الصين التي في خاطري 4 : المدرسة الحزبية..الأطر الدولة والحزب

بديعة الراضي

 

يشدك الإعجاب الكبير بهندسة مدينة ناننينغ وبيئتها، كعاصمة لمنطقة قوانغشي الذاتية الحكم، وتتساءل بالفعل كم من الوقت استغرق العمل كي تنحت الأيدي كل هذا الجمال، بكل هذا الإبداع الذي تبدو فيه للوهلة الأولى رغبة الإنسان في تسطير مجاله، رغبة لا يمكن أن تتأسس في الفراغ، بل يبدو أنها تجر ذاكرة فكرية وإبداعية، مشتغل عليها بدقة وببعد نظر، وهذا ما سنلمسه بالفعل سواء في زيارتنا للمتحف القومي لمنطقة قوانغشي، أو من خلال إنصاتنا لمحاضرات تقدم بها الجانب الصيني، في إطار ورش ساد فيه حوار ونقاش وإنصات مشترك بين المحاضر والوفد المغربي، الذي ضم فعاليات حزبية مؤسساتية من المكاتب السياسية والمجلس الوطني والبرلمان المغربي في غرفته الأولى.
ومن المعلومات التي حصلنا عليها أن نظام البنية التحتية بمنطقة قوانغشي الذاتية الحكم لقومية تشوانغ، قد تحسن بشكل مستمر، الشيء الذي ساهم في تحسين ظروف السفر للشعب إلى حد كبير، حيث غطت شبكة الطرق السريعة كل المنطقة وتم إيصالها من المدن إلى القرى، ناهيك عن شبكة خطوط السكك الحديدية الفائقة السرعة التي ارتفعت، بثمانمئة وثلاثة عشر كيلو مترا، بعدما فاقت سنة 2016 ، ألفا وسبعمئة وخمسين كيلومترا.
وسط هذا الجمال لمدينة تحمل معناها…توجهت بنا الحافلة إلى المدرسة الحزبية للجنة الحزب الشيوعي الصيني بمنطقة قوانغشي الذاتية الحكم، وفي القطار علق عضو في الوفد المغربي المكون من كوادر حزبية مكلفة بالمهمة الاستطلاعية بمنطقة قوانغشي الذاتية الحكم -بأفق انتظار عن مفهوم المدرسة في بلادنا- أن السكن لن يساعدنا على إقامة، تستطيع أن تحمل تعب سفرنا وأجسادنا التي أنهكتها الرحلة الطويلة التي تجاوزت 24 ساعة.
إلا أنه و بمجرد دخولنا مبنى المدرسة الحزبية اختلفت الرؤية، وبدا الوفد المغربي منشرحا بحسن الاستقبال الذي سطر شكله مدير المدرسة الحزبية وباقي المسؤولات والمسؤولين عن الإقامة، بابتسامة، وبتواضع كبير لمسناه طيلة تواجدنا في المدرسة الحزبية، التي لم نغادرها إلا في إطار البرنامج المسطر، ولم نحس أبدا بالملل لأن القيمة المعرفية التي احتوت تواجدنا، جعلت الزمن منتجا وممتعا، في نفس الوقت، بمدرسة بنيت على آلاف الهكتارات وغطت الأشجار والزهور كافة تمفصلات بناياتها المتعددة وأزقتها الواسعة والجميلة في هندستها وجوها المميز والساحر بالفعل.
دخلنا غرفنا التي لم تكن كما تصورنا، كانت أجنحة كبيرة يتواجد بها كل شيء، حتى الورق وقلم الرصاص والممحاة فكر فيها مضيفونا بدائرة العلاقات الخارجية للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني.
الطاولة الخشبية الراقية والإنارة الموجهة إلى الورق التي تدعوك للكتابة، خصوصا عندما تعرف بالفعل أن لا فايسبوك ولا تويتر ولا كل تقنيات التواصل موجودة في المنطقة، وحده الوتساب يتيح لك إطلالة على أصدقائك وأهلك.
تجد نفسك ملكا لزمنك، للبحث في مخيلتك ، لك قدرة على الإبداع والتفكير في كل تلك الصور والمواقف والآراء، والتي تسائل فيك فضولك، إعجابك، ورغبتك، في مزيد من المعرفة لبلد استطاع أن يبني ذاته بعاملين أساسيين : الصرامة والانضباط وتوظيف المجال والذاكرة والتفكير بالمستقبل، للنهوض بكافة القطاعات في التعليم والصحة والسكن والفلاحة والصيد والثقافة، بمخططات خماسية، قال عنها المحاضر « تشاو يوهوا « ، مدير قسم العلم الاقتصادي و الأستاذ الباحث بعد الدكتوراه لمدرسة لجنة الحزب الشيوعي الصيني في منطقة قوانغشي، وتحديدا، أكاديمية قوانغشي للإدارة، في عرض تحت عنوان « التنمية الاقتصادية والاجتماعية في منطقة قوانغشي الذاتية الحكم لقومية تشوانغ» ، تقدم به أمام كوادر الأحزاب المغربية المدعوين للاستطلاع في المنطقة، أنها مخططات خماسية تحط في الرقم اثني عشر، أي تعود إلى خمسين سنة خلت، أنتجت كل هذا البهاء، وشرح فيه كيف عمل الصينيون بمبدأ التراكم في المخططات والعلائق الكامنة بينها، وكيف جعلوا من تقدم الصناعة محطات ومراحل عززت موقع الصين في العالم، في إنتاج السيارات والتي تعتبر مدينة يوتشو بمنطقة قوانغشي قاعدة إنتاجية رئيسية لها، وهي المنطقة التي تملك اليوم قدرة تنافسية قوية في مجالات إنتاج الآلات الهندسية وآلات التعدين والمعادن السوداء وغير الحديدية، وصناعة التكنولوجيا المعلوماتية، إلى غير ذلك من المزايا التي تستنتج وأنت تتطلع على المزيد، أن خطوات الصين نحو النهوض كانت مدروسة و مبنية على منطق الدراسة والتخطيط .
وهو نفس السؤال الذي وجهته إلى المحاضر «تشاو يوهوا» من موقعه الحزبي والأكاديمي، يخص العلاقة بين الخبير والدولة، وهل الأمر يتعلق بتعاقد أم بمهمة حزبية في العلاقة مع الحكومة. قال تشاو إن العلاقة أولا بين الحزب والحكومة هي علاقة هامة يديرها الحزب ويطبقها الوزراء، وبخصوص الخبير فهؤلاء لهم «بنك معلوماتي» يشتغل باستمرار في التخطيط وخلق الاستراتيجيات.
أثار انتباهي طريقة «تشاو» في افتخاره بعلاقة كل ما هو محلي من موقع منطقة ذاتية الحكم، بدولة المركز وبالقيادة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، كما أثار انتباهي جوابه عن أسئلة الوفد المغربي، مؤكدا أن بلاده استطاعت أن تجد موقعا متقدما لها في العالم، وأن الايديولوجيا هي قناعة، وأن حزبه في الطريق الصحيح، لبناء الذات الصلبة المواجهة لكافة التحديات، وأن الانفتاح أتى بعد الاشتغال على منظومة متكاملة، فيها الصرامة والجدية وفيها المسؤولية والمحاسبة، و فيها التعليم إلزامي، وفيها حق المواطن الصيني في أن يحصل على التعليم طول حياته، وفيها الصحة من حق الجميع، ومن حق من بلغت به وبها الشيخوخة أن تستفيد من التغطية الصحية، ناهيك عن وجود تأمين ضد البطالة، والعمل متواصل على مزيد من توسيع رقعة التأمين الصحي وبناء المستشفيات وتشغيل الأطر، حتى إن المنطقة لها فائض من الأسرة، والتي تظل فارغة طول السنة، لينهي «شوا» جوابه بالقول «إن قيادة الحزب واستمرارها، ضمن الاستقرار السياسي والتأييد الشعبي» مما جعل المجال منظما والأهداف واضحة، حيث يتم إشراك الناس في الحوار حول كافة المخططات الخماسية عبر لجنة «بنك المعلومات الجامعية «والآليات الحزبية والإعلامية، مما وجد استحسانا وقبولا عند كافة المنخرطين في النقاش.

الكاتب : بديعة الراضي - بتاريخ : 07/10/2017