الزعامة الوظيفية… قراءة في كلمة الكاتب الأول أمام المجلس الوطني
عبد السلام المساوي
سيادة التاريخ تحمل في ذاتها إقصاء قبليا للأجيال، وهذا يظهر في اللحظة التي يستثمر فيها الزعيم إرثه وتاريخه في العلاقات الجماهيرية مع المجتمع وفي العلاقات الداخلية للحزب. وهذا إقصاء قبلي، ففي حال وقوع صراع لا يتم الرجوع للوثائق بل للشهادات، لأن المجتمع لا يتوفر على وثائق أو محاضر الاجتماعات بل فقط على شهادة الأشخاص.
سيادة التاريخ، خصوصا بالنسبة للأحزاب التي تنهل من الشرعية التاريخية، تعطي داخلها سيادة للمؤسسات الرمزية على الأجهزة القانونية، ثقل التاريخ يأخذ وضعية سيادة المؤسسات الرمزية على الأجهزة التنظيمية والقانونية للحزب…
الاتحاد الاشتراكي، ومنذ المؤتمر الوطني التاسع، قطع مع الزعامات التقليدية التي استنفدت التاريخ، الزعامات الكاريزماتية بالمعنى الشخصي وليس بالمعنى الوظيفي… واختار الاختيار الديموقراطي، أي الزعامة الوظيفية – كما يسميها علماء الاجتماع- التي تستقي قدرتها من قدرة الحضور الشرعي القانوني طبقا للأجهزة والقنوات التنظيمية.
الزعامة الوظيفية للاتحاد الاشتراكي تجلت في الانتقال من الحزب/الشخص إلى الحزب/المؤسسة… الزعامة الوظيفية للاتحاد الاشتراكي تجلت بقوة في تحويل خيبة انتخابات 7 أكتوبر 2016 إلى انتصار: رئيس مجلس النواب، وزيران وكاتبة دولة… وظيفية الأستاذ لشكر تنتصر على تهور بنكيران وتيه شباط…
ونحن مقبلون على انبعاث تنظيمي متجدد، كما جاء في خطاب الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي أمام المجلس الوطني، يجب أن نحرص على انتخاب قيادة وظيفية، محليا، إقليميا وجهويا… قيادة قادرة على رفع التحديات وكسب الرهانات… المقاعد تهمنا.. ومطروح على هذه القيادة الجديدة/الوظيفية أن تسترجع في 2021 المقاعد التي فقدناها والتي انتزعت منا.. وتفاصيل الحكاية معروفة..
يقول الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي: «في ما يتعلق بالتجديد التنظيمي، فإننا نطمح من خلاله إلى تفعيل خارطة الطريق التنظيمية، بخصوص إعادة هيكلة أجهزة الحزب التسييرية في الفروع والأقاليم والجهات، فأنتم تعلمون أن الجهاز الحزبي له أهميته في تنشيط الحياة الحزبية، وتدبير الشؤون المحلية، وفي التخطيط للمعارك الانتخابية وتأطير الأنشطة المؤسساتية والنضالات الجماهيرية في الميدان، لذلك يتعين الحرص على أن تكون هذه الأجهزة تتمتع بكامل صلاحياتها الوظيفية وقدراتها التدبيرية وكفاءتها القيادية، وهو ما يتطلب، ليس فقط الاقتصار على عقد مجالس ومؤتمرات للترميم والتطعيم وإعادة توزيع المهام، وبعده الجمود والانغلاق، وإنما يتطلب الأمر بالضرورة قدرا من الانفتاح والتجديد والتشبيب، حسب الإمكانيات والسياقات المحلية، على أننا لا يمكن أن نذهب إلى المؤتمرات الجهوية والإقليمية، بدون تصورات مستقبلية والتزامات واضحة ودقيقة، بخصوص توسع التنظيم وإنماء العضوية، لا بد أخواتي إخواني أن تنتخبوا في فروعكم وأقاليمكم وجهاتكم أجهزة قيادية تلتزم معكم على برامج وتتعاقد مع قواعدها على مخططات بشأن انفتاح التنظيم وتوسيع قاعدته وتنويع قطاعاته وتنمية عضويته…».
* إن مبادرة تفعيل خارطة الطريق التنظيمية، التي أطلقها الكاتب الأول في المجلس الوطني الأخير، لا تتوخى مجرد الزيادة في عدد منخرطي حزبنا، وإنما تسعى إلى استثمار هذا التراكم التنظيمي في تجربتنا الحزبية من أن نجعل الاتحاد الاشتراكي اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، مجالا حيويا للشباب والنساء والكفاءات الجديدة، مجالا أكثر تفتحا لتعبئة الطاقات وابتكار الحلول واقتراح البدائل.. إن هذه المبادرة منهجية جديدة في تدبير العضوية، وهي جديدة بالمعنى الديالكتيكي، بمعنى التطور النوعي…
* إن مبادرة تفعيل خارطة الطريق التنظيمية، هي في صميمها عملية كبرى، عملية ذات صبغة تنظيمية وسياسية، ولها بعد استراتيجي واضح، لهذا مطروح على الاتحاديين والاتحاديات اعتبار إنجاح المبادرة مهمة تاريخية، حزبيا ووطنيا… وإنجاحها يقتضي الثورة على العقل الدوغمائي والجمود التنظيمي، يقتضي العقل الجدلي والحركة الدينامية، يقتضي تحديثا للبنية الحزبية وتجديدا لأساليب الحوار والتواصل…
*لسنا وحدنا في المجتمع، لسنا الحزب الوحيد، نشتغل في ومع، نشتغل في الواقع، نشتغل في مجتمعنا بكل مكوناته البشرية والثقافية، ونشتغل مع القوى السياسية المنافسة لنا والتي، أو بعضها على الأقل، تعتمد أساليب الحصول على أصوات الناخبين لا تأطير المواطنين، أساليب نحن نرفض بل نحرم استعمالها… قوتنا نحن في تنظيمنا ومشروعنا المجتمعي، في قدرتنا على التواصل مع المواطنين، في قدرتنا على الإبداع في أشكال التواصل، تغيير التخاطب مع الناس وفي التعامل معهم …
*إن مبادرة تفعيل خارطة الطريق التنظيمية، إغناء للهُوية الاتحادية وطريق صحيح لتجسيدها في الواقع، إنها مبادرة شجاعة لمواجهة قوى الارتداد والمحافظة… إن مبادئ الحزب، إن هُوية الحزب يمكن قتلها بالجمود والمحافظة، وبالتوقف عن المبادرة ومحاربة الانفتاح، وكل توسع وامتداد هو دفاع عن هذه الهوية وإغناء لها… إن الاتحاد الاشتراكي يبادر، وهذا قدره، والآخرون ينتظرون ويتفرجون… المستقبل يتكلم لغة اتحادية…
يتبع
الكاتب : عبد السلام المساوي - بتاريخ : 12/10/2018