الديمقراطية والراديكالية
مصطفى خلال
يمكن تعريف ((الراديكالية)) في المجال السياسي، عكسها في المجال الفكري، بأنها الطريقة التي تقوم على عدم تقديم الحساب للواقع. انها إعلان بعدم الالتزام بأي شيء. هكذا يمكن أن يصرخ المتبني لها برغبته في تحقيق أفضل العوالم. يشعر صاحبها بأنه غير ملزم بتقديم أي حساب للواقع الفعلي. ويمكن أن يكون السياسي هنا يمينيا متطرفا أو يساريا متطرفا، أو «إسلاميا›› متطرفا، وإذ يأخذ بالراديكالية فانه يستقيل من الواقع. يدعو الراديكالي هكذا الى تغيير جذري للواقع ، تغيير لفظي يعرف هو نفسه أنه لا يقود الى أية نتيجة فعلية، لأنه بدون أدنى اثر يذكر. وهو يعي بأنه غير واقعي لكنه يعلم أن شعاراته تغري عامة الناس. لذا فان «الفضيلة» الوحيدة التي تقترن بالراديكالية انما تكمن في أن صاحبها يصبح شعبيا، ولا شيء غير هذا.
كيف يمكن أن يعارض الناس سياسيا يقول لهم بأن ‹‹تصوره›› سيحقق لهم الرفاهية ورغد العيش المطلق بمجرد أن يصعد هو الى السلطة، لأنه سيطبق (برنامجا) يصدق الناس أنه سيحل مشاكلهم. فالراديكالي غالبا ما يكون خطيبا مفوها، ذا ثقافة واسعة أو ذا ثقافة سطحية، لكنه في الحالتين يعرف كيف يستعمل أساليب الإغراء وطرق دغدغة عواطف الناس من كل الطبقات ومن كل مستويات التعليم. وهو ما يبين أن ((الراديكالية)) لا تلزم صاحبها، لكنها تحمس الآخرين من بسطاء الجمهور، لا غير…
لا يضع مستعمل ((الراديكالية)) في المعركة الديمقراطية نفسه مكان الذين يحكمون. . . ليس من أجل أن يعارضهم، بل من اجل أن يقدم للناس عناصر حل مشكلة ما ، مضبوطة، مرقمة، مأجرأة،،،لا يفعل هذا أبدا، لأنه لا يملك ان يبين للناس كيف سيحل هذه المشكلة أو تلك، يملك فقط عموميات هي شعارات تشنف عواطف الناس وتطرب مشاعرهم وتحركها في الاتجاهات التي تسعدهم.
وبهذه الكيفية نجد أنفسنا أمام شخص يتقمص على نحو مغر، دور بطل يملك قدرة سحرية على تغيير الواقع تغييرا جذريا «لصالح الناس». بطل يكون في وضع مريح مرتين، مرة بالتظاهر في خطابه بكونه البطل الأوحد الذي يملك وحده دون الآخرين جميعا من المنافسين الحلول الباهرة لمشاكل الدولة والمجتمع، ومرة لأن لا شيء مما يقوله يلزمه.
والحق أن ((الراديكالية)) هي عنوان متخفي على انحطاط السياسة التي تمارس بمنطق الربح الشخصي، موظفة خطابا شعبويا يصرخ بما تحب العقول السطحية سماعه.
هذا في مجال السياسة حين تقترب مواعيد استحقاقاتها الانتخابية.
لكن الراديكالية مورست وتمارس في مجال توظيف الدين من أجل خوض حروب انتحارية ضد الجماعة البشرية ككل. ونستعمل هنا الدين في اطلاقيته دون تحديد، بالرغم من أن الذي سلط الاعلام تغطياته وبرامجه وتحقيقاته وتحاليله عليه يبقى هو مجمل أنماط ((الراديكاليات الإسلامية)) ..وبالأخص نمط ما يسمى ((جهادية)) وما يصطلح عليه بلفظ ((سلفية))، الأولى عنيفة والثانية ((دعوية)). ونادرا ما يحقق ذات الاعلام في ((راديكاليات)) الدين المسيحي، والأندر منه ((راديكاليات)) الدين الموسوي وضمنه ((راديكالية)) تيار من تيارات الصهيونية ذي التوجه العنصري ضد كل ما هو عربي عموما، وضد الفلسطيني على نحو خاص.
لا تهم الراديكالي الأوطان ولا المصلحة العامة بالرغم من قدرته على تشخيص المشاكل والأمراض التي قد يعاني منها هذا البلد أو ذاك، وبالرغم من تظاهر خطابه بالحرص على مصلحة الناس، بقدر ما تهمه مآرب شخصية ينجح داءما في إخفاءها فلا تظهر ولو بين الكلمات والسطور. وصواب تشخيص المشاكل الاجتماعية لديه، لا يصاحبه تقديم حلول حقيقية لأنه، كما سبقت الاشارة، لا يملكها.
لا حاجة الى البحث عن أمثلة، ذلك أن أسماء أصحابها بسبب من تطرفهم غدت معروفة لدى كل المتابعين من القراء. فلا توجد بلاد ديمقراطية فيها مشاكل ذات خصوصية، لا يظهر فيها دعاة راديكاليون. وعليهم تنطبق الفكرة الرءيسية التي عربناها في الفقرات السابقة. والحق أنهم براديكالياتهم يلحقون أضرارا كبيرة بالنقاش العمومي في علاقته بالديمقراطية على النحو الذي سبق أن عالجناه في مقال لنا سابق. وعلى رأس هذه الأضرار تحويل اهتمام الناس عن قضاياهم الحيوية، فضلا عن تحريف وعيهم، واستنبات قيم سلبية قد تقود الى انغلاق المجتمعات وتشددها.
الكاتب : مصطفى خلال - بتاريخ : 12/10/2021