الحكومة تفتح بابا جديدا للتغول… الإعلامي تحجيم الأصوات المعارضة، وتعريض البلاد لخطر «ديمقراطية الشارع»!

جلال كندالي
صفق المغاربة، ونحن منهم، طويلا وكثيرا لانفتاح الإعلام العمومي على الأصوات الشابة الغاضبة، وعلى الأصوات التي ظلت خارج الصندوق. وصفقنا لعودة إعلامنا إلى تعدديته الأصلية، وفرحنا بالفرصة التي مُنحت لزملائنا وزميلاتنا لإبراز مواهبهم ومواهبهن في أدائهم وأدائهن، لا سيما في البرامج الأولى التي شهدتها القناة الثانية، ولكن الحكومة كعادتها في إفساد كل شيء لا يروقها، لم تكتف بممارسة التغول السياسي والاقتصادي، وإحكام السيطرة على المؤسسات من البرلمان إلى الجماعات وإلى الجهات، بل انتقلت إلى السرعة القصوى بتحويل الإعلام العمومي إلى “زمن ثالث” للتغول، فعلى هامش احتجاجات جيل Z على الإقصاء الاجتماعي والفساد، خرج الوزراء ليحتلوا الإعلام العمومي، بدءا من رئيس الحكومة (عزيز أخنوش)، وانتهاء بوزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات (يونس السكوري)، مروراً بالناطق الرسمي باسم الحكومة (مصطفى بايتاس)، ووزير الصحة والحماية الاجتماعية (أمين التهراوي)…
امتلأت البرامج بالوزراء والوجوه الرسمية، وغابت التعددية السياسية، إذ تم تغييب صوت المعارضة وصوت الشباب الذي يدعو إلى تفهم مطالبه وسماع صوته، فأصبح الإعلام العمومي أداة دعائية في يد الجهاز التنفيذي.
والغريب أن النقاش الدائر في الكثير من وجوهه انتقل، على نحو غريب، من نقاش حول الاحتجاج إلى نقاش حول حصيلة حكومية تفصلها عن الواقع، الذي خرج من أجل تغييره آلاف الشباب من جيل “Z”، سنوات ضوئية، ومن هنا يجب أن نتساءل: هل الصوت الواحد دليل على الديمقراطية؟ ألا يعني ذلك تحويل الشارع إلى خيار ضروري وعقلاني لممارسة الديمقراطية؟
ما جرى، خلال الأيام الأخيرة، يعكس تغولا مقلقا لم يعد يقتصر على المؤسسات المنتخبة، بل امتد إلى الفضاء الإعلامي، الذي يفترض أن يكون فضاءً عموميا للنقاش الحر والمسؤول.
لقد حولت الحكومة شاشاتنا الوطنية إلى منصات مغلقة يراد لها أن تبث رواية رسمية واحدة، في الوقت الذي يطالب فيه الشارع بالإنصات، لا بالتلقين.
والمفارقة أن الحكومة، التي لم تحسن الإصغاء إلى احتجاجات الشباب في الميدان، تفرض اليوم وصايتها على الوسائط التي يفترض أن تنقل نبضهم.
إقصاء المعارضة من النقاش الإعلامي لا يعد خللا مهنيا، إنما هو خرق دستوري صريح، فالفصل العاشر من الدستور يضمن للمعارضة البرلمانية مكانة تخولها حقوقا تمكنها من أداء مهامها على الوجه الأكمل في العمل البرلماني والحياة السياسية. والسؤال المطروح: كيف يمكن للمعارضة أن تنهض بمهامها إذا كانت الشاشات العمومية مغلقة في وجهها، تفتح فقط للوزراء وتغلق أمام كل صوت مخالف؟
الأخطر من ذلك أن هذا التحكم الإعلامي لم يكن وليد الصدفة، بل سبقه تمهيد واسع على مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الموالية للحكومة، حيث شن ما يسمى بـ”المؤثرين” حملة انتقاد ممنهجة ضد الإعلام العمومي، متهمين إياه بعدم الانخراط في “تفسير إنجازات الحكومة”. وبعد أيام فقط، انقضت الحكومة على هذا الإعلام، يردد فيه الوزراء خطاب الحكومة ويعيدون إنتاج روايتها الرسمية.
هذا الانزلاق الخطير يجعلنا أمام معادلة معكوسة: إعلام الحكومة بامتياز، لا إعلام التعددية.
فبعد أن تم تمييع السياسة وإفسادها بالوسائل المعلومة، ها هو الجهاز التنفيذي يحتكر الكلمة في الفضاء العمومي، فتغتال السياسة، ويفرغ الحوار الوطني من مضمونه، فمن لا يسمع إلا صوته، لا يمكن أن يدرك حجم الأزمة.
لقد آن الأوان لتحرير الإعلام العمومي من «الغضبة» الحكومية، وإعادته إلى وظيفته الأصلية كمرفق يخدم المصلحة العامة، ويعكس التنوع السياسي والفكري للمجتمع المغربي.
فلا يمكن أن نتحدث عن دولة اجتماعية بإعلام رسمي يحتكره الوزراء والرسميون، ويحتكرون معه الحقيقة، ولا عن إصلاح سياسي بشاشات مغلقة في وجه النقد.
ففي زمن “جيل زد”، لا يمكن للحكومة أن تتحدث باسم الجميع….
المطلوب اليوم، وبإلحاح شديد، ترك الإعلام للاعلامييين الذين أثبتوا جدارتهم في عكس نبض الشارع، وابراز الصوت المخالف لرؤية الحكومة.
ولا بد من فتح الأبواب أمام أصوات المعارضة والنقابات والأصوات المستقلة، حتى يكون النقاش فعلا عموميا ومسؤولا.
.
الكاتب : جلال كندالي - بتاريخ : 09/10/2025