الخطاب الملكي: قراءة اتحادية
جواد شفيق
«المغرب أولا «هو الشعار المركزي / الروح التي يدخل بها الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية انتخابات أعضاء مجلس النواب ومجالس المقاطعات والجماعات والجهات، في حلتها الجديدة، تنظيما وتشريعا وظروفا ..
عندما كانت نخب وأطر وكوادر الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، بشراكة واسعة مع خبرات وطنية متنوعة، تعد لإعداد البرنامج الانتخابي للاتحاد (وقد أثمر ذلك وثيقة على درجة عالية من العقلانية السياسية والاقتصادية)، لم يغب عنهم في أية لحظة معطى الشرط التاريخي/ الظرف الذي تعقد فيه هذه الانتخابات.
الظرف الوبائي الشرس والقاسي، صحة وأرواحا واقتصادا ونفسية.
والظرف السياسي الجيواستراتيجي، ترابا ومصالح وعلاقات دولية وتهديدات ومؤامرات ومخططات ..وكرامة أمة مغربية.
ظرفنا الأول، عشناه ونعيشه، سواسية كأسنان المشط، فيما ظرفنا الثاني الذي جاء واضحا، فاضحا، صريحا في خطاب ذكرى ثورة الملك، ظلت الدولة وحدها من تعيشه وتديره (مع بضع متابعات وديبلوماسيات محدودة).
وقد جاء الخطاب الملكي ليحكي ماذا حصل ولماذا حصل ومن وراء ما حصل …وليسخر مما حصل، ويعطي الدروس البليغة في أخلاق الدولة، وفضل التقاليد في الديبلوماسية والعلاقات الدولية.
لقد قالها الملك قوية صريحة: المغرب ماض إلى حيازة استقلاله وسيادته وقراره…ولن يوقف « مسارنا أحد، أحب من أحب، وكره من كره «.
الدولة قوية بمؤسساتها، لا شك في ذلك، ولكنها أقوى وأصلب بوحدة شعبها. نحن أمة / دولة طاعنة في العتاقة، نعيش وحدتنا الوطنية الشاملة منذ خمسة قرون على الأقل، مع لحظات انفصام وانفصال صغرى .
إن السقف العالي للخطاب الملكي الموجه رأسا إلى قوى إقليمية ودولية بعينها، وإلى المنتظم الدولي برمته، هو دعوة صريحة إلى أن تتحرر المستعمرات من مستعمريها، وأن يصبحوا شركاء، وهي دعوة لتلتف الشعوب حول دولها، الطامحة إلى هذه الغاية، لإحقاق هذه الغاية.
الفقرات من الخطاب الملكي، المختارة أدناه، تقول إن عهدا / مشهدا آخر في علاقات المغرب الدولية ذاهب إلى التشكل.
هذا العهد / الزمن الديبلوماسي الجديد يئن تحت ضغط محاولات فرملة وعرقلة وشيطنة ..ولكن من حظ المغرب أن هناك الدولة.
الدولة..التي قال رئيسها في 20 غشت 2021، كما قال جده الملك الوطني محمد الخامس طيب الله ذكره : «سنواصل جهادنا الأكبر»…من أجل استكمال الاستقلال واستعادة السيادة…
السيادة الكاملة على ترابنا وقرارنا السياسي ومصالحنا ..وكرامة دولتنا وشعبنا. المعركة هذه، بحاجة لدولتنا القوية هذه، وبحاجة لوحدتنا وتعبئتنا الوطنية.
إن أسمى ما تطمح إليه الأقطار والشعوب والدول هوأن تحقق استقلالها وسيادتها وكرامتها ووحدتها….ونماءها وديمقراطيتها ومؤسساتها …
من هنا ينفح ويمتح الشعار الاتحادي: «المغرب أولا» دلالته الدالة.
عندما تهزل أو تتفتت وتتشتت الأوطان والدول والأمم…لا يعود هناك معنى لأي شيء ..باستثناء الضياع والموت والخراب ..و الضحية..
نحن. وطبعا، نحن الدولة والدولة نحن، نحن نحمي أنفسنا بحماية الدولة.
من هنا الأولوية الوطنية الكبرى، من المنظور الاتحادي الاستراتيجي، في إسناد ودعم قيام الدولة القوية، دولة الأمن الاستراتيجي، أمنيا وترابيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وصحيا وسياسيا وديبلوماسيا .
لا دولة بدون شعب /مجتمع..
ولعله من مفارقات وضعنا المغربي، هذا التباين الصارخ بين تطور / حداثة الدولة بإدارتها ومؤسساتها وأجهزتها وبيروقراطيتها وشموليتها ونفوذها ..وتطور وحداثة المجتمع.
لقد كان العبور الملكي خفيفا على الانتخابات المرتقبة، ودقق بالخصوص في ماهية الانتخابات، بما هي وسيلة وليست غاية ( لعلهم يعتبرون).
إنه من المأمول جدا أن يؤدي إعمال النموذج التنموي الجديد والميثاق الوطني للتنمية على المدى المتوسط المنذور لإعمالهما، أن تحصل بداية تحول في بنيات المجتمع الحالية، وحيث أن نجاح مسار الدمقرطة والتحديث يستوجب، كما علمتنا كل دروس التاريخ الناجحة، قطع مسارات أساسية سابقة له، ثم مرافقة له، كمسار التمدن ومسار التصنيع…فإننا سنتوقف عند اعتبار اللحظة الانتخابية الحالية، محطة في مسار ما زال طويلا جدا ..محطة يغلب عليها الإصلاح على الورق، على الإصلاح في الواقع.
محطة تغلب عليها نوايا الإصلاح، على فعلية الإصلاح.
محطة لمواصلة وضع لبنات ديمقراطية في حدودها الشكلية، « انتخابات « …والحالة أن الديمقراطية مسار تاريخي، وثيق في ارتباطه بما سبق ذكره من مسارات..
الديمقراطية ثقافة، وعي، سلوك، حياة يومية…هوية.
مهما كان دفع الدولة القسري نحو الدمقرطة والتحديث، يبقى فعل التاريخ وتطوره وتأخره حاسما ..التأخر التاريخي، في أوجهه البشعة، يظل مرتبطا بالمجتمعات .الدول، بأجهزتها وبنياتها وسلطتها وإمكانياتها غالبا ما تكون « متقدمة» على مجتمعاتها( ولو أنها تظل نتاج ذات البنية التاريخية )، وبذلك يظل سؤال التأخر والتطور التاريخي جاثما ينتظر جوابا.
لقد دخل الاتحاد الاشتراكي معظم الاستحقاقات الانتخابية التي عرفتها بلادنا ( بكل ما عرفته ولا تزال من بشاعات )..
وسيستمر في ذلك..
دخلها بوعي تاريخي جسده الفقيد عبد الرحيم بوعبيد وهو يقول «بأن الشعوب لا تتعلم الديمقراطية إلا إذا مارستها».
لسنا حالمين…
لقد قطع بناؤنا الدستوري أشواطا معتبرة، كما راكم مسارنا الانتخابي دورات، وأفرز مؤسسات، وتعددية ومنتخبين ومنتخبات ..لترتسم بذلك بعض معالم الديمقراطية السياسية، وأما باقي تقاسيم الديمقراطية، لتكتمل صورتها ،،،الديمقراطية كوعي وثقافة وسلوك وتنظيم وبنيان وعمران …
الديمقراطية الاجتماعية والمجالية والاقتصادية والثقافية..
فلننجح نموذجنا التنموي وميثاقنا الوطني للتنمية، بدولتنا القوية، ودعونا نرى آنذاك ..(إذا طول لله لعمر).
الكاتب : جواد شفيق - بتاريخ : 24/08/2021