الدين والسياسة ؛ تعارض في المبدأ

عبد السلام المساوي
ما لم أفهمه هو محاولتنا تأكيد عنصر الذاتية في تشكيل الهوية باسم الدين !
من أين نأتي بهذه المفاهيم التي تعكس صراع التناقض بداخلنا ؟
نحن كغيرنا من الأمم ، نؤمن بفاعلية العقل ، لكننا لانستخدمه بالمطلق …نحن متورطون أكثر في قيم العادات والتقاليد التي ورثناها عن أجيال سابقة ، من دون تحديد لها إطار معين .
يستطيع الانسان الثوري مثلا استغلال عقله في الدفاع عن شرعية ثورته ، لا بالدين …الدين والتدين حلقة تحتاج إلى تنمية منهجها بنفسها ، لأنها مقرونة بكتاب مقدس ولا علاقة لها بالسياسة .
وانا هنا لا أنتقد الدين كشكل او كمضمون ، لكنني ادعو إلى محبة ديانة الآخر في تسيير شؤون البلاد . دعوني أركز هنا على همجية المتأسلمين في إدارة ثورتهم ضد الكفار الذين هم من الشعب الواحد ، ومن البلاد الواحدة ويخضعون إلى أساسيات واحدة غير متغيرة …
إن انتقاد الآخر من غير رؤية واضحة يعني الدخول في صراع مع الذات وتجاهلها وهنا ننصب لأنفسنا فخ الفوضى بدل الثورة على فساد معين .
المتأسلمون يخرجون من كل صوب بثوب التدين المتطرف ، ويحاولون إغلاق شرعية على أنفسهم وحينها فقط تبدأ المعركة ضد مجهول !
إنهم يلغون العقل في محاصرتهم له ولا قدرة لهم على تقديم أي نموذج نظري كتجربة معرفية وعلمية لتفعيل الانفتاح في العالم ، انهم يدخلون جنة ظلامية فارغة من أي أسس منطقية ، والأدهى أنهم يتعاطون مع تكنولوجية الكفار بإيمان خالص ، غير مدركين أن القوة في تنمية العقل وتنوير مداركه وليس في المتاجرة بالدين .
أعتقد أن الأصل في الثورة ليس القتل والذبح باسم الله …الله ليس بحاجة إلينا في شيء لننصره بوحشية وغموض وجنون .
ماذا بقي ل» الثورة العربية « بعد هذا التكالب المتطرف ، والعودة الظلامية بدل إنتاج فكر بديل ونظريات غير متداولة سابقا للخروج إلى ضوء الله الحقيقي .
إن موقف التدين المتطرف انقلاب في حد ذاته ، لا ينظر للحياة كمنهج يحتاج إلى استمرارية في الخلق والإبداع ….إن التدين العنيف وليد الاستبداد ، وهو مجرد كتلة من التناقضات .
لذلك لا يجب العبث به ، ولا يجب السماح له بتلويث العقل …نحن نحتاج إلى سلسلة من الانفعالات الذاتية لتطوير الواقع وليس إلى تجميده …
هؤلاء هم دعاة من يريدون حكم البلاد بسلطة قبحهم .
ما يستوقفني هنا ليس عجز التدين المتطرف على الاحتفاظ بجزء مضيء في رأسه ، هناك الأخطر …حين لا نؤمن بما نكتب ونكذب على قارئ بسيط يبحث عن حريته بين سطورنا ، سنشبه التاريخ الذي لا يسعه المكان ولا الوقت لترسيخ ندبه ، حينها سنصاب جميعا بالبلادة .
2_ الدين والسياسة ؛ تعارض في المبدأ
الاسلاميون لن ينجحوا لسبب بسيط جدا ، وهو أن هناك تعارضا في المبدأ بين الدين والسياسة ، وهذا ما بينه المفكرون السياسيون ، قدماء ومحدثين ، منذ أقدم العهود ، فالسياسة تقوم على تدبير الممكن في العلاقات الإنسانية بين البشر بحسب ما هو متاح في هذا العالم ، في حين أن الدين هو مجال تدبير المطلق في العلاقات بين الانسان والهته في ما يتجاوز هذا العالم .
السياسة تهدف لتدبير شؤون الحياة ، في حين أن الدين يسعى للجواب عن أسئلة الموت .
مجال السياسة هو المصلحة التي تقاس كميا واستراتيجيا و « فيزيقيا « ، في حين أن مجال الدين هو الأخلاق والروحانيات التي تدرك « ميتافيزيقا « .
السياسة مجال تدبير الملموس والمجسد ، في حين أن الدين مجال تدبير الغيبي والمجرد …
لهذا فصل الفلاسفة بين الأمرين معتبرين أن الدين يدخل في إطار الاختيارات الشخصية للأفراد ، فلكل إنسان الحق في أن يعتقد في ما يشاء بحسب ما يرتضيه تفكيره ووجدانه ، أما السياسة فتدخل في إطار العلاقات المشتركة في المجال العام والتي تنظم علاقاتنا في السوق والشارع والإدارة …وكل خلط بين المجالين يؤدي إلى كوارث وحروب ومصائب ، بل إن إدخال الدين في السياسة يضر بالسياسة وبالدين معا …
الاسلاميون إذن ليس فقط لم ينجحوا بل لن ينجحوا ، وأضرب لكم موعدا بعد ألف سنة لنتأكد . طبعا هذه قناعتي أنا ، وطبعا هناك أناس ( وهم الأغلبية ) لن يقتنعوا بهذا الكلام وسيرغبون في إعادة ( اختراع العجلة ) …سيبدو هذا لمن هو مثلي مضيعة للوقت وإخلافا لموعد تاريخي حاسم ، بل سيبدو هنا تراجيديا ومحزنا ومؤسفا . لكن التاريخ حزين ومؤسف بطبيعته ، وإن كان هذا هو الثمن الواجب دفعه ( عقود كثيرة ضائعة وضحايا بمئات الآلاف ربما ) ..فلسنا نملك شيئا ، فالعالم والتاريخ لا يمشيان وفق إرادتنا نحن .
الكاتب : عبد السلام المساوي - بتاريخ : 02/05/2020