العامل الذي كان

بديعة الراضي

من شرفة البرلمان، لا تريد صور أطفال وشباب وشيوخ ونساء دوار بوخلال بجماعة الرحا إقليم زاكورة، أن تغادر مخيلتي، وأنا استمع، بدقة وإمعان، لتقرير لجنة مراقبة المالية العامة ومنه إلى تدخلات الفرق النيابية وعرض الحكومة، في الجلسة العامة المخصصة لمناقشة التقرير الذي أعدته لجنة مراقبة المالية العامة حول صندوق التجهيز الجماعي. وتضخم في ذهني حجم المفارقة، بين ما أستمع إليه في عرض الحكومة التواق إلى استراتيجية تدبيرية جديدة للصندوق وفق الورش الجهوي الذي تأمل بلادي في استكمال معالمه، وبين دوار في جماعة لا تتوفر على أبسط شروط العيش الكريم، في ممرات يشهد ترابها أن الصندوق الذي تناقش آليات اشتغاله بالمراقبة البرلمانية والمحاسبة بالمجالس العالية، يجهل مدبرو الشأن الجماعي في هذا التراب والتراب المماثل وجوده، ليظل دوار بوخلال كما باقي الدواوير في جماعة الروحا، يتساءلون عن منفذ للخروج من حصار، لم تستطع إعدادية ثانوية الروحا أن تفك قسوته، رغم انتصابها وسط الدوار كشعلة، وكحلم، يسعى القائمون عليه لبلورته في جلب كتاب بمعرض يستمر في دورة سادسة، بالبساطة التي أحبتها عيون أطفالنا وشاباتنا وشبابنا، بطرد الدموع نحو ابتسامة عابرة، في زمن المعرض الهام بالنسبة لهؤلاء المنسيين في دوار بوخلال، وفي جماعة الروحا، ينتظرون الذي يأتي ولا يأتي، كحكايتي لهم، في افتتاح غير رسمي لمهرجان زاكورة الدولي للحكاية والفن الشعبي .

تلك الحكاية النابعة من روايتي «غرباء المحيط» ،التي ذهبت من أجلها إلى حيث المنصة، المكونة من أكوام التراب، التي اختاروها على واجهة الدوار من أجل فرجة تحفر في حروف النصوص الروائية لاستنباط نواة الحكي وعمقه، استحضارا للذاكرة من أجل نسيان واقع أليم، واقع جسده الشطط الذي استمر حكيا آخر، في الطرق الوهمية التي قيل عنها إنها ستعبد، والصفقات التي أصبحت رواية بين أعيان بوخلال و»المحكورين» التواقين إلى العمل في أوراش الأحجار، وحديث البقع الأرضية تلو الأخرى، وهناك النافذون النافذون، والمحميون المحميون، والفضاحون الفضاحون، والبراحون الصامتون، والعيون الجاحظة، وسط الوجوه السمراء المظلومة، والمتسائلون عن علم منسق السلطات الذي كان، بما يحدث، والخليفة والقائد، تلو الخليفة والقائد، والمهانون، والثائرون، والظالمون، والعاشقون للتراب، المفتخرون بالالتصاق بالأرض، الصابرون الصابرون، والمتحدثون عن الريع، والصائحون»حيدوا الرايس جا» والرافضون» حنا كلنا ريايس»، والمرضى الباحثون عن مستشفى، بل عن مستوصف يفتح الباب في وجوههم، والذاهبون على الأقدام للبحث عن منفذ للعلاج، السائرون في الطريق غير المعبد، الساقطون سهوا في الحفر، المتألمة أقدامهم، الملتصق التراب بمحياهم، العطشى، المتذوقون كرها للماء المالح، المحرومون من تدبير معقلن لواحاتهم، الفاقدون لحبات تمر استعصى جلبها لطول سيقان نخيلهم، المهانون المهانون، الصائمون عن الشكوى، المرمية رسائل أنينهم في سلة مهملات إدارات العامل الذي كان، الغاضبون من غياب الطبيب وحتى الممرض، المتألمون لفقدان زوجاتهم وأطفالهم في تنقل صعب مغامر، السائرون على الأقدام حفاة، المجانين، العقلاء، الحالمون بانفراج كبير…
كل هؤلاء تغيبهم الصناديق، تلك التي يفتح البرلمان اليوم نقاشا عموميا بشأنها، من أجل حل تراه الحكومة في ورش الجهوية المنتظر …فهل نستطيع؟

الكاتب : بديعة الراضي - بتاريخ : 28/12/2017