الطلبة المغاربة العالقون في أوكرانيا ومسؤولية الحكومة

مصطفى خلال
من بين الذين يعانون مباشرة من حرب روسيا وأوكرانيا يوجد الطلبة المغاربة الذين يتابعون دراستهم في أوكرانيا، ولحد كتابة هذه السطور يبقى وضعهم مقلقا.
أوكرانيا تعرضت وتتعرض لضربات عمليات عسكرية تقوم بها روسيا، ومن الطبيعي أن يحاول المدنيون الفرار من أماكن القصف، لكن وضع الطلبة هو الأضعف لاعتبارات معلومة.
طبقا لأخبار متداولة فقد حددت السلطات الدبلوماسية المغربية مناطق حدودية للطلبة المغاربة يلجؤون اليها في محاولة للهروب من القصف المحدق بالمدن الأوكرانية، غير أنه إذا كان هناك من نجح في التنقل إلى هذه المناطق هناك آخرون تعذر عليهم الحصول على وسائل نقل توصلهم إلى المناطق المحددة، بل منهم من كان موضوع نصب من قبل أصحاب سيارات الأجرة. فوسائل السفر المعتادة إلى المدن الحدودية غير متوفرة، وبعض أصحاب الوسائل الأخرى يمارسون النصب.
قبل أن يصل الطلبة إلى النقط الحدودية المعينة، عانوا من قلة التموين، وقلة الأفرشة، وقلة السيولة المالية، فضلا عن مشاكل في أوراق الهوية.
من الواضح أن وزارة الخارجية ووزارة السياحة وشركات الطيران المغربية تتحمل مسؤولية أولى تقوم فيها بواجباتها تجاه طلبة مغاربة عالقين في ظروف حربية لا إنسانية. فالاتصالات بالهاتف القادمة من طلبة وطالبات مغاربة تنقل كل أصناف المعاناة التي وجدوا فيها أنفسهم فجأة، ومعهم عذاب أسرهم هنا في المغرب، فلا كلام التطمين ولا التضامن اللفظي يخفف من قساوة الوضع الذي يكابده الطلبة المغاربة في الأجواء الحربية التي تحيط بهم وفي فصل البرد والشتاء هذا. وسواء الذين تمكنوا من الوصول إلى النقط الحدودية أو الذين لم يتمكنوا فعادوا أدراجهم من حيث أتوا، فإن عناصر المكابدة هي ذاتها، ومما زاد الوضع استفحالا هو التمييز في نقط الحدود بين النازحين الأوكرانيين والنازحين غير الأوكرانيين.
المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أكدت في حسابها على تويتر أن عدد هؤلاء النازحين صار يقارب الأربعمائة ألف، وهو رقم مرشح للارتفاع ما دامت الحرب في بدايتها، والرقم هذا لا يحتمل الشك على اعتبار أن السلطات الوطنية هي من قدمه، غير أن الاتحاد الأوروبي يتحدث عن سبعة ملايين شخص نازح من أوكرانيا، وإذا كان النازحون عموما يواجهون في العادة مشكلات كبيرة تتهدد حياتهم في النزاع الدائر خلال الهروب وأثناء النزوح، فإنه في حال الطلبة يكون الأمر أشد، إذ أن قصد هؤلاء هو الالتحاق بالوطن ومعانقة حضن أسرهم هنا في المغرب، ذلك أن العون الذي يتلقونه يأتيهم في الظروف العادية من آبائهم وأمهاتهم فقط وليس من الدولة. هؤلاء الأولياء لا حول لهم ولا قوة في ظرف الحرب هذا، فليسوا هم من يتوجب عليهم التدخل لعودة أبنائهم الطلبة إلى المغرب.
ما أبشع الحرب، وما أقذرها، وما أكثر ضحاياها من الأبرياء، نازحو حرب هَدْمِ حضارة العراق، وسوريا واليمن وليبيا وبلدان عديدة من إفريقيا، يضاف إليهم اليوم نازحو أوكرانيا. ومن بين الضحايا يكون دائما الطلبة ومستقبلهم وآمالهم وتطلعاتهم وشبابهم، ومع كل النازحين الأطفال والرضع تحملهن أمهات ثكلى.
إنه ليس أبدا انحرافا في التفكير القول إنه يمكن دائما إيجاد سبل أخرى لمواجهة مشاكل الجوار الحدودية وغير الحدودية، غير سبيل الحرب. غير أن الغرب وغطرسته وخضوع قادته للمركب الصناعي – الحربي، لا يقبل بأي سبيل أخرى غير سبيل الحروب لمزيد من المال ومزيد من أرباح تجارة الرصاص وفوهات القنابل، وهذه الحرب بالذات، حرب روسيا – أوكرانيا، كان بالإمكان تفاديها لو أن الغرب تفهم مطالب الطرف الآخر. فعوض هذا الموقف، موقف تفهم رؤية الروس، فضل الغرب إغراق أوروبا ومرة أخرى في حرب جديدة لا تتضح آفاقها سوى تلك المتعلقة بالإضرار بالإنسان ككل، وعلى رأسه الإنسان الأوروبي أولا، في هذه الحرب تحديدا.
وفي هذا الموضوع بالذات هناك العديد من الحقائق المغيًبة… وهي حقائق لن تقدمها للمشاهد الوسائط الإعلامية الغربية لأنها بكل بساطة أضحت، بل كانت دائما، تُرَوًج لرؤى الساسة الغربيين، وبالمثل، لقد كان حريا بالروس أن يتشبثوا بالطريق الدبلوماسي مهما طال، عوض اللجوء السهل إلى الحل الحربي المخرب ذي النتائج المرعبة على الجميع، حل يُيَسِر الطريق لتجار الحروب، أولئك الذين يتعاملون مع المعلومة على أنها بضاعة، ومع الحرب على أنها فرصة تجارية ينبغي قنصها.
الكاتب : مصطفى خلال - بتاريخ : 01/03/2022