، باعتبار الأحزاب ركيزة أساسية للنظام الديموقراطي، ولا يمكن أن نتصور أي تحول ديموقراطي أو ديموقراطية بدون أحزاب، فالديموقراطية كما تحققت في العالم هي ديموقراطية الأحزاب السياسية، من هنا لا يمكن أن نؤسس ونبني مشروعا تنمويا ديموقراطيا بالتشكيك في دور الأحزاب وتبخيس فعاليتها، أو بمحاولة تجاوزها أو إلغائها…هناك الآن ، وقبله، تحامل على الأحزاب وبالذات الأحزاب الديموقراطية وفي طليعتها الاتحاد الاشتراكي، ولا يستبعد أن يكون الهدف هو خلق الفراغ، والفراغ أقتل من القمع، فالقمع يمكن أن يكون مجرد فترة وتمر، ويمكن أن يصيب الوهن مرتكبه، أما الفراغ فهو يقتل القريحة ويستمر مفعوله عدة أحقاب…
الكاتب : عبد السلام المساوي - بتاريخ : 16/03/2024